هل تحولت مصر إلى جمعية خيرية كبيرة؟ هل ستظل مصر بعد الثورة يسكن نصفها تحت خط الفقر والنصف الآخر بجوار الخط ومجموعة قليلة تملك الثروة والسلطة؟! هل استطاع الإخوان فى وقت قياسى تحويل مصر إلى دار أيتام؟ هل يمكن أن تدار البلد بالصدقات والتبرعات وأموال الزكاة؟ لا تقل لى إنه التكافل.. فالواقع يقول إنه التسول! فارق كبير بين التكافل الاجتماعى الذى يجعل البسطاء يعيشون بكرامة مرفوعى الرؤوس ويشعرون أنهم مواطنون لهم حقوق، وبين التسول الذى يجعل الفقير يمد يده بانكسار شديد لأى عابر سبيل، لأنه يدرك أنه يعيش فى جمعية خيرية لا فى بلده. هذه وظيفة ومسؤولية الدولة أن تأخذ من الغنى وتعطى الفقير دون أن يكون فى حاجة إلى أن يمد يده، أما الجمعيات الأهلية فهى تحاول -مشكورة- أن تكون عونا للدولة فى مساعدة البسطاء، لكن هذا لا يعنى أن تدار المنظومة كلها برؤية الجمعيات الأهلية التى تدفع أموالا طائلة من أجل أن تعلن عن نفسها فى التليفزيون وتقول لنا إنها «خيرية»! إعلانات التبرع بالتليفزيون ليست جديدة لكنها صارت ظاهرة مُخيفة، فأعدادها تتزايد بصورة لا حصر لها، وأصبحت تتفنن فى اللعب على عواطف الناس، واستغلال حاجات من تتحدث عنهم، وتسعى لابتزاز من يشاهدهم، والمدهش أن أكثر الناس الذين يتأثرون بإعلانات التبرعات هم الفقراء أو متوسطو الدخل الذين هم أنفسهم فى حاجة لمن يتبرع لهم. ربما تسأل الآن، وهى الدولة تعمل إيه.. إيه المطلوب منها؟! أقول لحضرتك «مبروك جالك ريس» وهذا يعنى أنه صاحب قرار -أو هكذا أظن وليس كل الظن إثما- وبالتالى فهو يمكنه أن يصدر قرارًا جمهوريًا بتأميم أموال المتهمين حسنى مبارك وحبيب العادلى وأحمد عز وجمال مبارك وعلاء مبارك وأحمد نظيف وصفوت الشريف وفتحى سرور والهاربين يوسف بطرس غالى وحسين سالم ورشيد محمد رشيد، وغيرهم. ساعتها أعتقد أن أموال هؤلاء وأسرهم تكفى لعلاج كل مرضى مصر والوطن العربى، وتفيض لعمل مشروعات أحمد زويل وفاروق الباز وعمرو خالد! أتحدث عن أموالهم فى مصر لا خارجها، وأتحدث عن سياراتهم التى لا عدد لها، وفيلاتهم التى من الصعب حصرها، ومصانعهم وشركاتهم، وأموالهم فى البنوك، على أن يتم نقل هذه الأموال إلى خزينة الدولة وصرفها على الصحة، والتعليم، والكهرباء! لا أظن أن أحدًا يمكن أن يقول إن هذا ظلم، بل هو فى رأيى عين العقل والعقل ذاته، فمن تسبب فى مرض الناس وتجهيلهم عليه أن يدفع ثمن علاجهم وتعليمهم، لكن عن طريق الدولة، فالشعب المصرى لم يقم بثورة من أجل أن يعيش بأموال الصدقة. العدالة الحقيقية تبدأ من هنا، فلا يمكن أن يظل المليادير خيرت الشاطر يدفع نفس نسبة الضريبة التى يدفعها سكان بولاق وإمبابة من محدودى ومعدومى الدخل. هذا هو الإسلام الذى أعرفه. فالناس تريد الحصول على حقوقها فى بلدها أولاً، قبل أن يمن عليهم أحد بجزء من زكاة ماله، فالدولة فى الإسلام تُعلى من قيم التكافل والعدالة الاجتماعية، لكن لا يعنى أن لا تكون هناك دولة قوية تحمى الناس وتعطيهم حقوقهم أولاً، قبل أن يتبرع أحد ويتصدق عليهم، فالدول المحترمة لا تصنع عدالتها من أموال الصدقات، والبلاد لا يمكن إدارتها بالزيت والسكر كما تدار الانتخابات!