أتمنى التعرف على العبقرى الذى وضع المادة «219» بالدستور المصرى، كما أتمنى التعرف على جنسيته، لقمة الإعجاز الذى أحدثه وسيحدثه بهذا الوطن الآمن المستقر «سابقا» فقد وضع المادة 219 التى تقول «إن مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة»، فقد وضعها كى تشرح معنى كلمة مبادئ الواردة فى المادة الثانية من الدستور، والتى تقول «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع». ورغم أن الدين يحمله ويعتقد به الإنسان، والدولة لا تعقل كى يكون لها دين، إلا أن المشكلة ليست هنا، فالمشكلة ظهرت عندما أتى العبقرى واضع المادة «219» بتعريف مبادئ الشريعة، حيث إن المبادئ التى نعرفها للشريعة هى أن كلمة مبادئ تنصرف إلى المبادئ العامة للشريعة الإسلامية والموجودة بكل الشرائع السماوية مثل مبدأ: حرية الإنسان، ومبدأ: السلام ورفض العنف ومبدأ: كرامة الإنسان، ومبدأ: العدالة، ومبدأ: لا ضرر ولا ضرار، ومبدأ: حفظ النفس والمال، ومبدأ: عدم الإكراه فى الدين. لكن أن يأتى هذا العبقرى بهذا التعريف بهذا الشكل الوارد فى المادة «219» ويجعلها نصا ملزما، فهذا أمر فى غاية الخطورة على مستقبل هذا الوطن، لأن الشريعة الإسلامية أقل من 10% منها فقط يقوم على أدلة قطعية الثبوت، أما نحو 90% من الشريعة يعود إلى رؤى وآراء واجتهادات وتفسيرات فقهاء ومشايخ بشر مثلنا، ماتوا منذ أكثر من 1000 عام، وقد تأثروا فى رؤيتهم وتفسيراتهم وكذا اجتهادهم بظروف زمنهم الفقير الذى لم يعرف أو يرى التكنولوجيا الحديثة ولا الإنترنت ولا الطيران ولا المصارف الدولية والبنك الدولى وقرارات وقوانين الأممالمتحدة والاتفاقات الدولية إلى آخره، لذا رأيناهم يتحدثون عن العبيد والسبايا، ونظام المقايضة والبغال والحمير والبعير، واستخدام العقاب البدنى بدلا من العقاب القانونى، لعدم وجود سجون لديهم، وعدم قتل المسلم بغير المسلم، أى يستطيع المسلم قتل غير المسلم ولا يعاقب، ونظام المبايعة المختلف عن النظام الانتخابى القائم على مشاركة الجميع بصوته ورأيه، كما رأيناهم يتحدثون عن التداوى ببول البعير لعدم وجود تكنولوجيا لتصنيع الأدوية الحديثة، ورأيناهم يجعلون مدة الحمل أربعة أعوام، لعدم وجود أجهزة الأكسراى الأشعة والسونار. ومع كل ذلك فالأمر له حلول، ولهم اجتهاد ولنا اجتهاد، لكن ما فعله العبقرى واضع المادة «219» هو أنه قد جمع كل الآراء والمذاهب المتناقضة لتكون مرجعا للمشرع والقاضى ولمؤسسات الدولة، ولأن القواعد الأصولية والفقهية، ومذاهب أهل السنة والجماعة، متضاربة ومختلفة فى ما بينها، وهى بالآلاف، فبأى منهم سيلتزم المشرع، أو القاضى، أو المسؤول بأى مؤسسة، أو وزير. فهل الدستور يوضع لتشتيت الناس وتضارب المؤسسات، فيكون سببا فى تفتيت وهدم الدولة، والقضاء على دولة القانون، والعودة إلى دولة القبيلة ويتحزّب كل فريق لحزبه ومذهبه؟ ثم ماذا يفعل القاضى لو كان ينتمى إلى المذهب الحنبلى مثلا، والخصوم أحدهما ينتمى إلى المذهب المالكى، والآخر إلى المذهب الشافعى، والثالث إلى المذهب الحنفى، فبأى مذهب سيلتزم القاضى، أم يتخيل العبقرى واضع المادة «219» أن كل البشر ينتمون إلى مذهب واحد، فلو كان الأمر كذلك ما كنا رأينا الاختلافات وتعدد الجماعات والفرق والأحزاب الإسلامية، وكل منهم يكفر الآخر، فهذا إخوانى وهذا سلفى وهذا جهادى إلى آخره، كما أن الشيعى المصرى غير مُلزَم بمذاهب أهل السنة جميعا، فهل أصبح المواطن المصرى الشيعى فوق الدستور أم نُزعت عنه الجنسية، فهل العبقرى واضع هذه المادة يستطيع أن يحدد لنا أى مذهب سيتبع، وهل هو مدرك لما فعل بهذا الوطن المكلوم الجريح، الذى تلتف حول جثته طيور الظلام تنهشه بلا رحمة، فلو كان يدرك فتلك مصيبة، ولو كان لا يدرك فالمصيبة أشد، والقادم أسوأ من الفوضى والتفتيت لهذا الوطن، وتحوله إلى صومال جديدة، لذا نقول لهذا العبقرى حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فيك. الشيخ د.مصطفى راشد أستاذ الشريعة الإسلامية رئيس جمعية الضمير العالمى لحقوق الإنسان وعضو اتحاد الكتاب الإفريقى الآسيوى ونقابة المحامين المصرية والدولية والمنظمة العربية لحقوق الإنسان ت: دولى 61426895595