فى الطريق إلى باريس لحضور ندوة فى اليونسكو، فى يوم المرأة العالمى عن الفضائح الجنسية للقذافى. العنوان هو نفسه الذى حمله كتاب كاشف لأحد أبرز أوجه الاستبداد الفاشية، أعدته الصحفية الفرنسية بجريدة «لوموند» أنيك كوجان، التى استطاعت فى بحثها عن دور المرأة الليبية -وفى أثناء هذا البحث- أن تكشف نوعية من الجرائم ربما ليس لها نظير من قبل، أو لنقل إنها كشفت عن أقبح أوجه الاستبداد الفاجر.. فعلى مدى الاثنين والأربعين عامًا اغتصب القذافى ليبيا ماديا ومعنويا.. كتاب «الطرائد» -وهذا هو العنوان للكتاب الصادر عن دار جواسيه، الذى ترجم إلى عدة لغات منها العربية عن «الدار المتوسطية»- كتاب مذهل فى فظاعة السلوك المشوه لطاغية بحق.. وهى فظاعة لا تدين القذافى وحده، ولكن تدين العالم الذى عرف وسكت، ولا يمكن التصور أن ممارسات القذافى بالذات ضد المرأة ممثلة فى برنامج ممنهج للاغتصاب والخطف، أقول لا يمكن أن يكون ذلك بمنأى عن سمع العالم وبصره.. «ثريا» صاحبة الشهادة الكبرى، التى تجسد كارثة إنسانية، تضع الجميع فى موضع المسؤولية، وإذا كانت شهادتها وهى واحدة من آلاف الضحايا، تهتك سترا قاتما، وقد كان قائما حتى سقوط القذافى، فإنها فى الوقت نفسه تطرح السؤال: كيف لا يكون ذلك أو يتكرر ثانية؟! تقول صاحبة الكتاب الكاشف للكارثة: إنه فى أثناء بحثها عن دور المرأة الليبية فى أثناء الثورة، ورغم الاختفاء الظاهر فإن نساء ليبيا كنّ السلاح السرى للثورة، ولدورهن تفاصيل وتفاصيل، وإنه كان هناك ثأر خاص لنساء ليبيا لدى القذافى، فإذا كان قد دمر ليبيا من جميع الأوجه ليترك شعبا فقيرا رغم كل ما يملك، فإن تشوهه الإنسانى الفظيع قد دفعه إلى ما يجعله أحد أكبر المجرمين فى تلك البشرية. «ثريا» التى اختطفها القذافى وهى بعد لم تتجاوز الرابعة عشرة، ليفتك بها جنسيا على مدى سنوات وسنوات، هى ضمن مئات من اللاتى كن محتجزات فى معسكر «باب العزيزية»، واللاتى كن ضحايا لشذوذ طاغية مهووس بالجنس.. والثريات الباقيات -لو جاز التعبير- هن حالة استثنائية، ربما لم يعرفها تاريخ البشرية بهذا القدر وبهذه الطريقة عبر اثنين وأربعين عاما من القهر والحكم المطلق. ندوة «اليونسكو» التى أدارها الزميل والصديق العزيز أيمن الصياد، بتمكن واضح، حضرها عدد من إعلاميى وصحفيى فرنسا، ولعلها كانت إحدى ثمار جهد ليبية آثرت التوارى، أو ثائرة كما تفضل أن تصف نفسها، كانت وراء كشف ستر هذا العوار الإنسانى للقذافى، والتى تركت بلدها ليبيا منذ ثلاثين عاما، ولم تستطع العودة إليه إلا مع الثورة لتكون فيها كما تقول -قائدة ميدانية- تُمسك بالسلاح المادى والمعنوى.. وهى التى وجه لها الكتاب وصاحبته الشكر، فلولا جهدها ما تمكنت الكاتبة الفرنسية من كشف هذا الشذوذ الفظيع والمخجل للإنسانية التى سكتت لأكثر من أربعين عاما. فلا أظن أن أجهزة العالم السرية كانت غافلة عن «القبو» أو الأقبية السرية الهاتكة لا للمرأة، ولكن للإنسانية، ولا أظن أن ادعاءات القذافى كانت «تدخل» على أولئك الذين كانوا يقبِّلون يديه ومنهم رؤساء دول. كل مرة كان يأتى فيها ذكر ما جرى للمغتصبات كانت الدموع تملأ عيون سعاد الوحيدى، الباحثة الليبية بمركز الأبحاث الفرنسى «E.N.R.S»، ولا أتصور أنها دموعها وحدها، لكنها الدموع التى لن تكف إلا بأن يعرف العالم كله تجليات طاغية ومستبد لم يهتك النساء وحدهن، لكنه هتك الإنسانية كلها. أعلم أنه فى الطريق أكثر من شكل لتوثيق ما جرى ل«ثريا» النموذج، ولكن لا أعلم إلى أى مدى سوف يكفر من علموا وسكتوا عما جرى.. التكفير الوحيد هو أن لا يتكرر، وذلك لا يضمنه سوى الحرية وقتل الخوف.