تكليف إيهاب عبد الصادق بالعمل مديرًا عاماً للإدارة العامة لشئون التعليم والطلاب بجامعة القناة    الدرندلي يزور ثلاثي الزمالك المحتجز في الإمارات    نوري شاهين: لا نسعى للانتقام من ريال مدريد.. ولهذا السبب لم نتدرب على ملعبهم    الأونروا: سكان شمال غزة يعيشون في ظروف مروعة    تعرف على حجم تجارة مصر مع دول بريكس.. زيادة الاستثمارات تتصدر ملفات قمة قازان    إيران: جيراننا أكدوا عدم سماحهم استخدام أراضيهم وأجوائهم ضدنا    أيمن الشريعي: الأهلي المنظومة الأنجح ولكن لا يوجد أنجح مني    مصرع شخص وإصابة آخر إثر اصطدام دراجة بخارية بحوض مياه ري بالمنيا    ضبط 271 مخالفة خلال حملات تموينية مكبرة على المخابز والأسواق بالمنيا    وزير الأوقاف يلتقي رئيس إندونيسيا بقصر الرئاسة بجاكرتا - صور    الرئيس الإندونيسي يستقبل الأزهري ويشيد بالعلاقات التاريخية بين البلدين    هل يدفع الاستعراض النووي لزعيم كوريا الشمالية واشنطن لإعادة حساباتها؟    حيلة ذكية من هاريس لكسر ترامب في سباق الرئاسة الأمريكية.. النساء كلمة السر    أداء متباين لمؤشرات البورصة في منتصف تداولات اليوم    وزيرة التنمية المحلية ورئيس جهاز تنمية المشروعات الصغيرة يوقعان بروتوكولا لتقديم الدعم    برلماني: إنشاء الميناء الجاف بالعاشر من رمضان نقلة نوعية في مجال النقل    رومانو يكشف عرض نابولي لتجديد عقد كفاراتسخيليا    مشيرة خطاب: خطة عمل متكاملة عن الصحة الإنجابية بالتعاون مع منظمات دولية    وزير التربية والتعليم يكشف عن إجراءات جديدة لتحسين أوضاع المعلمين وتطوير المنظومة التعليمية في جلسة مجلس النواب    خطفوه وصوروه عاريا .. تفاصيل جريمة منيا القمح    بيروح وراهم الحمام.. تفاصيل صادمة في تح.رش موظف في مدرسة بطالبات الإعدادي    احتفالات أبوسمبل.. رقص السائحات خلال تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني| صور    مناقشات للتوعية بالحفاظ على البيئة وتواصل دوري المكتبات في ثقافة الغربية    حفل هاني شاكر في مهرجان الموسيقى العربية الليلة «كامل العدد»    برغم القانون الحلقة 28.. فشل مخطط ابنة أكرم لتسليم والدها إلى وليد    وزيرا الشباب والرياضة والتعليم يبحثان التعاون في إطار مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان    «الصحة»: إضافة الأمراض النادرة لقانون صندوق الطوارىء الطبية أداة فعّالة لعلاجها    فى اليوم العالمى له، اعرف ماهو التلعثم والتأتأة وأسباب إصابة الأطفال بهما    الاعتماد والرقابة الصحية تنظم ورشة عمل للتعريف بمعايير السلامة لوحدات ومراكز الرعاية الأولية    عشرات النواب الأمريكيين يدعون بايدن للسماح بدخول الصحفيين إلى غزة    أمين الفتوى: احذروا التدين الكمي أحد أسباب الإلحاد    واقعة فبركة السحر.. محامي مؤمن زكريا: اللاعب رفض التصالح وحالته النفسيه سيئة    تعرف على أسعار السمك والمأكولات البحرية اليوم في سوق العبور    وزير التعليم للنواب: لا يوجد فصل الآن به أكثر من 50 طالبا على مستوى الجمهورية    رئيس الأركان يشهد تنفيذ التدريب المشترك «ميدوزا -13» | صور وفيديو    «الأزهر»: دورة مجانية لتعليم البرمجة وعلوم الروبوت للأطفال والشباب    بعد إعلان التصالح .. ماذا ينتظر أحمد فتوح مع الزمالك؟    إصابة 8 أشخاص إثر انقلاب سيارة ربع نقل في الشرقية    أخواتي رفضوا يعطوني ميراثي؟.. وأمين الفتوى يوجه رسالة    إحالة مسجلين إلى الجنح لاتهامهم بسرقة شركة في المرج    نائب وزير المالية: «الإطار الموازني متوسط المدى» أحد الإصلاحات الجادة فى إدارة المالية العامة    وزير الشئون النيابية يناقش التقرير الوطني لآلية المراجعة الدورية الشاملة أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان    أول رد من «الصحة» على فيديو متداول بشأن فساد تطعيمات طلاب المدارس    جامعة القناة تواصل دورها المجتمعي بإطلاق قافلة شاملة إلى السويس لخدمة حي الجناين    مواعيد صرف مرتبات أكتوبر، نوفمبر، وديسمبر 2024 لموظفي الجهاز الإداري للدولة    في خدمتك| العمل تحدد شروط شغل 950 وظيفة بالقاهرة    حريق هائل بمخزن شركة مشروبات شهيرة يلتهم منزلين فى الشرقية    دعاء جبريل للنبي عندما كان مريضا.. حماية ربانية وشفاء من كل داء    الجارديان تلقي الضوء على مساعي بريطانيا لتعزيز قدرات القوات الأوكرانية في مواجهة روسيا    هبوط مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    صناع عمل "مش روميو وجولييت" يعلنون تأسيس نادي أصدقاء للجمهور    تغطية إخبارية لليوم السابع حول غارات الاحتلال على رفح الفلسطينية.. فيديو    رواية الشوك والقَرنفل.. السنوار الروائي رسم المشهد الأخير من حياته قبل 20 عاما    اللهم آمين| أفضل دعاء لحفظ الأبناء من كل مكروه وسوء    دعاء عند نزول المطر.. فرصة لتوسيع الأرزاق    ثروت سويلم: قرعة الدوري ليست موجهة.. وعامر حسين لا يُقارن    الحلفاوي: "الفرق بين الأهلي وغيره من الأندية مش بالكلام واليفط"    حدث بالفن| طلاق فنانة للمرة الثانية وخطوبة فنان وظهور دنيا سمير غانم مع ابنتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نزلاء «عنابر سموحة»..القابعون خلف أسوار الحياة
نشر في التحرير يوم 28 - 04 - 2015


تحقيق: ياسمين سعد تصوير: محمد عبد الوهاب السهيتى
لم يرتكبوا جرائم.. لم يخالفوا القانون.. لكن الفقر حكم عليهم بالسجن المؤبد فى عنابر يعتبرونها منازلهم، التى يُحتجزون بها فى قاع الفقر.. «سموحة خلف» أو «عزبة فتى سابقا»، هو اسم الحى الذى تحوَّل بفضل المبانى الجديدة والمشاريع الاستثمارية إلى سجن كبير، يعيش فيه سكانه تحت أنقاض الحياة.. صرخوا أكثر من مرة، طلبًا للمساعدة لتحسين أحوال معيشتهم، لكن صوتهم انقطع عندما قرر رجل أعمال سكندرى إنشاء جامعة خاصة فاخرة، وملاعب خضراء واسعة حصرت المنطقة بين مبانيها.
«إحنا بنعوموا هنا».. استغاثة يطلقها أهالى «سموحة خلف»، لمن يزور منطقتهم من العالم الخارجى، فبينما يقصد المصريون الإسكندرية للسباحة فى بحرها، يسبح أهالى «سموحة خلف» فى الصرف الصحى والقمامة.
غرف صغيرة متجاورة تدارى خصوصيتها الستائر، بينما يستطيع صاحب الحظ الأوفر الحصول على باب خشبى متواضع.. هذا هو الحال داخل منازل حى «سموحة خلف» أو كما أطلق عليها ساكنوها «العنابر»، بسبب شكل الغرف التى تحمل الوصف الدقيق لكلمة العنبر بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
27 أسرة تعيش فى غرف صغيرة متلاصقة، كانت تنتمى قديما إلى مبنى متهالك يتكون من طابقين، بينما استحدث السكان الجدد حجرة جديدة من الخشب والخوص يسكن فيها عريس وعروسة لم يجدا فى طرقات الإسكندرية الواسعة مكانا يتزوجون فيه سوى هذا المكان.
يحتوى العنبر على حمامين لجميع الأسر، حمام عمومى فى نهاية الدور الأول، وآخر فى نهاية الدور الثانى، وبعد معاناة طويلة استطاع بعض الأهالى توسيع غرفتهم وتوفير مبلغ من المال، لشراء حمام صغير حتى يجنّبوا أبناءهم الوقوف فى زحام الطابور على الحمام، والحفاظ على حياء الفتيات خلال الوقوف أمام هذا الحمام المشترك مع الشباب انتظارا للدور.
انتهاك الخصوصية، وإلقاء المهملات من العمارات العالية التى تسجن العنابر وسطها، واحتمال سقوط العنبر، نتيجة للشروخ التى تضربه فى مقتل، هى جميعها مشكلات ليست أساسية بالنسبة إلى أهل العنبر، مقارنة بانخفاض العنبر عن مستوى الشارع، مما يجعل ممر العنبر الذى يعتبر جزءا من الشارع مجرى لمياه الصرف، التى تجتاح الغرف بكل ضراوة، ويضطر من ينام فى الأرض فى هذه الغرفة الصغيرة إلى البحث عن مكان مع أقارب آخرين حتى تجف المياه من على الأرض.
ابتكر الأهالى وسيلة نقل جديدة لكى يعبروا بها مجرى الصرف الصحى للوصول إلى باب الخروج من العنبر عند حاجتهم إلى شراء شىء أو الذهاب إلى العمل، وذلك فى الأوقات التى تغطى المياه فيها كل شىء، حيث قاموا بشراء سلم خشبى طويل، يتسلقونه إلى الدور الثانى، ثم يضعونه فى الشارع أمام الباب، وينزلون من عليه إلى الخارج، وقد وقع عديد من الأشخاص من السلم فى طريقهم إلى الصعود أو الهبوط من المنزل، خصوصا مع عدم وجود أسوار عالية، تحمى سكّان الدور الثانى من الوقوع إلى الشارع.
حاول الأهالى التأقلم مع هذا الوضع، فقاموا بوضع أسمنت، وقاموا برفع ممر المنزل، حتى وصل إلى أقصى درجة، لكن خوفهم من انسداد مدخل الممر منعهم من وضع المزيد من الأسمنت.
تنوعت الأمراض التى أصابت أهالى العنبر نتيجة حياتهم فوق جزيرة الصرف الصحى الخاصة بهم، فقد أصيب الكبار قبل الأطفال بأمراض جلدية، من بينها حساسية بالصدر، أمراض بالقلب، كهرباء بالمخ، نتيجة السقوط المتكرر من الدور الثانى، وسرعة ترسيب وبالطبع أمراض الرئة.
قدم أهالى العنبر أكثر من شكوى للمحافظة لكى يتم نزح مياه الصرف الصحى من المنزل بصورة دائمة ومنتظمة، كما قدموا شكاوى خاصة بإصلاح المنزل وهدمه ثم إعادة بنائه، عسى أن يكون فى إعادة بنائه مكانا أوسع لهم وأكثر متانة، ويصبح لكل أسرة حماما خاصا بها، لكنهم لم يحصلوا على شىء، توالت الشكاوى حتى قاموا بقطع الطريق فى عهد الرئيس السابق «مبارك» أوائل أيام ثورة 25 يناير، فقام بعض الأشخاص بتخويفهم قائلا: «امشوا لحسن ياخدوكو مع بتوع الثورة»، حسب رواية الأهالى، فانقطعت وقفاتهم منذ ذلك الوقت.
«إسكندرية كلها غرقانة»، هذا هو الرد الذى جاء إلى أهالى العنبر فى كل مرة ذهبوا فيها إلى إدارة الصرف الصحى للشكوى من الغرق فى مياه الصرف خاصة فى وقت الشتاء.
تحكى فاطمة عبد الفتاح، التى تبلغ من العمر 58، عن معاناتها مع هيئة الصرف الصحى قائلة: «كنا بنديهم 60 جنيها لحد رمضان اللى فات ومرضيوش بيهم، المفروض أصلاً يعملوا شغلهم مجانا، لكنهم بيأخذوا منّا مقابل لنزح مياه الصرف».
وتضيف: «كنا بنلم من بعض وندفع، لكن هما دلوقتى عاوزين زيادة، وإحنا على قدنا».
تتابع فاطمة: «يوم الجمعة إجازة الحكومة، فلما العمال مايجوش المياه بتدخل البيوت، بتغرقها لحد ما يجوا فى المعاد اللى يحددوه، ومش بنقدر نشتكى.. هو احنا يا بنتى قد الحكومة».
فاطمة أصيبت بحساسية على الصدر، وكما قال جيرانها «فاطمة بترجع دم»، ولذلك فهى تترك منزلها وابنها وزوجها فى ذروة تخييم الصرف الصحى فى المنزل، وتعيش فى منزل ابنتها خلال هذه الفترة حتى يتم النزح.
لا يستطيع أى منزل بالمنطقة أن يستغنى عن تلك اللفافة الصغيرة التى توضع على باب الغرفة لمنع دخول الثعابين والفئران الكبيرة، بينما تظل جميع أنواع الحشرات ضيوفا دائمة فى منازل المنطقة بأكملها، وليس هذا العنبر فقط.
تتسبب الثعابين فى رعب عديد من ربات المنازل والأطفال، كما تسببت فى إصابة عريس وعروسته بتسمم، فتم نقلهما إلى المستشفى يوم الصباحية، وقضيا أياما حتى امتثلا للشفاء، وحتى الآن لم تنجح الثعابين فى حصد أى روح بعد، لكن الأهالى فى حالة تأهب لحدوث ذلك قريبا.
تسببت ظروف المعيشة الصعبة فى هذا العنبر إلى وجود مواقف ومشاعر إنسانية كثيرة ومتناقضة، لكنها أيضا تسببت فى خلق ظاهرة، فالكثير من الرجال حاولوا القفز من هذا المركب الغارق تاركين أبناءهم وزوجاتهم ليبحروا بمفردهم فى بحر آخر من الظلمات.
أغرب تلك القصص كانت لرجل عندما ضاقت به الدنيا، وشعر بعدم مقدرته على توفير مكان أفضل لكى يعيِّش فيه زوجته وأبناءه، ذهب إلى القسم ليعترف بأنه يتاجر فى الحشيش.
«جوزى مابيتاجرش فى الحشيش»، هكذا قالت هانم أحمد إبراهيم، التى تبلغ من العمر 32 عاما، حيث روت حكاية زوجها قائلة: «زوجى كان يقوم ببيع الشاى للناس فى الشارع، ولم يستطع تحمل تكاليفنا، أو إخراجنا من هذا المنزل، خصوصا بعد حرق الغرفة نتيجة ماس كهربائى من هطول الأمطار والصرف الصحى وتلامسه مع أسلاك الكهرباء العريانة، فذهب إلى قسم الشرطة فى لحظة يأس، وأبلغهم أنه يعترف بتجارته فى الحشيش والمخدرات».
وأكملت: «عندما ذهب زوجى إلى القسم أول مرة، أخرجه الضابط المسؤول، لأنه يعلم أنه لا يتاجر فى الحشيش، بالإضافة إلى أنه لم يكن معه أى مخدرات، وهو ليس مراقبا من الشرطة، لكن عندما عاد زوجى للمرة الثانية ليعترف على نفسه، تم حبسه وحصل على عقوبة مشددة لمدة ثلاث سنوات، وهو يعيش حاليا مريضا فى السجن، وندم على ما فعله».
تغيّر لون وجه «هانم» عندما وجدت ابنتها الصغيرة قادمة، لأنها تخفى عن بناتها الثلاث أن والدهم مسجون فسارعت بقولها: «زوجى مسافر وسيأتى قريبا لكى يشترى كل شىء للبنات».
لم يكن حبس الزوج هى الكارثة الوحيدة فى حياة «هانم»، بل كانت الكارثة الثانية هى سقوط ابنتها الصغيرة من الدور الثانى للمنزل، نظرا لعدم وجود سور عال يحميها، فسقطت الطفلة برأسها على أنبوبة بوتاجاز الجيران الذين يضعونها فى الخارج، نظرا لضيق غرفتهم، فتم نقلها إلى المستشفى على الفور، وأصيبت بشرخ وكهرباء على المخ، وتحاول «هانم» المواظبة على العلاج قدر ما استطاعت، خصوصا أنه مرفوع ضدها قضية تسديد شيكات، حصلت عليها لتشترى بها ملابس وتبيعها لتتكسب وتصرف على بناتها، ولكن القدر لم يمهلها إكمال مشروعها بنجاح حتى النهاية.
وكما تأذت ابنة «هانم» تأذت ابنة «مديحة» التى تبلغ من العمر 51 عاما، فقد حصلت على نصيب الأسد من الأمراض المنتشرة عند أهل العنبر، غير العادية لأن غرفتها هى الملاصقة للحمام العمومى، كما أن غرفتها تمتلئ بمياه الصرف الصحى، لأنها تسكن فى الدور الأول من العنبر.
صعقت ابنة «مديحة» الصغرى «رضوى» التى كانت تبلغ من العمر وقتها عامين فقط بالكهرباء، خلال ذروة امتلاء العنبر بالمياه وملامستها لزر من أزرار النور، فعندما تغرق المياه العنبر، كل شىء يصبح مليئا بالشحنات الكهربائية، وليس شرطا لأن تصعق أن تمسك سلكا عاريا بيديك، وكادت تودى هذه الصعقة بحياة الطفلة، لكنها نجت وأصيبت بنزيف فى شبكة العين.
لم يصعق بقية أبناء «مديحة» الثلاثة، لكن أصيب «ابنها» بالحمّى أكثر من مرة، ويعانى دائما من ارتفاع فى درجة حرارة جسده، وأصيبت ابنتها «حبيبة» بالروماتويد والتهابات فى العظام، بينما الابنة الأخرى «دينا» فهى تركت منزل أسرتها وتعيش مع جدتها فى «أبو قير»، نظرا لإصابتها بالدرن وعدم احتمالها رائحة العنبر.
لم يكن حال الآباء أفضل من حال الأبناء، فقد أصيبت الوالدة «مديحة» بورم فى المخ منذ عام 2012، وأصبح عملها فى خدمة المنازل صعبا عليها، أما الوالد فقد تم بتر أصابعه نتيجة إصابته خلال عمله على إحدى الماكينات فى مجال صناعة الكوالين.
قال «محمد رضا» زوج «مديحة»: «عندما أصبت فى عملى، تكفّل صاحب العمل بعلاجى، لكننى أصبحت ضمن ال5% الذين يعملون وفقا للعجز، ولا أحد يريدنى للعمل معه، وفى نفس الوقت لم تصدر لى أوراق رسمية من الشركة التى كنت أعمل بها تثبت حقى فى الحصول على معاش أو تأمين.. حقى ضاع بضياع ورقى» فإذا كان لدىّ معاش ثابت كنت حصلت على قرض وقمت بشراء شقة تمليك ليعيش فيها أبنائى وأنقذهم مما يعيشون فيه».
وأضاف: «أشفق على بناتى عندما يكبرن من الوقوف فى طابور واحد على الحمام بجانب الشباب، فأنا لا أريد شقة فاخرة تتكون من أربع أو خمس غرف، بل أريد غرفة نتستر فيها أنا والعيال وحمام ندخله عندما نحب».
وتابع فى كلمة طالب بتوجيهها إلى رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى: «نفسى يبص للشباب الغلابة المجهولين اللى زينا، بص يا ريس لعزبة فتى وحى سموحة خلف، بص للجهلة اللى بيقولوا عليهم عشوائيين، اللى مش معاهم شهادة علشان خرجوا من التعليم علشان يربّوا إخواتهم ويصرفوا على أهاليهم، رجل أعمال بنى جامعة وقفل علينا علشان إحنا بيئة والناس بترمى علينا الزبالة».
فى غرفة أخرى تمكث تيسير إبراهيم، التى تبلغ من العمر 45 عاما، والتى استطاع زوجها قتل ثعبان دخل منزلها بمهارة حكى عنها الجميع، هى أيضا ماهرة قتل الثعابين فقط، كما تستطيع أن تحدد إذا دخل المنزل الدود أم لا، لأنها اكتشفت أن الدود دائما يترك خلفه خطا أبيض، فعند رؤية هذا الخط تقوم بتطهير المنزل على الفور.
منزل «تيسير» هو المرشح الأول لاستقبال القمامة من العمارات التى تلقى القمامة على أهالى العنبر، وذلك لأنها تسكن بالدور العلوىّ، كما أن بجانبها جزءا مهدوما من العنبر، نظرا لتهالكه، وقد اتخذ بعض أهالى العنبر هذا الهدم وسيلة لتحويل هذه المنطقة إلى «زريبة خرفان».
كلمات شابة ناضجة، وجسم طفلة صغيرة، وعيون واسعة جميلة، وضحكة مليئة بالبهجة، هى مواصفات لحفيدة «رضا» التى تبلغ من العمر 20 عاما، وتعانى من مرض الضمور فى العضلات والمخ، والتبوّل اللا إرادى، وهى معرضة للموت فى أى لحظة من رائحة المجارى، نظرا لأنها تعيش برئة واحدة، ولديها آلام صدرية أصيبت بها نتيجة تراكم استنشاقها لهذه الرائحة الكريهة.
أما الجدة فهى أصيبت بفيروس «سى» وتضخم فى الطحال ولديها سيولة فى الدم، لكن كل ما تتمناه هو الخروج من هذا المنزل لإنقاذ حياة حفيدتها، كما تتمنى أن تدفع مبلغا يقدر ب150 جنيها من أصل مبلغ 500 جنيه كانت تسددهم على مدار عام كامل، وهو حق المأذون الذى طلّقها زوجها عنده، بعدما تركها 10 سنوات وتزوج وأنجب من أخرى، ورفض الرجوع إليها رغم رضوخها له، وتمنيها أن تظل فقط على ذمة رجل».
«نفسى أطلع من البيت ده»، هكذا قالت حفيدة «رضا»، وأكملت «لدى مياه على المخ، ورئتى فيها واحدة مش شغالة، ودخول الحمام العمومى أمر صعب بالنسبة إلىّ، لأننى لا أتحرك بسبب ضمور العضلات، كما أننى أجد صعوبة فى التنفس من الرائحة طوال الوقت حتى وأنا جالسة فى الغرفة»، واختتمت حديثها بابتسامتها قائلة: «هنعمل إيه يعني؟ كله كويس».
إذا كانت «رضا» قد طلقها زوجها، ف«كريمة» عندما علمت بترك زوجها للعنبر وزواجه من أخرى لم تنتظر أن يطلقها بل قامت هى بخلعه، وعاشت فى غرفتها بالعنبر، وعملت فى المنازل حتى استطاعت توفير مبلغ مالى، قامت باستخدامه فى شراء حمام وتركيب سيراميك، ليكون لها حمام خاص بها، جعلها سعيدة، وقام بتحسين نفسيتها، ولم يجعلها تريد شيئا آخر.
«أصل النضافة أهم حاجة للإنسان»، هكذا ردت «كريمة» عندما سألتها عن سبب تحويشها هذا المبلغ المالى خصوصا لشراء الحمام، فهى وجدت أن اشتراكها فى الحمام العمومى سينقص من كبريائها، ومن حبها للنظافة التى حافظت عليها فى الغرفتين اللتين تعيش فيهما هى وابنها.
على عكس الجميع، تفضل إيمان عبد الحميد عدم الشكوى للمحافظة عن أحوال العنبر، وقد بررت ذلك قائلة، «خايفين نشتكى يقولولنا العنبر عاوز إزالة ونترمى فى الشارع»، فضيق حالتها المالية جعلها تفضل الحياة فى المجارى فى غرفتين هى وزوجها وأطفالها الخمسة، عن أنها تنام فى الشارع، فما دامت فى كل الأحوال ستنام فى الشارع، فلماذا تنام فى شارع ليس على الأقل به باب؟
«الجرادل» هى أول شىء من الممكن أن تلاحظه فى غرفة «إيمان»، لأنها تستخدمها فى نزح المياه عن غرفتها عندما تأتى موجة الصرف الصحى وتغرق العنبر، فالأرض يجب أن تكون جافة حتى يستطيع أطفالها النوم عليها.
لم يسلم أبناء «إيمان» من حوادث العنبر، عند قيامهم بنزح مياه الصرف الصحى من الماسورة التى أمام العنبر، أو كما سمته هى من «البير»، بطريقة عشوائية، نظرا لرفض إدارة الصرف الصحى المجىء لنزح المياه، سقطت ابنتها فى هذا البير العميق، وقدر الله أن لا تصاب رأسها من ارتطامها بالسيخ الذى كان موجودا داخل الماسورة.
تتذكر «عايدة»، التى تبلغ من العمر 37 عاما، وتسكن فى العنبر مع زوجها وأبنائها الثلاثة، وقوفها أمام الحكومة بفخر أيام الثورة، فهى كانت تقف أمامهم ليس لموقفها الثورى، أو لأنها كانت تعلم ما يحدث، لكنها وقفت أمامهم هى وسيدات العنبر حتى يصرخن لنزح مياه الصرف الصحى من العنبر، لأن أبناءهم بدؤوا يصعقون بالكهرباء واحدا تلو الآخر. روت «عايدة» هذا الموقف قائلة: «مرة جبنا الحكومة هنا، ثم قمنا بالصراخ وطالبناهم بحقوقنا فى المعيشة، فعائلتى أصيبت بجميع الأمراض جرّاء مياه الصرف الصحى، فلدينا أمراض بالقلب، وأمراض الضغط والسكر، بالإضافة إلى أمراض حساسية الصدر وارتجاع المرىء، كما أننى أصبت بمياه على المخ، لأننى كنت أحمل الماء على رأسى خلال نزحنا مياه المجارى يدويا، ولهذا صرخنا أمام الحكومة وطالبنا بحقنا، لكن عندما وجدونا نهاجمهم قالوا لنا، إذا ماسكتوش هنلم رجالتكو كلها، فخفنا وقتها ودخلنا إلى غرفنا».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.