** «وصلت قبل قليل طفلة فلسطينية إلى موقع جيش الدفاع قرب قرية النبى صالح وهى مصابة بجروح خطيرة نتيجة حادث طرق داخل القرية. قوات طبية لكتيبة «شاحار» سارعت بتقديم العلاج الأوّلى للطفلة لإنقاذ حياتها ثم نقلت بمروحية عسكرية إلى مستشفى إسرائيلى قرب تل أبيب. نشارك الصلوات والتمنيات بالشفاء العاجل للطفلة». العبارة أعلاه هى تغريدة باللغة العربية من صفحة أفيخاى أدرعى، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى! ** «باسمى وباسم مؤسسة جيش الدفاع الإسرائيلى أتقدم بأحر التهانى والتبريكات إلى عموم المسلمين فى الأقطار العربية كافة، وفى دولة إسرائيل وفى جيش الدفاع الإسرائيلى على وجه الخصوص.. يحل شهر رمضان هذا العام والعالم العربى غارق فى وحل الإرهاب والتطرف، حيث تعبث المنظمات الإرهابية بحياة وسلامة المواطنين فى هذا المحيط وتستخدم اسم الإسلام وآياته. ندعو الله فى هذا الشهر الفضيل أن يقى المسلمين شر مخططات هذه المنظمات والجماعات التكفيرية الإرهابية المتطرفة..». العبارة أعلاه من مقطع فيديو لأفيخاى أدرعى، بزيّه العسكرى متحدثا باللغة العربية.. فى حفل مصور لإفطار الجنود المسلمين فى الجيش الإسرائيلى! ** أفيخاى أدرعى هو المتحدث باللغة العربية باسم الجيش الإسرائيلى، أى أن المستهدف بخطابه هو العرب بالطبع، وله صفحات مشهورة على «فيسبوك» و«تويتر» وغيرهما من مواقع التواصل الاجتماعى، تغريداته مدروسة وموجهة بإتقان! وتصريحاته المصورة فى مناسبات عديدة موجودة على «يوتيوب». أدرعى متمكن جدا من اللغة العربية وينطقها بلهجة فلسطينية، خفيف الظل ومهذب فى تصريحاته! نعم إسرائيلى يحدثكم بالعربية بخطاب متحضر! يفهم بعمق الثقافة العربية والنكات العربية.. ومُلمّ بالمتواتر من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية.. وكذلك الأمثال الشعبية الفلسطينية والمصرية خاصة، ابحثوا عنه فى «فيسبوك» و«تويتر» وراقبوا تصريحاته فى المناسبات العربية العديدة.. المفرحة والمحزنة، ستجدونه دائما ودود اللهجة والخطاب وهو يرتدى عباءة.. داعية السلام! هل أنت مندهش؟! مندهش من شخصيته أم مما أقول عنه؟! ** إسرائيل -عدوّنا الاستراتيجى- تخاطب محيطها العربى بلغته، اختارت جنديا من جيشها ليخاطبكم بلغتكم، يحرص على التصريح فى مناسباتكم الدينية.. والقومية أيضا! فى خطاب متحضر ليس به أى عنصرية تجاه العرب أو المسلمين أو المسيحيين! والجندى الإسرائيلى الذى يقوم بالمهمة يؤديها بإتقان، بغض النظر عن حقيقة وبداهة أننا لا نصدقه! ولا نصدق دولته التى أنشأها آباؤه باغتصاب أرض الغير وإعمال التقتيل فى شعبها! هذه حقيقة لن تمحوها رقة مشاعره وهو يتمنى للطفلة الفلسطينية الشفاء! لكن.. موضوعنا هنا ليس الحقائق التاريخية عن نشأة إسرائيل.. بل الموضوع هو: أفيخاى أدرعى! ** بعد عدة أشهر من متابعة صفحة أفيخاى أدرعى على «تويتر» مثل غيرى من العرب.. يمكن القول بأن: # أولا: الجهل والعنصرية وعدم التحضر.. هى سمات شائعة فى معظم الردود على تغريدات أدرعى من متابعيه.. العرب عموما والمصريين بالذات! أغلبهم يرد عليه بالسباب الشخصى والعنصرى والطائفى، أو السخرية مما يقول.. باعتبارهم «يدركون» أنه مُدَّعٍ وكاذب وأنهم أذكى من أن يخدعهم! وفى تلك الردود يتضح جهل الخلط بين اليهود والإسرائيليين والصهاينة، وعنصرية السباب مثل تلك العبارة القبيحة «أحفاد القردة والخنازير»! وكذلك تلاحظ استشراء «روح المزايدة» بين المعلقين! فمن رأى ممن سبقه فى الرد تعليقا فيه سباب وتهديد ووعيد.. اندفع هو بتعليق أكثر سبابا وأعلى صوتا فى التهديد والوعيد! إثباتا أنه أكثر وطنية أو عداء لإسرائيل! أما من يرد ردا علميا مدعما بحقائق التاريخ دون سَبّ أو عنصرية.. وهو نادر.. فسوف تفاجأ أن باقى المعلقين تركوا أدرعى ليوجهوا سهام السباب لشقيقهم العربى.. الذى رد على أدرعى بتحضر! ** ثانيا: ليس لدى مصر من يتحدث بالعبرية فى خطابٍ موجّهٍ إلى الإسرائيليين! فبينما تهتم إسرائيل - عدوّنا الاستراتيجى - بخلق قناة تواصل شعبية مع عدوّها العربى.. فى زمن «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب» والفضائيات المفتوحة.. لتعرف توجهاته أو للتأثير عليه.. من المؤسف أن مصر لم تولِ أى اهتمام لمسألة «توجيه خطاب مصرى إلى الإسرائيليين»، رغم أن لدينا فى جامعات مصر قسما للغة العبرية! ما الهدف إذن من تعليم اللغة العبرية فى جامعاتنا؟! فمعرفة لغة العدو ليست فقط بغرض «اعرف عدوك»! بل يجب أن تكون أيضا لأجل.. التأثير فيه! ** على المستوى الرسمى إذن هناك تجاهل لأن يكون لمصر متحدث باسمها، يوجه خطابا مصريا للتأثير فى العدو بلغة علمية ومتحضرة غير متشنجة.. تناسب طبيعة الصراع الطويل مع عدو استراتيجى.. المشوار معه لم يصل بعد إلى منتهاه! هذا التجاهل هو إحدى نتائج غياب الخطاب السياسى المصرى بعيد النظر! وعلى المستوى الشعبى هناك جهل بحقائق التاريخ وتدنٍّ أخلاقى ونظرة عنصرية للآخر الدينى، فى اعتقادى السبب الأساسى هو تدنى مستوى التعليم والإعلام فى بلدنا، لذا فبعد مطالعة الردود الشعبية على أفيخاى أدرعى.. أعتقد أننا والله العظيم بحاجة فعلا إلى ثورة ثقافية! تُعّلم أجيالنا القادمة الإتقان والتحضر والموضوعية.. حتى فى ممارسة العداوة!