شعب ثار بحثًا عن حياة أفضل، وأسقط سلطة غاشمة قتلت برصاصها أنبل أبنائه. بعدها فرح وظن أنه سيبدأ فى جنى ثمار مرحلة جديدة تحقق له العدالة الاجتماعية والكرامة. لكنه استيقظ من حلمه على سلطة فاشلة همجية ترتدى عباءة التدين، ولا تضع العدالة الاجتماعية والكرامة حتى فى ذيل أولوياتها. تشوِى شعبها على لهيب الفقر باستخدام الزيت الذى اشترت صوته بزجاجاته الرخيصة، وبالليمون الذى عصره على نفسه ليبتلع به مرارة رئيس لا يخجل من فداحة الكذب. يلوّح للشعب بقصاقيص قصاص غير عادل، وقت الضرورة، كى يُخمد ثورته كلما حاول أن يبعث فيها الروح من جديد. كتبت هذه الكلمة صباح السبت الماضى وصدرى يلتهب من الغازات التى استوردَتها سلطة مرسى لتهديد المعارضين لكى يرضَوا برغيف صغير للفرد فى كل وجبة. يا أيها المواطنون الغلابة حتى لو اقتصّت هذه السلطة الغاشمة الغبية لشهدائكم، ولا أظنها ستفعل، فهل تقبلون أن تتحول ثورتكم إلى خناقة فى الطريق بين راكب وسائق توك توك تنتهى بقبول الضحية ترضيةً يقدمها المخطئ؟! القصاص للشهداء كوم، وتحقيق الهدف الذى ضحّوا بأرواحهم من أجله كوم آخر. هل يُعقل أن أتنازل عن حلمى مقابل وعد من السلطة بتضميد الجراح التى أصابتنى فى أثناء خروجى لتحقيق ذلك الحلم؟! خصوصا أنها سلطة فاشلة غبية تكرر حماقات من سبقوها ولم تتعلم شيئا من دروس الثورة. سلطة تضرب الشباب بقنابل الغاز والخرطوش والرصاص الحى لأنهم يعترضون على سياساتها التى تنحدر بالبلد إلى هاوية الإفلاس والتخلف، بينما تترك قطعانًا من أتباعها تحاصر المحاكم ومدينة الإنتاج الإعلامى ويجهر أحد مشايخها بتهديد يعلن فيه أنه «سيربّى» وزير الداخلية لأنه سمح بتدخل الشرطة لمنع إحراق جريدة معارضة واختار الحياد لكيلا يصبح السجن مصيره كمن سبقه! الغريب أن رئيسهم المنتخب على الحركرك ينفذ تهديد الشيخ بعد أيام قليلة، ويأتى بوزير جديد متأخون يضرب المعارضين ويسمح بتجاوزات الأهل والعشيرة. من العجائب أن يقول وزير العدل أحمد مكى للمذيعة دينا عبد الرحمن فى خلال الحديث عن شهداء السويس «يجب أن يتعقل المتظاهرون حتى لا نتحول إلى دولة فاشلة»! الدول تفشل يا سيادة الوزير بسبب حكومات فاشلة كالتى تنتمى سيادتك إليها، أو بسبب رئاسة فاشلة كالتى أقسمت اليمين أمامها. لكننا لم نسمع عن بلاد يسقطها فشل المواطن! المواطن الفاشل يضر نفسه ولكن الحكومة الفاشلة تُسقِط الدولة. الدولة الفاشلة هى الدولة التى يقودها رئيس ينتمى إلى جماعة تمتلك ميليشيات تقمع معارضيها وتهدم المؤسسات كأنها بدلة يقيّفها ترزية القوانين على مقاسها. هذا ما يصنع الدولة الفاشلة. الدولة الفاشلة تصنع دستورا يتباهى أنصارها بأنه يقمع الحريات، كما لم يحدث فى تاريخنا من قبل. الأصل أن يعترض المواطن وأن تستجيب الحكومات لمطالبه المشروعة. التصعيد يحدث عندما يتجاهل الرئيس معارضيه على طريقة سيبهم يتسلوا. حكومتك آخر من يتكلم عن تعقل المواطن لأنها لا تمتلك عقلا راجحا يحتوى الأزمات بردود أفعال تتناسب مع تطلعات الناخب الذى أقسمت على رعاية مصالحه. كل ما لديكم هو تكرار للقاموس الخائب القديم. مرشدكم الذى لم ينتخبه أحد يركب رأس رأس السلطة ويستخدمه فى أخونة الدولة بقوانين يصدرها مجلس شورى السبعة فى المئة الذى يزيد عدد من تظاهروا ضدكم فى الجمعة الماضية على عدد من انتخبوه! الأنظمة الفاشية التى تسعى للتمكين تدرك استحالة استمرارها فى ظل دولة تحكمها مؤسسات ديمقراطية تسمح بتداول السلطة. من رابع المستحيلات أن تقبل جماعة الإخوان بتعددية سياسية فى مناخ من حرية العقيدة والإعلام والفن. لأن الحرية هى كلمة السر التى تضمن اضمحلالها واندثارها! الكذبة التى صدقها وروّج لها بعض المعارضين الذين أتوا بمرسى تمثلت فى قولهم: سنطيح به بالصناديق التى أتى بها! قالوها كأنما الديمقراطية أصبحت قادمة لا محالة بعد فركة كعب، وأن الإطاحة بنظام فاشى مستبد تشبه القيام بنزهة آمنة! كلامى هذا لا يعنى اليأس من إمكانية الإطاحة بالاستبداد وبناء دولة مؤسسات محترمة. على العكس تماما. لا توجد عندى ذرة شك فى أن كل الأنظمة الفاشية إلى زوال لأنها تسبح عكس تيار التاريخ فى محاولة بائسة للهرب من شلال لا مفر أنها ساقطة فيه. المشكلة تكمن فى الثمن. تدفع الأوطان ثمنا باهظا بعملتين غاليتين، الوقت والتضحيات. أظن أن ما يحدث فى بورسعيد الآن من عنف هو بداية لخطة شيطانية تعمد إلى إشعال معارك جانبية بين المواطنين لكيلا يتوحّدوا حول معارضة تدعو لإسقاط حكم الإخوان ودستورهم. دَقّ إسفين بين «أولتراس أهلاوى» وأبناء بورسعيد سيعقبه تصعيد مشكلات وهمية بين فئات اجتماعية أخرى خلال الأسابيع القادمة. هذه وسيلة مضمونة استخدمتها كل الأنظمة الشمولية والفاشية بنجاح ساحق على مر التاريخ للتغلب على توحّد الجماهير ضدها. قرارات الغلاء التى تمسّ الاحتياجات الأساسية للفقراء وتوحِّد صفوفهم ضد النظام لن يمررها سوى تشتيت جبهة المعارضة الواحدة باصطناع أزمات بين المواطنين. هل نسيتم عندما حرّض طنطاوى الجماهير الغاضبة بعد مذبحة بورسعيد قائلا: مش فاهم الشعب ساكت عليهم ليه؟! كانت محاولة لدقّ إسفين بين «أولتراس أهلاوى» وجماهير بورسعيد لكى يخفّ الضغط عن المجلس العسكرى الذى أدرك الجميع بعد كشوف العذرية ومذبحة ماسبيرو بشاعة دوره فى تصفية الثورة وتصعيد تيارات الإرهاب السياسى المتمسحة بالدين. كانت أزمة مؤجَّلة يتم إعادة استخدامها الآن. أرجوكم لا تقعوا فى هذا الفخ. توحدوا واعلموا أن عربة الوطن «خيّشت ولبست ف شجرة بس ممكن تتسمكر وتاخد وشين دوكو». متى؟ بالشطارة وتجنب الفخاخ. الفاشية يهدمها غباؤها.