نختلف مع العديد من قرارات المجلس العسكرى وطريقة إدارته للبلاد فى الفترة الانتقالية، التى أدت إلى تسليم مصر «تسليم مفتاح» للفاشيين الجدد. لكن ذلك لا يمكن أن ينسيَنا الدور الوطنى العظيم لجيش مصر الذى لم يتخلَّ عنه أبدا، ولا ينبغى أن يجعلنا نغمض عيوننا عن جهود إجرامية للنَّيل من جيش مصر، أو توريطه فى صراعات تستنزف جهده، أو محاولة هدم أساس وجوده كمؤسسة وطنية جامعة تضم كل أبناء مصر وتغرس فيهم قيم الانتماء والمساواة والمواطنة فى أروع صورها. من هنا فإننا ننظر بنفس الخطورة إلى ما يحدث فى سيناء، وإلى ما يجرى فى مجلس السبعة فى المئة الشهير بمجلس الشورى، وهو يحاول العبث بشرف الجندية ويمنح الهاربين منها حق دخول البرلمان!! فى سيناء، تبدو محاولة استنزاف جهد الجيش فى الحرب ضد عصابات الإرهاب المدعومة من أعداء الوطن فى الخارج والداخل (!!). ويطلب من الجيش أداء مهمته الصعبة دون غطاء سياسى حقيقى، وفى ظل قيود تحدّ من حركته، ومع إعلان رسمى بأنه لا حاجة إلى تعديل المعاهدة مع إسرائيل، فى حين يؤكد كل الاستراتيجيين ضرورة تعديل الملاحق الأمنية على الأقل ليتمكن الجيش من إنجاز المهمة واستكمال فرض السيطرة الكاملة على أرض سيناء!! الذين يحاولون استنزاف قدرات الجيش فى سيناء، ليسوا بعيدين عن تحركات عديدة فى الداخل تستهدف الجيش، ولعل آخرها ما شهدناه فى مجلس السبعة فى المئة الشهير بمجلس الشورى وهو يبحث قانون مباشرة الحقوق السياسية، فيهدم أساسا رئيسيا فى دور جيش مصر باعتباره النموذج فى تطبيق حقوق المواطنة وواجباتها، ويمنح صكوك الغفران لمن هربوا من خدمة الجيش ليكونوا نوابا فى البرلمان!! لقد اعترض ممثل الجيش اللواء شاهين على هذا التعديل الخطير، واعترض الكثيرون من الأعضاء ومنهم مفتى الديار المصرية الأسبق الشيخ واصل، لكن أغلبية الأعضاء فى اللجنة التشريعية وقفوا مع النص الذى يفتح الباب لمن رفضوا خدمة جيش بلادهم أو تهربوا منها، أو استعاضوا عنها بخدمة ميليشيات مارست الإرهاب فى الداخل أو الخارج ليدخلوا البرلمان ويتولوا الحكم فى وطن رفضوا أن يكونوا جنودا لحمايته والدفاع عن حرمة أرضه!! إنهم يضربون أهم أسس العقيدة الوطنية فى الخدمة العسكرية الإجبارية التى تساوى بين المواطنين. إنهم يجعلون خدمة الميليشيات تساوى خدمة جيش الوطن. إنهم يعيدون أياما سوداء قبل ثورة يوليو كان الجيش فيها لا يستقبل إلا الجنود الفقراء الذين لا يجدون «البدل النقدى» الذى يدفعونه ليحصلوا على الإعفاء من التجنيد. إنهم يرسلون أسوأ الرسائل إلى شبابنا: اتركوا الدفاع عن الوطن للفقراء وحدهم، تهرّبوا من الجندية ولا تخافوا. تعالوا إلى الميليشيات التابعة لنا ولن ينالكم ضرر. ليس عليكم جناح إذا رفضتم خدمة العَلَم، فنحن أساسا لا نعترف بالعَلَم. ليس عليكم أن تكونوا سبيكة واحدة فى جيش واحد تضم المسلم والمسيحى، الغنى والفقير، تتعلمون معا قيم المواطنة فى أسمى معانيها، اتركوا الولاء للوطن إلى الولاء للإمام!! فى وقت تتعرض فيه كل مؤسسات الدولة لخطر التفكك أو «الأخونة».. يصبح الحفاظ على جيش مصر كحائط صدّ أخير ضد الفوضى والانهيار واجبا قوميا. وفى وقت يواجه أمن الوطن أفدح الأخطار، وتعيش سيناء فى ظل الإرهاب، وتصبح حدود مصر مناطق تهدد الاستقرار.. يصبح الدعم الكامل لجيش مصر لأداء واجبه فريضة وطنية. وفى وقت تتمدد فيه الميليشيات لتعبث بالأمن، وتنقسم مصر كما لم يحدث من قبل، ونواجه الجاهلية التى تحرم حتى مصافحة الأشقاء فى الوطن.. يصبح جيش مصر هو الأمل الباقى للحفاظ على معنى المواطنة بأسمى معانيها. من قلب الخطر فى سيناء، إلى مهزلة تكريم الهاربين من الجندية على يد مجلس السبعة فى المئة الشهير بمجلس الشورى، يتجسد الخطر الأعظم.. أن البعض يغيب عنه المعنى الحقيقى ل«الوطن» ويتصور أن هذا الغياب من تمام الإيمان!!