وهكذا.. هدأت مصر. وهدأ كل شىء مؤقتًا. معتصمو الاتحادية ومدينة الإنتاج وميدان التحرير ورابعة العدوية. كلهم كلهم هدؤوا. وسيناء هى الأخرى. مات من مات وأصيب من أصيب. وتسأل نفسك: لماذا ماتوا؟ ولماذا أصيبوا؟ لن تجد إجابة ولا حتى عند السادة الخبراء والمحللين والمفكرين والمونولوجستات من المذيعين والكتاب. بأى ذنب قُتلوا؟ لن تجد الإجابة. ستسمع فقط الدستور والإخوان والأخونة والبلطجة والرجعية والكفار ومثل هذا الكلام المستهلَك الساذج العبيط. مصر هدأت لأنها تُدار من أمريكا مباشرة. التليفون يرنّ فيرتعش صاحبه وهو يرى الكود الأمريكى على شاشة تليفونه الأرضى أو المحمول أو الثريا. مصر تدار كلية من هناك. وأخيرا صدر الأمر الأمريكى إلى الإخوان ورئيسهم. هدوء. هدوء مع المعارضة، وافتح حجرة المفاوضات وافرد مائدة وانظر ماذا يريدون بما لا يخالف شرع أمريكا. فى مواد الدستور خمسة وعشرون مادة عليها الاختلاف. وممنوع الاقتراب من المواد التى من أجلها أتى الإخوان لحكم مصر. ومن أجلها يقف الأمريكان فى ظهرهم يدعمونهم ويقدمون لهم الخدمات السخية والمشورات والتعليمات والتمويلات. لن يقترب أحد من المواد التى كتبها الدكتور فيلدمان نوح فى الدستور وهى كما قلت من قبل نفس المواد التى كتبها فى الدستورين الأفغانى والعراقى. ولن ينطق أحد مطلقا فيها، فمن أجلها كُتب الدستور الجديد. وهو ما يعطى للإخوان هذا التعالى الذى يعيشونه أمام المعارضة وأمام الشعب. هم يعرفون أن الدستور سيُقَرّ رغم أنف الجميع.. ورغم أنف الشعب المسكين. لكن ما يحدث داخل الجماعة أمر جلل، وفريد من نوعه على مدار تاريخها. هم يعانون من ضغط وتطاول من القواعد لم يشهدوه من قبل. داخل مكتب الإرشاد نفسه تطاول شاب إخوانى على محيى حامد عضو مكتب الإرشاد واتهمه بأنهم يضيِّعون الجماعة وتاريخها ويسيئون إلى الفكر الإخوانى أمام الشعب المصرى وأنهم لا يفعلون شيئا من أجل الدين. وارتفع صوت الشاب. وكان ردّ محيى حامد الابتسامة الإخوانية الشهيرة عند قادة الإخوان المعروفة فى كل مزنق وتمسك بهدوئه وراح يشرح ويعد ويطبطب على الشاب الغاضب المتحمس. الواقعة خطيرة وفاجعة لو نظر إليها كل من يعرف هذه الجماعة الفاشستية ويعرف قدسية المكان مسرح الحادثة. مكتب الإرشاد قدس الأقداس. وهى ليست المرة الأولى ولا الشكوى الأولى. بل إن القواعد الإخوانية يئست من القيادات. وقد اختار البعض مبكرا الانفصال. وعندما زاد الأمر عن حده قررت الجماعة فتح حوار مع كل الخارجين عنها. وما زالوا على ولائهم القديم. لكن فى قلوبهم غصة، إما من المرشد وإما من الشاطر. فقد فتحوا طريقا للحوار مع الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والدكتور كمال الهلباوى والدكتور محمد حبيب الذى يرفض أن يكلمه أحد منهم أو حتى يهنئه بالأعياد سوى الدكتور عبد الرحمن البر. ومع كل الشباب المارق عن الجماعة فى الفترة السابقة والهدف توحيد الصف والتقليل من حجم الخسائر ومن حجم الهجوم الضاغط على أعصابهم من جميع الجهات. فهم مقبلون على معركة حامية الوطيس. الانتخابات البرلمانية قادمة بعد ستين يوما. والخوف الذى يسكن قلوبهم هو عدم الحصول على الأغلبية فى البرلمان، فيخسرون كل شىء وتفسد جميع الخطط ويُرفع عنهم التأييد الأمريكى. والسلفيون هم البعبع المخيف، لأنهم أكثر عددا. ويريد الإخوان أن يحايدوهم على الأقل فى الفترة القادمة مع وعود ببعض المكاسب التى يتشكك فيها السلفيون. فالمسلم لا يلدغ من جحر مرتين وفى اجتماع مكتب الإرشاد الأسبوع الماضى نوقش أمران فقط. الأول إقناع الدعوة السلفية بعدم الاعتراض على التغيير الوزارى مقابل خمسة مقاعد فى الوزارة التى ستتشكل بع انتخابات البرلمان. وكذلك إقناع الجماعة الإسلامية مع وعد بثلاثة مقاعد وزارية. والأمر الآخر الذى ناقشه مكتب الإرشاد هو تكليف الشاطر بالتفاوض مع الجبهة السلفية والكتاتنى مع «النور» وكارم رضوان مع الجماعة الإسلامية. والشاطر اختار مكتبه وبيته لعمل الاجتماعات خوفا من التجسس عليه. لكن الصدمة جاءت من حيث لا يحتسبون، فقد تَكوَّن التحالف الإسلامى بقيادة حازم صلاح أبو إسماعيل بعيدا عن الإخوان، وضمّ التحالف سبعة عشر حزبًا إسلاميًّا جديدًا مع الجبهة السلفية مع المستقيلين من حزب النور، مما جعل الإخوان يفكرون بعمل تحالف مع التيار المدنى والأحزاب الليبرالية بعيدا عن الإسلاميين ليظهر للخارج وللناس بالداخل بأنه تحالف ديمقراطى. ولم ولن يجدوا من يتحالف معهم سوى الأحزاب الضعيفة الفقيرة التى تشترى. فشلوا فى جمع التحالف فأعلنوا عدم تحالفهم مع أحد. الإخوان يعانون من الوحدة، فالأغلبية البرلمانية أصبحت مهددة، وفى ظل الدستور الجديد لن يختار رئيس الجمهورية رئيس الوزراء أو يشكل الحكومة. البرلمان هو من سيختار. والأغلبية البرلمانية هى التى ستختار الحكومة من بابها. الإخوان فى حالة ارتباك داخلى والملفات أمامهم كثيرة ومتعددة والمصايد والأكمنة تُنصَب لهم على نار هادئة. لهذا البلد صاحب منذ قديم الزمان، قد يؤخذ منه فترة وجيزة لكنها تعود إلى أحضانه أسرع مما يتخيل الجميع. تذكروا جيدا، للبلد صاحب يعمل ويخطط وينفذ ويرسل رسائل مشفرة ورسائل إلى أشخاص بأعينهم بعلم الوصول، والاستلام شخصى، ويجرجر الإخوان للمصيدة.