ربما لا تلحظ اختلافًا كبيرًا بين ما تراه على شاشات القنوات الفضائية من دمار في دول المنطقة، كسوريا والعراق، وما تنقله الصور عن حال بعض مناطق محافظة شمال سيناء، فهنا عقار تداعى من القذائف، وهناك مدرسة خلت من الطلاب، وأصبحت ثقوب الرصاص بجدرانها لا تحصى، وحتى المساجد لم تسلم فكانت عرضة للاستهداف.. تلك الضريبة يدفعها أهالي "أرض الفيروز"، الذين ظلوا، رغم ما يلقوه، على دعمهم للدولة في مواجهة قوى الإرهاب الأسود. "عن أي حياة تسأل بل اسأل عن الموت"، بهذه الكلمات رد شيخ كبير، عن سؤال حول "الحياة اليومية" في مدينة العريش، وأردف "الحياه قتلت فى شمال سيناء، الحرب لم تبق شيئًا، على الرغم أنني عشت أيام الاحتلال الإسرائيلي، لكنها لم تكن مثل تلك الأيام.. انظر إلى حالنا اليوم، فالموت والقتل والخطف في كل مكان، وعدد كبير من الأسر تركت المحافظة برمتها وهاجرت إلى مابعد القناة". وتتركز الاشتباكات التي تدور بصفة يومية بين الجيش والشرطة والإرهابيين في مدينتي رفح والشيخ زويد، حتى أصبحت القرى الجنوبية لهما، ومنها "قبر عمير، التومة، المقاطعة، أبولفيتة، الزوراعة، السكادرة، الظهير، المهدية"، قرى أشباح لا يسكنها سوى الكلاب الضالة، وتحولت إلى معاقل للارهاب ومسارح عمليات بين الجيش والمسلحين، بعدما هجرها قاطنيها خوفًا على أطفالهم وذويهم من القتال، والموت بالقذائف أو الرصاصات المجهولة نتيجة الاشتباكات. وذكر أحمد محسن، من سكان مدينة الشيخ زويد، "لا نستطيع أن نمارس حياتنا بشكل عادي، فعند حلول الليل الكل يلزم منازله، ولا يخرج أحد حتى في "البلاكونات"، فقد تأتيك رصاصة مجهولة أو يحدث انفجار، فتصيبك شظية تنهي حياتك". وأضاف الشاب العشريني، أن مظاهر الحياة في المدينة منعدمة تمامًا، ففي الأصل الشيخ زويد تفتقر للخدمات، معقبًا: "جاء الإرهاب فزاد الأمر سوءًا، فميدان المدنية الرئيسة مغلق، ومعظم المحال التجارية مغلقة، وعدد كبير من اهالى المدينة هجرها وذهب إلى العريش وبئر العبد.. والحياة في شمال سيناء بقت حاجة تخنق". ورغم تقليص ساعات حظر التجوال بمدينة العريش، ليبدأ من الساعة الثانية عشر ليلًا، وينتهى في السادسة صباحًا، كان المتوقع أن تعود الحياة لتلك المدينة، ولكن لم يحدث الأمر. وذكر محمد الهادى، صاحب محل ملابس، أنه كان يعتقد أن بعد تقليص ساعات الحظر، أن يعود البيع والشراء مثل السابق، "لكن للأسف الوضع أصبح أسوء"، متهكمًا "ياريت الحظر يرجع تاني، الشوارع أصبحت تخلوا من المارة قبل توقيت حظر التجوال بساعات كتيرة، برضوا وضع البلد يقلق والناس بتخاف الدنيا تتقلب في أي وقت". وعلى شاطىء بحر العريش، على الرغم من بداية الصيف ودخول موجه الحار، ولكن بمجرد غروب الشمس، لا تجد أحد، رغم أنه في مثل هذا الوقت خلال الأعوام السابقة، كانت جلسات السهر والسمر تستمر لساعات طويلة على شاطىء البحر وكورنيش العريش. وأضاف الحاج محمود الشريف، أحد سكان منطقة البحر، أن الأهالي أصبحوا يخافون على أنفسهم من الرصاصات الغادرة المجهولة، فمنطقة البحر منطقة كبيرة ومفتوحة، والجميع معرض للإصابة أو القتل في أي وقت، بسبب الرصاص مجهول المصدر، متمنياً ان تعود الحياه مثل السابق. وكان أصحاب المحلات داخل الميادين الست المغلقة في العريش والشيخ زويد ورفح قد طالبوا من الجهات التفيذية في المحافظة معافاتهم من الضرائب، بسبب انقطاع مصدر رزقهم، وغلق متاجرهم بسبب القرارات الأمنية، ومازالت الجهات تبحث المطالب. ولا يمر أسبوع حتى تسقط قذيفة مجهولة المصدر، على منزل بالقرى الجنوبية للشيخ زويد ورفح، ناهيك عن الرصاصات المجهولة التي تقتل النساء والأطفال والرجال والشيوخ بشكل يومي في الشوارع والطرقات. وكانت آخر حادث منذ يومين، عندما سقطت قذيفة على منزل بقرية الخروبة التابعة للشيخ زويد، وأسفرت عن مقتل سيدتين، وقبلها بشهر سقطت قذيفة مجهولة على منزل بمنطقة العكور جنوبالمدينة، وقتلت 11 شخصاً من أسرة واحدة جميعهم أطفال ونساء، ومن ضمنهم جنين قتل في بطن والدته، بعد اختراق الشظايا لبطنها، فمات قبل أن ترى عيناه النور. وبيّن عمر محمد، من سكان قرية المطلة بمدينة رفح الحدودية، أن عددًا من مدارس القرية قصفت بقذائف مجهولة، دمرت أجزاء كبيرة منها، وهي "المعهد الأزهري، ومدرسة الشهيد عبد المنعم رياض الابتدائية"، كما لم يسلم مسجد السلام من القصف. وتضررت عدد كبير من المدارس جراء الاشتباكات، فحتى الشهر الحالي سقطت قذائف على مدارس "حق الحصان، عمر الفاروق، اللفيتات، الظهير، التومة، الوفاق". وحسب رويات عدد من السكان القريبين من تلك المدارس، أنهم يسمعون ليلًا أصوات اشتباكات وانفجارات، وفي الصباح يرون المدارس قد تضررت، مشيرين إلى أنهم في الفترة الأخيرة منعوا أبنائهم من الذهاب للمدارس؛ لافتين إلى أنهم يسمحون بأدائهم للامتحانات فقط. وحسب تصريحات سابقة لمحافظ شمال سيناء، اللواء عبد الفتاح حرحور، أنه قد قرر إغلاق عدد من المدارس بمدينة رفح، وقد تم توزيع الطلاب على مدارس أخرى قريبة من منازلهم وتجمعاتهم. وتقع المدينة الجامعية لطلاب كليات "التربية، والعلوم، الآداب" بمدينة العريش، داخل المربع الأمني بضاحية السلام، الذي يحتوي على قسم اول العريش والسجن المركزى، المخابرات الحربي، الامن الوطنى، مديرية الأمن، الكتيبة 101 حرس حدود". وأوضح خالد محمود، من أبناء الشيخ زويد، ويدرس فى كلية التربية، ويقيم في المدينة الجامعية، أن المواجهات دفعتهن للسكن في المدينة، بعدما أصبحت المواصلات بين العريش والشيخ زويد صعب،ة معقبًا: "لكن هناك مشكلة، وهي إطلاق أفراد التأمين في البنايات الأمنية حول المدينة الجامعية الرصاص التحذيري من أسلحة ثقيلة طوال ساعات الليل، مالا يجعلنا نستطيع النوم ولا المزاكرة". "إحنا هربنا من ضرب النار في الشيخ زويد جيه معانا العريش"، بهذه الكلمات بدأت إحدى الفتيات التي تدرس فى كلية التربية بالعريش حديثها، مضيفة، "ضرب النار بليل فظيع جدًا، ما بنعرف نذاكر خالص، وأهلنا رافضين نأجر شقة في العريش علشان إحنا بنات، فبنضطر نقعد فى المدينة الجامعية اللي جمب القسم اللى ما بيبطلش يضرب نار طول الليل". وقالت زميلتها، غادة سالم "إحنا في سجن مش في مدينة جامعية.. من الساعة 7 بليل لغاية تاني يوم محبوسين على الرغم من أن الحظر اتشال، لكن التشديدات الأمنية في منطقة المدينة صعبة جدًا ده حتى ممنوع نقعد في البلكونة". وازدادت حوادث سرقة فناطيس المياه مع بداية العام، وظهرت الفناطيس المسروقة في عملية استهداف الكتيبة 101 نهاية شهر يناير، ومن ثم عملية استهداف معكسر فرق الأمن أوائل شهر مارس ممن العام الجارى، كما سرق فنطاس مياه اليوم، أثناء سيره على طريق الجورة بالشيخ زويد، وبناءً عليه توقفت حركة الفناطيس إلى مناطق وقرى الشيخ زويد ورفح، ما تسبب في أزمة مياه في تلك المناطق التي تعتمد عليها. بشكل عام لا يوجد بالمحافظة أماكن ترفيهية، فقط الشاواطئ، وكانت السينما الوحيدة بالمحافظة في قصر ثقافة العريش، الذي أغلق منذ عام 2011 للترميمات التي لم تنتهٍ حتى الآن. وذكرت كامليا آدم، مديرة فرع ثقافة العريش، أن أعمال الترميم بالقصر توقفت منذ ثورة 25 يناير، موضحة أن القصر كان يضم قاعة للسينما، وقاعات نادي الآدب والموسيقى العربية، وكان يتم عمل حفلات موسيقية وندوات لشخصيات كبيرة تأتي من خارج المحافظة، لكن كل شيء توقف بعد الثورة. وفي مثل هذا الوقت من كل عام، كان لا يخلو طريق "رفح - القنطرة" من سيارات تنقل الخوخ السيناوي إلى جميع أسواق الجمهورية، ولكن خلال العام الحالي، لم تبق ثمار الخوخ على الشجر، وأن بقت لا تجد من يجنيها. وتمثل رفح سوق أساسي لتجارة الخوخ، ومصدره الرئيسي لجميع أنحاء الجمهورية، ورغم "الأحداث"، حضر بعض التجار، "على استحياء"، لعرض بضاعتهم من الخوخ. وقال أحدهم، وهو في عقده الأربعين، "بصراحة جيت وأنا خايف بسبب اللى بنسمعه كل يوم عن اللى بيحصل في سينا، واللى زود خوفى أكتر من أسبوعين سواق انضرب عليه رصاص ومات في الشيخ زويد، لكن الحمد الله أنا قدرت أني أعدي ببضاعتي، وأخرج بسلام. وحول نيته العودة إلى سيناء مرة أخرى، أجاب: "لا، المرة دي ربنا سلم، المرة الجاية الله أعلم هيحصل إيه".