كتب كثيرة صدرت عن الثورة المصرية. لكن هذا أول كتاب يصدر في مصر عن الثورة الليبية. شدني إليه أنه مغامرة صحفية حقيقية. صاحبه هو أيمن السيسي الصحفي بجريدة الأهرام. عادة يكتسب الصحفيون الذين يتابعون الثورات والحروب أهمية شديدة في العالم كله خاصة اذا كانوا في قلب الميدان وليس مجرد متابعين من بعيد يأخذون معلوماتهم من مكاتب المعلومات للجيوش أو الثوار. وصاحب هذا الكتاب كان هناك ونشر كثيرا منه في جريدته ثم جمعه في كتاب صادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. وأن تذهب الي ليبيا وقت الثورة يعني أن تذهب الي المجهول خاصة في أيامها الأولي قبل تدخل حزب الناتو. لكن ايمن السيسي متابع من زمان للصحراء الغربية المصرية وكثيرا ما كتب عنها ولا يمكن لمن يعشق الصحراء الغربية أن يكون بعيدا عن ليبيا. الكتاب طبعا يصور لنا الحالة الجماعية من الفوضي والنزوح الي مصر وخاصة من المصريين في الأسابيع الأولي لكنه أيضا يمضي في رحلة طويلة بالليل والنهار في العراء وفي البيوت والمواقع الثورية ويصل إلي اكثر من موقع مع الثوار الليبيين ومدنهم ونعرف من شهاداتهم وأحاديثهم اليه كيف بدات الثورة وكيف تعامل النظام الشيطاني مع الثوار أو المتظاهرين في الأيام الاولي. وكيف انضم الضباط الليبيون الي الثوار وتارخ وعائلات كل منهم. ونكتشف أن لأكثرهم جذوراً في التمرد علي العقيد انتهت بقتل بعض أهلهم او سجنهم وتعذيبهم، الكتاب يكشف عن كثير من الأهوال وبالإسم. وكما يلتقي بأحفاد وابناء عمر المختار يلتقي بوجوه من الثوار وعائلات الشهداء وعائلة ايمان العبيدي التي فضحت جنود القذافي من المرتزقة أو من الليبيين. وحين يلتقي مع احفاد عمر المختار وإبنه يعرج بنا الي العلاقة التاريخية العظيمة بين مصر عامة والاسكندرية خاصة والثورة الليبية ضد الاحتلال الايطالي. هذه العلاقات التي طالما أراد لها القذافي ان تفسد والتي تجلت اخيرا ايام الثورة في مساعدة الليبيين للمصريين العائدين الي بوابة الحدود في السلوم وفي التبرعات المصرية من قبائل الصحراء الغربية وغيرها،وعن الشباب المصري الذ ي انضم هناك للثورة أو ذهب إلي هناك من ميدان التحرير متطوعا في الخدمات الطبية وغيرها . كثير جدا من الشخصيات الحية من الشباب الذي أشعل الثورة وكثير جدا من المتاعب والرعب في الطريق اليهم والي مواقعهم بحيث تجد نفسك دائما وسط الأحداث المشتعلة. وتشغل شخصية القذافي كما يراها الثوار مساحات كبيرة وكذلك تصرفاته وكلها تصرفات لم تعد غريبة علينا، فقط التفسير هو الذي يختلف. فالكثيرون يجمعون علي أن القذافي من أصول يهودية. أمه يهودية حملت به سفاحا من عشيقها اليهودي ثم تزوجت ليبيا اعطاها اسمه واسم قبيلته . بل أن اسمه يحمل معني غير طيب. معمر إذا بنيت للمجهول تعني الشخص الذي تم اغتصابه. هذه حقيقة في لغة بدو الصحراء الغربية لكنها ايضا تعني الشخص الذي يقوم بذلك اذا نطقت في صيغة إسم الفاعل. يعني هي فضيحة اذا وضعت علي الميم الثانية فتحة كما في الحالة الاولي، أو كسرة كما في الحالة الثانية. ربما لذلك كان الجميع ينطقونها بكسر الميم الثانية خوفا من عار الأولي. حتي اسمه كان مشكلة !! ويؤكد الكثيرون علي هذه الحقيقة، حقيقة كونه يهوديا. من حكايات تاريخية ومن عدم حب قبيلة القذاذفة له ومن وثائق مشهورة لكن لم يرها أحد وإن كتب عنها بعض الاجانب. وفي هذه النقطة بالذات أتريث قليلا. ليس دفاعا عن القذافي طبعا ولكن عادة ما تبدأ بعد الثورة علي الطاغية - أي طاغية - حكايات غربية تضعه في الدرك الأسفل. والقذافي لم يكن في حاجة الي هذه الحكايات ليكون في الدرك الاسفل، فهو علي كل مستوي كان فاشلا في إدارته للبلاد التي خربها وكان شديد الاستهانة بشعبه ويعاني من جنون العظمة الذي كان يجعله ينظر دائما الي أعلي متعاليا علي ما حوله. طبعا يؤكد ما يقال عنه إنه قد وصلته اسلحة من اسرائيل بعد الثورة ليقتل بها شعبه أو أنه مثلا بعد عبور الجيش المصري عام 1973 وحين كانت ليبيا تقدم دعما لوجستيا للجيش والبحرية فاجأ الجميع في الأيام الاولي من الحرب بخطبة يشكك فيها من قدرة الجيش المصري علي هزيمة اسرائيل. والحقيقة انني لم اصدق أبدا أن الطغاة الذين حكموا بلادهم العربية بالحديد والنار كانوا ضد اسرائيل التي جعلوها الفزاعة التي تسكت معارضيهم كما نسمع الآن في سوريا التي يعتبر نظامها أن الثورة هناك عمل إجرامي يصب في صالح اسرائيل التي لا يقف ضدها غير النظام السوري !! وانا لا أعرف ابدا كيف يكون وقوفك ضد العدو مبررا لقهر شعبك. والأهم أنك لا تقف اصلا ضد عدوك بل تقدم له فرصته الذهبية في قمع الشعوب العربية التي يمكن أن تقف ضده. هذه أكاذيب يبني عليها الطغاة عروشهم وهم عملا ء في السر لاسرائيل وأميركا. علي أي حال الكاتب وهويستطرد فيما يقوله الثوار عن القذافي يشير من ناحية إلي حجم الكراهية التي كان يضمرها الليبيون ضد هذا الحاكم. وأيضا يصور الكتاب بهذا الموقف مدي السخرية التي انطلقت من حناجر كبتت أربعين سنة وقهرت وفي كثير من الأحيان قتل أصحابها. والأهم من ذلك كله الحياة التي قدمها الكاتب للشعب الليبي اثناء الثورة وأبطاله وأوجه إجرام النظام السابق ومرتزقته بحيث يحعلك في قلب الأحداث المشتعلة دائما. طبعا نحن محرومون من متابعة الثورة في سوريا وحرمنا ايضا من متابعة الثورة في اليمن. صحيح ان الفضائيات تنقل لنا الكثير جدا لكن الكتاب والكتابة تظل لها قيمتها الأنسانية الأكبر وتصاحبك في البيت في كل وقت بعد أن تنتهي الأحداث.