لا أعرف أى قدرات سياسية أو ثوابت وطنية لدى من يحكمون مصر تدفعهم إلى ترك مجريات الأمور تندفع إلى انهيار وطن بحجم مصر وإلى تصور أن الحلول الأمنية وإعلان الطوارئ وحظر التجول يقدم الحلول لما تشهده البلاد من أزمات!! وابتداء أطرح السؤال الذى يتردد على ألسنة كثير من المصريين: مَن هم الملثمون والمجهولون الذين تردد الأخبار ببساطة أنهم يطلقون الرصاص الحى ويشاهدهم المصريون وهم يركبون دراجات بخارية بل كانوا فى بورسعيد ينطلقون فوق دراجاتهم البخارية ووسطهم سيارة تحمل مدفع جرينوف يطلق الرصاص على أبناء المدينة فى جميع الشوارع؟ كيف يأمن المواطن أو يحترم أو يثق بنظام يقف مشلولا أمام جماعات مسلحة مجهولة الهوية تنتشر فى المدن وتروع أبناءها؟ وإذا كانت الشرطة تقول إنها غير مسلحة إلا بقنابل الغاز والعصىّ، ومتظاهرون وضباط يسقطون بالرصاص الحى فهل مصر على وشك أن تسقط فى أيدى هذه العصابات؟! ومَن هم القناصة الذين ظهروا فى ملابس سوداء يطلقون النار على سكان بورسعيد من فوق أسطح العمارات وظهروا فوق سجن بورسعيد يطلقون الرصاص على من تجمعوا حوله؟! ما علاقة هؤلاء القناصة بالشرطة وبمبنى السجن ليستطيعوا أن يصعدوا ويطلقوا الرصاص من فوق المبنى؟ الشرطة ظالمة أم مظلومة؟ وما أسباب الفتنة ومشاعر الثأر والغضب التى تجددت فى صدور كثير من المصريين ضدهم بعد محاولات مستميتة لتغيير عقيدة الشرطة واسترداد انتمائها الوطنى؟ لمصلحة مَن تجديد أرصدة الغضب المتبادَل وإنهاكها وإسقاطها؟ هل هو جزء من مخطط لاستبدال الشرطة بميليشيات مسلحة تملكها جماعات إسلامية؟ تساءلت فى أسابيع ماضية: ما دامت للجماعة ذراع مسلحة أليس من حق أى جماعة أن تملك أيضا ذراعا مسلحة؟ (فى تقرير نشرته «الشروق» 28/1 بأن نائبا من «النور» فى «الشورى» قال داخل المجلس «إحنا لسه مانزلناش نورّيهم العنف»)!! ما شاء الله!! ولكن ماذا يخيف أى تنظيم مسلح أمام نظام لا يطبق القانون ويكيل بمكاييل مختلفة؟ ماذا فعل هذا النظام أمام حصار مدينة الإنتاج الإعلامى؟! وماذا فعل مع حرق مقر حزب الوفد؟! ومع حصار المحكمة الدستورية؟! الأخطر ما يتردد فى بورسعيد من وجوه غريبة تمتلئ بهم المدينة الآن. قادمون بسيارات مجهزة لعبور الصحراء -بلا أرقام- يخترقون منافذ المدينة عبر الصحراء وأن السيارات محملة بالأسلحة والذخيرة. لا أريد الربط بين هذه المخاوف وما نشرته «الشروق» أيضا 28/1 («حماس» تنفى إرسال 7 آلاف مسلح لمساندة الإخوان المسلمين) الخبر أذاعته شبكة فلسطين للأنباء «شفا» أن نحو 7 آلاف مسلح من حماس قد تسللوا من خلال الحدود المصرية الفلسطينية عبر الأنفاق الأرضية الواصلة بين غزة ورفح المصرية، وتمركزوا لمدة 24 ساعة بمدينة رفح قبل تحركهم إلى القاهرة. الخبر قام بنفيه المتحدث الإعلامى السابق بحركة حماس!! وأثق أن أجهزة مخابراتنا الوطنية سواء كانت العامة أو العسكرية لن تقبل أى عبث أو اجتراء أو اختراق للأمن القومى المصرى. وحظر النشر يمنعنى من تناول تفاصيل استكمال المؤامرة الشيطانية التى مُوّلت ونفذت فوق استاد بورسعيد والتى أرادوا بها أن يحققوا ما فشلوا فى تحقيقه بحلقات الدم التى نفذوها لقتل الثوار فى ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء والعباسية، ووفروا للجريمة جميع شروط النجاح، وفى ثلت الساعة تقريبا قتلوا 72 من أبناء مصر من مشجعى النادى الأهلى. وأرادوا أن تنطلق من بورسعيد شرارات نيران حرب أهلية بين المدن تحقق القضاء النهائى على الثورة. ما زلنا فى انتظار الكشف عن الرؤوس الكبيرة التى خطَّطت وموَّلت والذين أشار إلى أسماء بعضهم تقرير تقصى الحقائق المبدئى الذى شارك فيه أعضاء من مجلس الشعب المنحل، وعاد تقرير تقصى الحقائق الذى أعلن فى يناير 2013 يشير إلى ظهور أدلة ومتهمين جدد، ونثق نحن جميعا أبناء بورسعيد أن القضاء المصرى العادل والمحترم لن يسمح باستخدامه كطرف فى أى مؤامرة سياسية، ومهما علت سلطة أصحابها لبقاء الرؤوس الكبيرة المدبرة للمؤامرة بعيدة عن دوائر الإدانة والعقاب، أو أن تستخدم مدينة بورسعيد كبش فداء لهم. لن يضيع حق أبناء بورسعيد بعد سنوات طويلة من المعاناة من ظلم وإقصاء وانتقام النظام البائد من أبنائها. وقد كان أبناء بورسعيد من طالبوا بإسقاط هذا النظام فى 2001، وأعرف أن مجموعة من المحامين من أبناء بورسعيد يعدون لمقاضاة وزارة الداخلية والنظام عن الترويع الذى حدث للمدينة، وما تعرض له أبناؤها من جرائم قتل وما سقط من ضحايا قبل أن تنزل قوات من الجيش الثالث لتأمينها، وأثق بأنها لن تكتفى بتأمين المنشآت الحيوية والقناة، وتدرك وتؤمن أن البشر لا يقلّون أهمية، وأنهم يدركون حجم الإهمال وانعدام كل أشكال التأمين الذى تُرك له أبناء المدينة، خصوصا أن بين الجيش وأبناء مدن القناة تاريخا من التواصل الوطنى والإنسانى بطول سنوات الاحتلال، كان الجيش جزءا أصيلا من مكونات المشهد الإنسانى والوطنى فى مدن المقاومة وخلال محنة مكافأة مدن المواجهة والمقاومة الثلاث بورسعيد والسويس والإسماعيلية بالأحكام العرفية وحظر التجوال، عادت تتجدد نداءات «الجيش والشعب إيد واحدة» ردَّدوها فى أثناء طقوس احتفالات الليالى الأولى للطوارئ والحظر بالسهر حتى الفجر.. فقد اعتادوا السهر ليحرسوا مدنهم ومصر كلها من جيوش الاحتلال، بورسعيد فى 1956 منعت فرق مقاومتها الشعبية القوات البرية والبحرية والجوية للجيوش الإنجليزية والفرنسية والصهيونية -تماما كما فعل أبناء السويس فى 26 أكتوبر 1973- وكما كُتب من قبل أن بورسعيد التى قدمت أكثر من 30٫000 شهيد لتفدى مصر 1956 سيكون شهداؤها ومصابوها وما ارتُكب من مؤامرات لتحويل أبنائها إلى أكباش فداء لقتلة ومجرمين كبار، أثق بإذن الله أنهم وبإصرارهم على القصاص العادل والكشف عن الأبعاد الحقيقية والفاعلين الأصليين فى جميع حلقات إهدار دماء الثوار، لن يجعلوا مجرما واحد يفلت بجريمته رغم ما يبدو من إصرار على أعلى مستويات الدولة على فرد غطاء الصمت عليهم!! لا يوجد دم شهيد أغلى من دم شهيد.. مطلوب القصاص بعدالة لجميع شهدائنا.. وكل من يلزمون الصمت على الرؤوس الكبيرة شركاء فى التواطؤ. ■ مدن القناة أسقطت الطوارئ وحظر التجوال، وبورسعيد تنتظر لجنة تحقيق فى ما حدث فى آخر حلقات التآمر عليها فى يناير 2013، وتنتظر قوافل رسمية مثل التى سارعت إلى غزة برئاسة رئيس الوزراء تحمل الغذاء والدواء وحتى أكياس الدم التى لا يجدها المتبرعون للتبرع بدمائهم. ■ بورسعيد تنتظر إعلان هوية القناصة والغرباء الذين سُمح لهم باختراق بواباتها وأمنها وقتل أبنائها. ■ بورسعيد تنتظر اعتذارا رسميا عن التقصير الذى حدث لحماية وتأمين أبنائها وعلى كل ما حدث من تطاول على تاريخها الوطنى. ■ بورسعيد تنتظر الكشف عن أبعاد المؤامرة الإجرامية التى دُبِّرت وارتُكبت فى استادها وكشف الرؤوس الكبيرة التى استخدمت بعض عناصر إجرامية كان يرعاهم النظام البائد وبعض رجال أمنه، ويستخدمونهم ضد المعارضين، وكانوا يقيمون فى مناطق حول بحيرة المنزلة، وتطالب بنقل من قام وزير الداخلية السابق اللواء أحمد جمال الدين بتطهير البحيرة منهم إلى سجون خارج مدن القناة. ■ بورسعيد تنتظر حكومة إنقاذ وطنى تضم من يستطيعون استثمار كنوزها البشرية والطبيعية وتحرير المدينة وأبنائها من الإفقار والبطالة، بعد أن ظلت لسنوات طويلة المحافظة الأولى فى مصر فى جميع معدلات وقياسات التنمية البشرية. ■ بورسعيد تعلن أنها مع قواتها المسلحة ستكون ضامنا وحاميا لبقاء قناة السويس وشواطئها واستثماراتها مشروعات وطنية خالصة لأبناء مصر. الأمور تتجاوز اختصار ما يحدث فى مصر الآن فى صراع وخلافات بين حكم ومعارضة.. الأمر أخطر وأكبر، إنه سلامة ومصير وطن قادته السياسات والإعلانات الدستورية وعدم احترام الرؤى المعارضة وانحراف المسارات بعيدا عن أهداف الثورة إلى انقسام واحتراب أبنائه، وأن يتجدد إهدار دماء جديدة منهم وظهور جماعات مسلحة وعناصر مجهولة الهوية، كما تطلق عليها بيانات رسمية، وحدوث غضب وانفجارات ورفض شعبى يملأ شوارع وميادين مصر منذ الجمعة 25 يناير، الذكرى الثانية للثورة التى قام بها المصريون للتحرر وإسقاط كل ما خرجوا ينادون مرة ثانية بإسقاطه، ويتلخص الإنقاذ فى الإصغاء إليهم واحترام مطالبهم والتراجع عما يناقض مطالب الثورة والثوار، والإيمان بأن الرؤى المعارضة والمختلفة يجب أن تكون شرطا أصيلا فى صناعة القرار. لا يتطلب الإنقاذ معجزة ولكن أن تعلو مصلحة وإنقاذ الوطن فوق كل مصالح ومخططات أخرى.