كتب- مهند الصباغ وبيتر مجدى وأمل مجدى ومحمود سعيد: «صلاحيات البرلمان وفق الدستور الجديد طموحة، وإن لم تُستخدم برُشد يمكن أن تسبب فى إلحاق الأذى بمصر»، كانت هذه الكلمات ضمن خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسى فى مأدبة الإفطار تحت عنوان «الأسرة المصرية»، مساء أول من أمس (الثلاثاء)، ليثير الرئيس تساؤلات حول علاقته بالبرلمان القادم، بالإضافة إلى حديثه حول احتياج الدستور إلى وقت حتى تُطبق مواده. الرئيس لا يفوّت فرصة، إلا ويعبر فيها عن رؤيته ومخاوفه من شكل وتكوين البرلمان المقبل، لدرجة أنْ شبَّه الرئيس الانتخابات البرلمانية، ذات مرة، ب«الخطوبة»، قائلًا: «لما يجيلك عريس لبنتك مش بتسأل عليه؟ اسأل على النواب، لأن العروسة مصر». واعتبر عدد من القانونيين والسياسيين أن كثرة حديث الرئيس عن البرلمان تدل على تخوفه من البرلمان المقبل وصلاحياته الواسعة، مؤكدين أن البرلمان بالفعل لديه صلاحيات تحد من سلطة رئيس الجمهورية، وتمثل رقابة على سياسات الحكومة. المحامى بالنقض عصام الإسلامبولى، قال إن الدستور الحالى يعبر عن 80% مما تمناه المصريون، ورغم أنه مضى على إقراره عام ونصف العام فإنه لم يطبَّق تطبيقًا حقيقيًّا فى كثير من الجوانب إلى الآن، مضيفًا أن المشكلة الأساسية فى عدم تحقيق المرحلة الانتقالية أهدافها، ولا توجد رغبة حقيقية لدى النظام القائم فى تطبيق الدستور، ولا حتى إجراء انتخابات برلمانية. الإسلامبولى تابع: «يتعامل النظام كأنه لا يوجد دستور جديد من الأساس، ولا توجد فلسفة الالتزام بالتطبيق»، مشيرًا إلى أن الرئيس لديه مخاوف من صلاحيات البرلمان القادم، وعدم موافقته على بعض القوانين التى صدرت فى عهدَى عدلى منصور والسيسى لأنها مخالفة للدستور، ومنها قانون عدم جواز الطعن على العقود التى تبرمها الدولة مع الأفراد، وهو اعتداء على حق التقاضى وتستر على الفساد وإهدار للملكية العامة، وكذلك قانون التظاهر، والعودة إلى تعيين رؤساء الجامعات وليس انتخابهم، وأيضًا قانون مباشرة الحقوق السياسية ومجلس النواب وهى قوانين باطلة تمامًا. السبب الثانى لمخاوف الرئيس من البرلمان تحدث الإسلامبولى عنه قائلًا: «الرئيس يخشى المادة 146 بالدستور الخاصة بتشكيل الحكومة بعد اختيار رئيس مجلس الوزراء من قبل الرئيس، ويصوّت البرلمان على الحكومة، والسبب الرئيسى لمخاوفه، هو عدم تحقيق الاستقرار فى وقت قريب»، لافتا إلى أن الرئيس لا يخاف من عزله لأن الدستور القادم يهمّش الأحزاب. الإسلامبولى، عبّر عن مخاوفه من لعب حزب النور دور الإخوان المسلمين، بحيث يسيطر على البرلمان من خلال الشعارات الدينية رغم مخالفته للدستور، وقيامه على أساس دينى، متوقعًا أن يطالب أعضاء البرلمان -بمجرد انتخابهم- بتعديل الدستور لتعزيز صلاحيات الرئيس. الخبير القانونى الدكتور شوقى السيد، قال إن مصر ما زالت تمر بمرحلة انتقالية، وأن تطبيق الدستور بطموحاته يحتاج إلى حالة من الاستقرار يجب أن تسبق الدستور، مضيفا «واضح أن الرئيس مؤمن بما يتضمنه الدستور من مواد وأحكام». وعن البرلمان قال السيد «كمبدأ عام لا بد أن يكون البرلمان فى حالة رشد لأن سلطاته كبيرة وفق الدستور، إذا لم يكن الأعضاء على قدر المسؤولية، بادعاء البطولات أو إشعال حرائق سياسية، سيكون فى هذه الحالة خطر على مصالح الوطن»، موضحا أن سلطات البرلمان كبيرة وإن لم تُستخدم بوعى ومسؤولية يمكن أن تؤدى إلى «إيذاء الوطن»، مطالبا الناخبين بحسن الاختيار، واللجنة العليا للانتخابات بأن تمارس سلطاتها بمسؤولية حتى لا يتسلل بعض التيارات إلى البرلمان لإفساد الحياة السياسية. شوقى قال إنه وارد أن يطلب الرئيس تعديل الدستور، لأنه أُعدّ فى ظروف توافقية، وما بين ثورات ومراحل متناقضة وبالتالى وارد أن تكون هناك نصوص تحتاج إلى تعديل، وسيكون بإرادة الرئيس وموافقة مجلس النواب ويُعرض على الشعب للاستفتاء، مضيفا «دستورنا من الدساتير الجامدة لا المرنة التى يحتاج تعديلها إلى إجراءات مطوَّلة». من جهته قال عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة الدكتور محمود كبيش، إن مخاوف الرئيس من البرلمان منبعها أن لا يكون البرلمانيون على درجة من الرشد، مما يمكن معه أن تحدث أزمات سياسية. ولفت كبيش إلى أن الأزمة قد تكون فى ما هو مقرر للبرلمان بتشكيل الحكومة ومنح الثقة للحكومة التى يشكلها الرئيس، موضحا أن تشكيل الحكومة يكون من خلال الائتلاف الحزبى الحاصل على الأغلبية وأن هذا قد يُحدث اختلافا متوقعا كما هو معهود بين السياسيين. كبيش أشار إلى أن البرلمان له سلطات واسعة إذا لم يحسن استخدامها قد تحدث أزمة سياسية تعرقل الحياة السياسية، موضحا أن حسن استخدامها يكون باختيار جيد لأعضاء البرلمان وهى مهمة الشعب. وعن تعديل الدستور قال «من حق الرئيس أن يطالب بتعديل الدستور ومن حق المجلس نفسه تعديل الدستور»، مضيفا «طموحنا تجاوز حدوده فى تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، نتيجة التوجس من الأنظمة السابقة»، متوقعا طرح مسألة تعديل الدستور. فى سياق متصل، اعتبر أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية الدكتور سعيد صادق، أنه من الطبيعى أن يكون لرئيس الجمهورية، بعض التخوفات من البرلمان المقبل، لأن وعيه الأمنى بظروف مصر الحالية يجعله يخشى وجود نواب لديهم صلاحيات واسعة. وأوضح صادق أن «الدستور الحالى أعطى البرلمان حق تشكيل الحكومة من عدمه»، وأشار إلى أن «هناك مخاطر كثيرة تحيط بشكل البرلمان المقبل، منها أن الناخب حتى الآن يمكن أن يتعرض فى الأماكن الفقيرة لشراء صوته، ومنها أن يكون لبعض النواب علاقات بدول خارجية ويحدث تمويل خارجى للبرلمان». من جانبه أوضح الدكتور مختار غباشى، رئيس المركز العربى للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن البرلمان أداة تشريع ورقابة على أداء الحكومة، موضحًا أهمية كيفية اختيار نواب البرلمان المقبل الذين لديهم القدرة على ممارسة دورهم الرقابى والتشريعى ولهم القدرة على تمثيل الدولة المصرية. وشدد غباشى على أهمية أن يكون البرلمان ذا صلاحيات مكتملة، والأهم من استخدام الصلاحيات برشد أن يكون هناك نواب برلمان لديهم القدرة على الإلمام بأدواته الرقابية والتشريعية، وممارسة دوره بفاعلية، بشكل يخدم الدولة ومؤسساتها، لافتًا إلى أن التكتلات السياسية داخل كل البرلمانات لا بد أن تتصارع وأن تكون هناك تنافسية.