التقينا أنا ومصطفى بسيونى أمام «الكاونتر» فى مطار قرطاج الدولى بتونس يوم 30 يناير 2011. وبقينا معا إلى أنا وصلنا إلى شارع المبتديان نحو الساعة السادسة من صباح يوم 1 فبراير. قبل هذا اللقاء، توجهت إلى «جوبا» عاصمة جمهورية جنوب السودان لتغطية احتفالات «الاستقلال» وظللت حتى 18 يناير. وبعد يومين وصلت إلى تونس. فى الحقيقة، كنت أغطى احتفالات السودان الشمالى الإسلامى والسودانى الجنوبى المسيحى بالانفصال أو الاستقلال أو التقسيم، وضربة كنيسة القديسين لا تزال توجع القلب. وما لبثت أحداث تونس أن بدأت. غطيتها بالتفصيل وعدت مع مصطفى إلى القاهرة بعد مغامرات استمرت ليومى 30 و31 يناير فى تونسوالقاهرة على حد سواء. حتى هذه اللحظات لم نكن نتصور أن الأمور سوف تسير على نحو آخر تمامًا. فأحداث ليبيا لم تكن قد بدأت بعد. ظللت فى القاهرة حتى يوم 25 فبراير 2011. غطيت كل ما دار بالتفصيل فى تلك الفترة. وكانت أحداث ليبيا قد بدأت. لكن خلال التغطيات والمقابلات فى مصر ظهرت أفكار وأحاسيس غير مطمئنة عبرتُ عنها فى مقالات متفرقة فى تلك الفترة. وهذا فى ما يتعلق بتحركات تيارات الإسلام السياسى والإجراءات المتضاربة التى فرضها المجلس العسكرى آنذاك. فى يوم 25 فبراير غادرت القاهرة متوجها نحو الغرب إلى السلوم. قمت بتغطية ما يجرى على الحدود المصرية الليبية طوال ذلك اليوم، وخلال النصف الأول من يوم 26. وبعد الظهر عبرت الحدود وتوجهت إلى بنغازى. وصلت فجر يوم 27 فبراير. وفى يوم 28 أعلن المجلس الوطنى الانتقالى عن تأسيسه وعن أول مؤتمر صحفى له. ووجهت سؤالا إلى مدير المؤتمر عبد الحفيظ خوجة عن مشاركة واشنطن فى تشكيل المجلس الوطنى. رفض الرجل الإجابة عن السؤال الذى تكرر 3 مرات، إلى أن أصر كل المراسلين والصحفيين الأجانب والعرب على الإجابة. فرد الرجل بالإيجاب. وكانت وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون قد أدلت بتصريح يوم 26 فبراير حول أن واشنطن تتابع مع النخبة الليبية الجديدة تفاصيل تشكيل مجلس وطنى انتقالى. منذ ذلك الحين بدأت أركز على الجانب السياسى وتفاصيل الأدوار القطرية والأمريكية والبريطانية والفرنسية، حتى همس لى أحد الأشخاص القريبين من المجلس فى أحد أيام الأسبوع الأول من شهر مارس بأن هناك عملية إنزال لقوات خاصة بريطانية فى صحراء بنغازى. وطلب منى عدم استخدام هذه المعلومات لبعض الوقت. لكن بعد يوم واحد فقط، صدرت إحدى الصحف البريطانية لتعلن أن هناك أزمة دبلوماسية بين لندن وبنغازى، بسبب اعتقال مجموعة من الدبلوماسيين البريطانيين ضلوا طريقهم فى الصحراء! وعلى الفور أبلغت على الهواء مباشرة خبر عملية الإنزال. كانت هذه الأحداث كفيلة بوضع النقاط على الحروف بشأن ما يجرى فى ليبيا، خاصة أن الأوضاع فى طرابلس والجزء الغربى من البلاد كانت تتفاقم بشكل سريع وخطير. وكانت الأمور تتطور فى كل من مصر وتونس أيضا. وبدأت بشائر تحركات فى كل من المغرب والجزائر وسوريا. ورافق ذلك ظهور غير طبيعى لجماعات الإسلام السياسى وتقارب غير مسبوق مع الدبلوماسية الغربية، وبالذات الأمريكية والبريطانية والفرنسية. وزادت الزيارات المكوكية للدبلوماسيين الأمريكيين لكل من تونسوالقاهرة وبنغازى. من هنا تحديدا بدأت ملامح النسق الأفغانى الذى يجرى إعداده للمنطقة باستخدام كل الوسائل الممكنة، بما فى ذلك إعادة المجاهدين من أفغانستان والعراق وكوسوفو والبوسنة إلى دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ليس فقط بعلم الأجهزة الأمنية الغربية ومثيلتها المحلية فى كل دولة، بل وأيضا بالتعاون معها. بل وبدأت المعلومات حول تسهيل مرور السلاح وتحرك شحنات أسلحة فى المنطقة ككل وعبر الحدود. هكذا ومنذ عامين بالضبط بدأت أكتب عن أفغنة شمال إفريقيا والشرق الأوسط. وبدأ البعض ينزعج من مثل هذه التوصيفات والمصطلحات إلى درجة السخرية والتهكم. وأكدتُ فى عديد من المقالات واللقاءات أن العملية ليست مجرد أفغنة مثل أفغانستانوباكستان بالضبط، إنما تحويل المنطقة إلى نسق أفغانى. لكن حتى هذه التفسيرات قوبلت بالرفض والتعنت. والآن، ما يجرى فى شمال إفريقيا وبعض دول المنطقة أصبح لا يختلف إطلاقا عما يجرى فى أفغانستانوباكستان. ولننظر ماذا يجرى فى ليبيا والجزائر ومالى ومصر وسوريا والعراق والسودان والصومال واليمن. علما بأن أحداث الميناء النفطى الجزائرى واحتجاز الرهائن لن يكون الأول. المدهش أن الولاياتالمتحدة وفرنسا صرحتا يوم الأحد 20 يناير 2013 بأنهما سوف تواصلان حربهما ضد تنظيم «القاعدة» فى شمال إفريقيا! بالضبط مثلما حاربته وتحاربه الآن فى أفغانستانوباكستان واليمن والعراق. أى أن واشنطن وباريس ولندن ساعدت ودعمت أنظمة يمينية دينية متطرفة فى الوصول إلى السلطة فى بعض دول شمال إفريقيا، مثلما وضعت أنظمة غير مفهومة فى أفغانستان وأخرى عسكرية - دينية فى باكستان، وتواصل دعمها وتأييدها وتمويلها لهذه الأنظمة. بل وبدأ التحالف الأمريكى - الأوروأطلسى يحارب تنظيم «القاعدة» فى شمال إفريقيا، بالضبط مثلما يحاربه الآن فى كل من أفغانستانوباكستان! من الواضح أن الولاياتالمتحدة والمحور الأوروأطلسى نجحا بالفعل فى نقل نسق الأفغنة إلى شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وأن الحرب على «القاعدة» مستمرة إلى أن تتحول كل دول المنطقة إلى أفغانستانوباكستان حقيقيتين فى ظل أنظمة يمينية دينية متطرفة، وأخرى يمينية فاشية، وثالثة استبدادية، وكلها تحظى بتأييد أمريكى - أوروأطلسى ليس فقط على مستوى الدعم السياسى والمالى، بل وأيضا العسكرى!