كان فى نيتهم تقديم «ليلى مراد» لكنهم قدموا لنا شادية. نعم، المسلسل يتابع حياة ليلى مراد، لكن وجه بطلة العمل، صفاء سلطان. خاصة العيون والجبهة، تتطابق مع ملامح شادية، وصوتها، فى الحوارات، يتشابه مع صوت شادية، خاصة فى بداياتها، ذلك الصوت الرفيع، الأقرب للصوصوة، الذى لم يكن قد نضج واستقر.. ثم جاءت أغنيات ليلى مراد، لا هى بالصوت الأصلى، ولا بصوت الممثلة، ذلك أنهم اعتمدوا على حنجرة مغنية قد تكون جيدة، وربما تتمكن من أداء أغنيات تتوافق مع طبيعتها وطاقاتها وجمالياتها التى لا علاقة لها بذلك الرنين الذهبى المتوفر عند ليلى مراد، ويفتقر إلى تلك الحيوية النابضة بالمعانى، والتى تعبر ببلاغة عن مختلف المشاعر، سواء الحزن بألوانه المتباينة، أو السعادة بدرجاتها المتفاوتة. «أنا قلبى دليلى» مسلسل عجيب، يمتلئ بمفارقات تثير الاستغراب، منها، على سبيل المثال، الممثلة التى أدت دور والدة ليلى مراد، هند عاكف، ذات الوجه القريب من وجه ليلى مراد، والتى جسدت شخصية الأم التعيسة بخيانات زوجها على نحو إبداعى جعلها مركز الثقل فى معظم الحلقات التى ظهرت فيها. هنا، الشخصيات الثانوية أقوى وأشد إقناعا من الشخصيات الأساسية، وبينما لم يرصد المسلسل، بما فيه الكفاية، واقع الحركة الفنية، فى الأربعينيات، تجده يتوغل، بعمق ووعى، فى اتجاهات اليهود المصريين، فى ذات الفترة، فيفرق بفهم بين يهود يتمسكون بمصريتهم، ويهود صهاينة، يتآمرون ضد الوطن العربى فى فلسطين. جدير بالذكر أن التليفزيون المصرى، فيما قبل، حقق نجاحات يعتد بها، فى تقديم مسلسلات عن الشخصيات الكبيرة فى حياتنا: محمود مرسى جسد عباس محمود العقاد فى «العملاق». أحمد زكى، استحضر طه حسين فى «الأيام»، ولكن العمل الذى وصل إلى آفاق بعيدة، ويعتبر نموذجا يحتذى، ومعيارا يقاس به مدى جودة الجديد، هو «أم كلثوم» الذى قامت ببطولته صابرين وأخرجته إنعام محمد على، وحققت فيه توازنا فريدا بين العام والخاص، فبقدر رصدها المرهف لظروف عصر كوكب الشرق، بأحداثه وسياسييه وفنانيه، اهتمت بذات الدرجة، بأم كلثوم، بتكوينها الداخلى، وتطوراتها، فضلا عن شكلها الخارجى، ولم يفتها تقديم أغانى أم كلثوم وبعضها ليس متداولا بصوتها، مواكبا للأداء الحركى الدقيق، الموفق والجميل، لصابرين. أنعش «أبوضحكة جنان» ذاكرتنا بعدد من منولوجات إسماعيل ياسين، جاءت بصوته المتميز، الساخر، الضاحك الباكى، وبأداء حركى مدروس وموفق من أشرف عبدالباقى الذى من الواضح أنه تأمل طويلا أسلوب إسماعيل ياسين على شاشة السينما، لكن المشكلة أن أشرف ومعه مخرجه محمد عبدالعزيز سحب إسماعيل ياسين من الشاشة ليعممها على تفاصيل حياته الواقعية، مما أدى إلى إحساس المتابع بأنه لا يطالع حياة إسماعيل ياسين بقدر ما يشاهد عملا من أعماله.. وإذا كان لإسماعيل ياسين، فى أفلامه، طريقته الكاريكاتورية فى نطق كلمات مثل «طيب ياعم» بتنغيمات تتباين معانيها، أو يردد كلمتى «سلامو عليكو»» على نحو لا يخلو من مرح أحيانا وخوف وحزن أحيانا، فهذا لا يعنى ضرورة استخدامه لها فى حياته الخاصة، لقد وقع أشرف عبدالباقى فى قبضة إسماعيل ياسين السينمائية. عصر إسماعيل ياسين ثرى بالأحداث والمواهب، شأنه فى هذا شأن عصرى أم كلثوم وليلى مراد، وكلها فترات تاريخية متقاربة، وبينما نجح مسلسل «أم كلثوم» فى رصد عصرها، وتتبع مصادر تكوينها، وإبراز نجوم مجتمعها، من مثقفين وكتاب وموسيقيين، نجد أن هذه الجوانب بدت شاحبة، هامشية، فى «قلبى دليلى»، ثم تغدو متلاشية فى «أبوضحكة جنان» فعبثا تحاول معرفة مدى تأثر إسماعيل ياسين بشارلى شابلن الذى نهل من فنه أشياء كثيرة، ولم نر كيفية مراقبة حركات النساء التى قام بطلنا بمحاكاتها فى العديد من أعماله، ولم يكترث المسلسل بحضور مشاهير ذلك الزمان، وحتى رفيق دربة، الموهوب، المثقف، أبوالسعود الإبيارى، لا يطالعنا إلا جالسا يكتب أو حاملا حقيبته أو مخففا لمحن إسماعيل، وفيما يبدو أن فقر الإنتاج أدى إلى ذلك التهافت فى العروض التى كان يحفل بها كازينو بديعة مصابنى، والتى اكتفى المسلسل باختصارها فى خمس أو ست راقصات، يتمايلن على خشبة العرض، يشاهدهن مجموعة صغيرة من زبائن يجلسون حول مناضد قليلة. فى صالة ضيقة.. بجملة واحدة يمكن القول: ليلى مراد وإسماعيل ياسين أكبر من «قلبى دليلى» و«أبوضحكة جنان».