قال الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتي الجمهورية إنَّ ظاهرة التطرف والإرهاب لا تعرف وطنًا ولا دينًا وحمل لواءها جماعات إرهابية ذات عقليات مريضة ومنطق مشوه وقلوب جامدة. وأضاف، في كلمته التي ألقاها في قمة الشباب العالمي التي عقدت أمس الثلاثاء بالأمم المتحدة: "على المجتمع الدولي أن يتوحد من أجل مواجهة هذه الموجة المرعبة من الكراهية ومواجهة نمو الفكر المتطرف خاصة بعد تزايد انضمام أعداد كبيرة لتلك الجماعات من مختلف بلدان العالم". وأوضح أنَّ الكثيرين في الدول الغربية يخلطون ما بين الفتوى الدينية الصحيحة وبين بعض التصريحات المسيئة التي تصدر من زعماء الإسلام السياسي الذين نصبوا أنفسهم مفتين بغير علم، وفق تعبيره، لافتًا إلى أنَّ صناعة الفتوى هي واحدة من أجَّل مهام المؤسسات الدينية الرسمية المعتمدة مثل دار الإفتاء المصرية، والتي تهدف إلى فهم صحيح للعلاقة بين أحكام الإسلام والواقع المعاصر المتغير، في محاولة لتعليم المسلمين أحكام دينهم مع مراعاة الواقع المعيش للمسلمين في مختلف بقاع الأرض. وذكر نجم: "علينا أن نعلم أنَّ الفتاوى والمفتين هم جسر بين الفكر التراثي عبر التاريخ الإسلامي وبين الواقع المعاصر، المفتون هم حلقة الوصل بين الماضي والحاضر ويستطيعون التفرقة بين الحكم المطلق والمقيد وبين الناسخ والمنسوخ وغيرها من الأمور المهمة لإصدار الفتوى". وتابع: "صدور الفتوى من غير المتخصصين للإفتاء ممن لا يملكون ما يكفي من المعرفة الدينية الصحيحة هي واحدة من الظواهر التي قد تفسر السبب الأهم لانتشار التطرف لأنَّهم نصبوا أنفسهم كسلطة ومرجعية دينية رغم افتقارهم للمؤهلات العلمية التي تؤهلهم للتصدر لعملية الإفتاء والتحدث في الشريعة والأخلاق، وانتشار هذا السلوك المنحرف وفوضى الفتاوى فتح الباب أمام التفسيرات المتطرفة التي لا أساس لها في الإسلام لأنَّ أيًا من هؤلاء المتطرفين لم يدرس الإسلام في مؤسسة علمية إسلامية معترف بها بل هم نتاج بيئات مضطربة اعتمدت تفسيرات مشوهة ومضللة للإسلام بهدف تحقيق مكاسب سياسية بحتة ليس لها أي أساس ديني فهم يسعون فقط ليعيثوا في الأرض فسادًا ولنشر الفوضى في أرجاء العالم". وأشار المفتي إلى أنَّ هؤلاء المتطرفين يعتمدون المنهج الحرفي للنصوص الدينية دون التعمق في فهم معناها الحقيقي، حيث يتجاهلون قواعد الاستنباط العلمية وأقوال العلماء والجمع بين الأدلة الشرعية، ويتجاهلون المقاصد العليا للشريعة الإسلامية مثل حفظ الأنفس والدين والعقل والعرض والمال التي صدرت الأحكام الإسلامية من أجل تحقيقها ودفع الضرر عن الناس في الدنيا والآخرة، وهو ما أدَّى إلى إفراز تطرف فكري والانحراف عن المنهج الصحيح الذي يؤدي حتمًا إلى السلوك المتطرف. وأمضى يقول: "كان لزامًا على دار الإفتاء المصرية أن تواجه هذا التهديد العالمي عبر إعلانها حربًا فكرية ضد هذه الأيدلوجيات والمعتقدات المشوهة، ومواجهة تلك التفسيرات المقززة للنصوص الدينية للمتطرفين بليِّ عنقها وتشويهها ونزع الأيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة من سياقها". واستعرض مستشار مفتي الجمهورية مجهودات دار الإفتاء المصرية في تفكيك الأفكار المتطرفة عبر عدة آليات وطرق بعضها إلكتروني والبعض الآخر عبر إصدار الكتب والمقالات التي نشرت، بالإضافة إلى المشاركة في العديد من المؤتمرات الدولية لمكافحة الفكر المتطرف والأيديولوجية المنحرفة. وأشار إلى أنَّ دار الإفتاء من أجل ذلك قد أنشأت مرصدًا بهدف رصد وتفكيك الفتاوى المتطرفة والآراء الشاذة للجماعات الإرهابية، والذي أصدر العديد من الفتاوى المضادة التي كشفت عن التعاليم الصحيحة والسمحة للدين الإسلامي، وأكدت أنَّ تلك الأيديولوجيات المتطرفة الشاذة بعيدة عمن تعاليم الإسلام الحقيقية نصًا وروحًا على حد سواء. وأفاد بأنَّ المرصد أصدر العديد من التقارير التي تبين مدى انحراف هذا الفكر المتطرف كان من أهمها إظهار مدى بشاعة المعاملة التي يتعامل بها المتطرفون مع النساء خاصة في العراق وسوريا، حيث يتم إخضاعهن بالقوة للزواج القسري والاغتصاب والإهانة، ما يكشف الوجه الهمجي القبيح للمتطرفين ضد النساء، وفق نص حديثه. وتحدث قائلاً: "دار الإفتاء عرضت عبر تقاريرها لأوضاع الأطفال الذين يتم تغذيتهم بالفكر المتطرف ومشاعر الكراهية وغرس العداوة والبغضاء في قلوبهم ضد كل من يعارض فكرهم الشاذ، وهو ما يمثل خطرًا كبيرًا لأنَّ هؤلاء الأطفال هم بذور جديدة للتطرف تنمو لتصبح جيلًا جديدًا من الإرهابيين القادرين على القتل وسفك الدماء بدم بارد، حيث يتم تدريبهم على كيفية استخدام الأسلحة واستهداف المدنيين، بدلًا من تعليمهم الأخلاق الإسلامية الصحيحة التي تغرس في الأطفال مشاعرة الرحمة تجاه الآخرين". وأضاف: "دار الإفتاء أطلق أيضًا حملة إلكترونية عبر موقعها ومواقع التواصل الاجتماعي تطالب فيها وسائل الإعلام الغربية والمجتمع الدولي إلى عدم استخدام مصطلح الدولة الإسلاميةISIS عند الحديث عن الجماعة الإرهابية في العراق والشام واستبدالها بمصطلح منشقي القاعدة في العراق والشام لأن ربط اسم تلك الجماعة الإرهابية باسم الإسلام هو جريمة خطيرة ينبغي ألا نمر عليها مرور الكرام، لأن هذه المجموعة المتطرفة تبذل جهودها لتوفير الشرعية للأعمالها الشنيعة التي ترتكبها ضد الإنسانية عن طريق استغلال الدين لتناسب أجندات الشر، ونحن يجب أن نكون يقظين أمام هذه المحاولة الملتوية لاستخدام الدين لتبرير الأعمال الإرهابية الشنيعة". وقال نجم: "دار الإفتاء في معركتها ضد التطرف وفي محاولة لرفع مستوى الوعي ومنع الشباب من الوقوع فريسة لأفكار متطرفة كاذبة، أصدرت الدار مجلة "Insight" التي تصدر بشكل شهري لتفكيك الفكر المتطرف والعقائدية الخطيرة التي تعتمدها الجماعات الإرهابية، وتأتي هذه المجلة ردًا على المجلة شهرية التي يصدرها تنظيم منشقي القاعدة المعروف إعلاميًا ب"داعش" كأداة ترويجية لتبرير معتقداتهم البشعة". واستعرض مستشار مفتي الجمهورية في كلمته مجهودات دار الإفتاء على المستوى الدولي في مواجهة التطرف، عبر نشر سلسلة مقالات في كبريات الصحف العالمية مثل صحيفة "وول ستريت جورنال"، و"لوموند"، و"واشنطن بوست"، جنبًا إلى جنب مع الصحف الكبرى في العالم لتصحيح الصورة المشوهة عن الإسلام، ومناشدة المجتمع الدولي بعدم إتاحة الفرصة للمتطرفين في استخدام الدين كأداة ترويجية لأنشطتها غير الإنسانية. وتحدَّث عن واحدة من أحدث الإسهامات من دار الإفتاء في تفكيك الفكر المتطرف، حيث أصدرت الدار كتاب نشر تحت عنوان "The Ideological Battlefieldl: Egypt's Dar al- Iftaa combats radicalization"، وهو كتاب يحتوي على تحليل دقيق للخلل الأيديولوجي للعقلية المتطرفة، وتفنيد استدلالاتهم الفكرية التي يبنون عليها معتقداتهم المختلة التي تبني العنف وسفك الدماء، بالإضافة إلى إنشاء صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بعنوان "داعش تحت المجهر"، لتفنيد فتاوى المتطرفين للحيلولة دون انضمام الشباب إلى الجماعات المتطرفة وفضح منطقهم المختل في فهم النصوص الدينية والآراء الفقهية التي تستخدم بشكل خاطئ كقاعدة للمتطرفين لجذب الشباب لتصبح دروعًا بشرية في إقامة دولتهم الوهمية الإرهابية. وأشار مستشار المفتي إلى أنَّ دار الإفتاء قد اتخذت مبادرة من خلال الجولة الأوروبية الناجحة للدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، وكذلك إلقائه كلمة أمام البرلمان الأوروبي من أجل تأكيد أنَّ هناك تهديدًا وشيكًا من التطرف، وضرورة توحيد الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب". وشدَّد على أنَّ علماء الدين الحقيقيين والمؤسسات الدينية يقفون بحزم أمام تلك الأفعال والممارسات الاستغلالية، التي تسعى لتحقيق أغراض سياسية تحت ستار الدين. وفي ختام كلمته، أكد نجم: "إذا اعتبرنا واعترفنا برأي كل شخص غير مؤهل يتصدر للفتوى، فإنَّنا بذلك نكون قد فقدنا أداة حاسمة في قدرتنا على كبح جماح التطرف والحفاظ على الفهم الوسطي المتوازن للإسلام، وبخاصةً أنَّه في السنوات الأخيرة استغلت شخصيات غير مؤهلة علميًّا ولا شرعيًّا الوسائل التكنولوجية ونصبوا أنفسهم علماء وقادة إسلاميين، وأصدروا العديد من الفتاوى والآراء التي تبرر العنف بكافة أشكاله وصوره مثل مهاجمة الكنائس، وإثارة الفوضى، والإساءة للنساء".