ما ذنب الفنان، ممثلا كان أم مطربا وما ذنب الفنانة ممثلة كانت أم راقصة أم مغنية حتى نلومه أو نلومها على الرأى السياسى الذى أبداه بشأن الثورة أو عن الرئيس المخلوع أو حول أولويات المرحلة.. الدستور أولا أم الانتخابات.. قائمة نسبية أم نظام فردى.. برلمانى أم رئاسى؟ ما ذنب هذه الكائنات المسطحة التى لا تدرى من أمر العالم شيئا ولا يعرف الواحد منهم أى أفكار أو معلومات، فضلا عن رؤى ووجهات نظر فى أى شىء يتخطى الميك أب والكوافير، والجديد فى دنيا الإفيه المضحك والعقاقير المبهجة وحديث السبوبة والنحتاية والمرمّة؟ ما ذنب ممثلة لا تقرأ مجلة ميكى إذا سألها صحفى، يواظب على قراءة ميكى، عن رأيها فى أحداث عالمية ملتبسة لا يسهل فك شفرتها على القارئ الواعى المثقف؟ وما ذنب راقصة كانت فى الأصل خدامة قبل أن يلتقطها كشاف ويصنع منها نجمة تتقاضى الملايين حتى نلومها على إصدار آراء عجيبة فى أمور سياسية أو ثقافية؟ أقول هذا بمناسبة تصنيف الفنانين إلى وطنى وخائن.. مع الثورة أو ضدها.. حبيب المخلوع أو عدوه.. وأرى أن التقسيمة لا ينبغى أن تكون هكذا أبدا، بل يجب أن تكون: وطنى وجحش أو مثقف وجحش! على سبيل المثال الممثل البليد الذى شتم الثوار واتهمهم بممارسة الجنس الجماعى وتعاطى المخدرات بالميدان ليس خائنا أبدا، لكنه مجرد جحش استجاب لغواية الإعلام، وأطلق كلاما تصوره يرفع من أسهمه دون أن يدرك خطورته، وكذلك ست الحاجّة التى تحدثت عن الطفل الرضيع الذى حرمته الثورة من أن يتعشى بيتزا وريش، كما اعتاد كل ليلة.. هذه المرأة ليست خائنة ولا معادية لأمانى الشعب، لكنها من نفس الفصيلة الحصاوى. هذا هو التصنيف الطبيعى للفنانين من الناحية السياسية، أما أن نحمّل الأمور فوق ما تحتمل، ونصم الممثل الفلانى أو الراقصة العلانية بالخيانة من أجل كلام فارغ تفوه به، فنحن هنا لا نفترق عن الصحفى الذى يوجه إلى الفنان أسئلة سياسية وهو أى الفنان، لا يقرأ من الصحف سوى الأخبار المكتوبة عنه، فضلا عن البخت وحظك اليوم! وهذا الكلام بطبيعة الحال لا ينتقص من قدر أى فنان، فالفنانون مثلهم مثل أعضاء أى طائفة مهنية، فمنهم المثقف المنفتح على العالم، ومنهم المسكين محدود الأفق والاهتمامات.. وأنا على سبيل المثال لا أتخير المثقفين من الفنانين لأمنحهم محبتى وتشجيعى، لكنى كثيرا ما وقعت فى غرام فنانين من محدودى التعليم الذين لا يفقهون أى شىء بخلاف فنهم الممتع، ويكفينى منهم الموهبة الفنية، ولو لم يصقلوها بالعلم والثقافة والمعرفة، كما أن هناك من الفنانين من يتمتع بالوعى السياسى والثقافى دون أن يكون قادرا على أن يأسرنى بفنه أو يجعلنى أحب ما يقدمه، سواء كان تمثيلا أو إخراجا أو غناء. وفى الحقيقة إن الفنان فى نظرى لا يعيبه جهله، لكن يعيبه أن يفتى ويرغى فى أمور أكبر منه دون تبصر، وفى الغرب على سبيل المثال هناك من الفنانين الكبار من تمتع بالرؤية السياسية، وهناك من غابت عنه هذه الرؤية، لكن ما يميزهم أن الجاهل منهم لا يفتى فى السياسة بغباء وغشومية، ويظهر أمام الناس بمظهر الجحش، وإنما يوجه جهده نحو القضايا الإنسانية التى لا خلاف عليها كأن يقود حملة ضد الألغام طبقا لنصيحة مستشاريه، أو يقوم بجولة فى إفريقيا لمكافحة الجوع، أو الطواف حول العالم لجمع التبرعات لأبحاث السرطان. وزمان كان لدينا باقة من أجمل الفنانين مثل عبد الفتاح القصرى، وزينات صدقى، وفردوس محمد، كان حظهم من التعليم محدودا، ومع هذا لم يتورطوا فى الدفاع عن الجلادين أو تبنى آراء شاذة ضد الشعب الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.. ببساطة لأن روح الجحش لم تتملكهم أبدا.