«كان رجلا منذ نعومة أضافره تحمل مسئوليه نفقته » .. «أطيب واحد فى ولادى وعمره ما حد أشتكى منه» ، بهذه الكلمات الممزوجة بدموع الحسرة وألم الفراق بدأ عم «محمد عبد الموجود»البالغ من العمر 60 سنة حديثة مع «التحرير»عن فلذة كبده «عادل»الذى راح ضحية البحث عن «لقمة العيش» فى الأراضى الليبية ، ترك التعليم بعد حصوله على الشهادة الإعدادية ليساعد والده فى تربية أخوته الخمسة (جمعة ، حنان ، وكريمة ، رمضان ، شادية) وبعد أن تناوب على أكثر من مهنة قرر أن ينافس أقرانه في البحث عن لقمة العيش من شباب قرية «البهسمون» التابعة لمركز إهناسيا المدينة ببنى سويف . اتجه إلى الأراضى «الليبية» للعمل شأنه معظم شباب القرية فى أعمال «المعمار»المختلفة ، واستمر طوال 8 سنوات سافر خلالها 3 مرات يذهب للعمل ويعود بعد عامين أو ثلاثة محملاً بأحلام الأسره بالكامل إلى أن عاد ليلة «رأس السنة»ولكن كانت هذه هى المرة الأخرى لأنها كما يقولون فى قريته «عودة بلا رجعة» فعاد «مقتولاً» داخل صندوقاً خشبى ، وبجانبه بعض التقارير والمستندات التى تؤكد وفاته متأثراً ب«التعذيب» . يضيف عم «محمد عبدالموجود» والد الشاب خبر وفاة ابنى «البكر» نزل على كالصاعقة ، فتلقيت الخبر من اختى التى عرفت من «هواتف» أبناء القرية المجاورين لأبنى فى سكنه وعمله ، ولكنى قررت التماسك لإخفاء الخبر «المشئوم» عن زوجتى المريضة ، لأننى أعلم أن جثة ولدى ستستغرق أكثر من أسبوع حتى تصل إلى «مدفنها» ، وقلت لزوجتى أن أبننا «عادل» مريض وسأسافر لمقابلته فى المطار لعرضه على أحد الأطباء بالقاهرة . ويضيف الأب «الملكوم» وتوجهت إلى المطار مع بعض أقاربى لأستقبال «الجثمان» الذى وصل فى ساعة متأخرة وبدأنا فى إستكمال الإجراءات وإستلام تصريح الدفن وتقرير حالته التى نزلت على كالصاعقة حيث توضح التقارير الصادرة من (مكتب ترهونة) أن «فلذة كبدى» تعرض للتعذيب والضرب المبرح الذى أفضى به إلى الموت ولا نعرف سبباً لذلك حتى اليوم . يؤكد عم «محمد»أن أبنه كان كثيراً ما يخبره أثناء أجازاته وإتصالاته أن «الفوضي»تعم معظم المدن الليبية بسبب إنتشار الأسلحة النارية المتتطورة مع الصغير قبل الكبير ، وكثيراً ما كان يشتكى «ولدى»من إضطهاد الليبين للعمالة المصرية وبعضهم يتعمد «أكل عرق العمال» دون حماية تذكر من السفارة المصرية . ويتسأل «محمد عبد الموجود»ما هو الذنب أو الفاحشة التى أرتكبها أبنى ليتعرض لهذا التعذيب؟ ، ولماذا لم تقم السلطات الليبية بتقديمه للمحاكمة بالقانون إذا كان أخطأ أو أرتكب جرماً فى حق الشعب الليبي؟ ، وأين دور وزارة خارجيتنا وسفارتنا بالجماهيرية الليبية كيف تصمت بهذه الطريقة وهى تشاهد أمامها دماً وكرامتة مصرياً وأدميته تُهدر دون ذنب سوي أنه ترك البلد للفاسدين و بحث عن "لقمة العيش" بين أحواش ومنازل الليبيين. ومع قرب أنتهاء عم «محمد»من حديثة خرج صوتا من إحدى حجرات المنزل عبارة «بكاء»الفراق ممزوجاً بأهات المرض ، فإذا بها سيدة فى العقد الخامس من عمرها وبسؤالي عنها أخبرنى الصغير «رمضان»أنها أمه ووالدة "ضحية" لقمة العيش وكانت تصرخ وتقول :«قلبى كان حاسس وكنت عارفه أن عادل مات وأبوه بيضحك علي علشان مرضى بس أنا قلبى هوه اللى قلى أنى مش هشوفه تانى». وتضيف «إعتماد محمد حسانين» والدة الشاب القتيل بس مش هقول حاجة وأنا بطلب العوض من ربنا يجيبلى حق أبنى اللى موتوه الليبيين . أما الصغير «رمضان» فقال كنت بتمنى اليوم اللى هخلص فيه دراستى فى المدرسة الصناعية ، وكنت ناوى أسافر مع أخواتى «عادل» و «جمعة» اللى لسه موجود فى ليبيا إلى الأن ، ولكن بعد اللى شفته وحصل لمثلى الأعلى «عادل»خلاص مش هسافر لأن أبويه قال كفاية لحد كده ، وتسأل «رمضان» هوه البنى أدم المصرى هيفضل «رخيص» كده على طول .. قلنا جاء رئيس جديد للبلد وهيحافظ على «أدميتنا» ولكن بيننا هنفضل كده سعرنا رخيص «بره مصر» و «جوه مصر». كان مطار القاهرة ، قد أستقبل مساء يوم «الجمعة» الماضية ، جثمان الشاب «عادل محمد عبد الموجود»وصل من ليبيا بعدما لقي مصرعه هناك جراء التعذيب. وقال عم القتيل، الذي جاء من محافظه بني سويف لتسلم جثمانه بمطار القاهره، انه كان يعمل بليبيا، وتم القاء القبض عليه اثر رفضه القيام بفحص طبي. واضاف انه تعرض للتعذيب داخل السجن مما أدي في النهاية إلي وفاته بعد إصابته بالراس بمنطقه ترهونه يوم 28 ديسمبر الماضي ، وذلك طبقًا للتقرير الصادر عن مكتب «الاصحاح البيئي الليبي».