صرح رئيس مجلس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، بأن التنمية هي رؤية واستراتيجية لا يمكنها أن تتحول إلى حقيقة ملموسة فى واقع ملئ بالتحديات، إلا بإدارة واعية وقادرة وطموحة تتبنى مواجهة كل ما يعوقها لتحقيق الهدف وتتبنى إصلاحا حقيقيا وتسابق الزمن لتحقيق أهدافها التنموية، مضيفا أنه دون وجود هذه الإدارة تتحول الرؤية إلى حلم أو خيال وفى بعض الأحيان إلى وهم. جاء ذلك من خلال الكلمة الافتتاحية لرئيس مجلس الوزراء لبدء أعمال المؤتمر العربى الأول للإصلاح الإداري والتنمية والذى عقد تحت رعايته بالتعاون بين المنظمة العربية للتنمية الإدارية، جامعة الدول العربية ورئيسها الدكتور رفعت الفاعورى ووزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى وبحضور الدكتور أشرف العربي وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدار ى وهانس يورج هابر، سفير جمهورية ألمانيا الاتحادية بالقاهرة. وأوضح محلب أن مصر أوشكت على الانتهاء من خارطة الطريق السياسية، لتكتمل مؤسسات الدولة، مشيرا إلى أن هذا المؤتمر يأتي متزامنا مع خارطة طريق أخرى بدأت لتحقيق إصلاح إداري حقيقي في الجهاز الإداري للدولة، والقطاع الحكومي ككل، حيث يعد إصلاحا ضروريا لإحداث التنمية التي نصبو إليها وهو ما أكد عليه دستور 2014 على حُسن أداء الوظيفة العامة، والحفاظ على المال العام، وتعزيز قِيَم النزاهة والشفافية، ووضع ومتابعة تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد. وأضاف محلب أن خطة الإصلاح الإداري الشاملة التي بدأت ترتكز على الاستفادة من الخبرات المُتراكمة، وما تم إعداده من دراسات قيمة، وأفكار وطنية للإصلاح الإدارى، والبناء عليها، بحيث يتم وضع نظام مُحكَم، مُحدَد الأهداف، وقابل للتنفيذ والتقييم، وبأسلوب علمي وعملى، يتبنى التُكنولوجيات الحديثة، وينهض بكل قطاعات الدولة، في إطار زمني محدد. ونوه محلب إلى بدء خطة عملية وعلمية للارتقاء بالنظم الإدارية، وترسيخ ثقافة مُؤسسية إيجابية تُعلي قيمتي العمل والإنتاج، وتضمن سيادة القانون، وتحقيق العدل، وتقديم الخدمات لجميع فئات المجتمع دون تحييد أو تهميش، مؤكدا أنه لا يمكن الحديث عن خطة شاملة للإصلاح الإداري دون أن يدعمها تشريع جديد يتواكب مع المتغيرات الإدارية والاجتماعية الحديثة، أملاً في إحداث نقلة نوعية في أداء الموظف العام، ومن ثم أداء الجهاز الإداري، ومن ثم أداء الدولة ككل. وأعلن محلب أن قانون الخدمة المدنية الجديد على وشك الصدور وهو ما طالما انتظرته مصر لتوحيد التشريعات التي تحكم العاملين المدنيين بالدولة، وترسيخ مبدأ الرقابة الذاتية بالمؤسسات الحكومية، واختيار الكوادر، بِناء على معيار الكفاءة، والقضاء على الواسطة والمحسوبية، وإثابة المجتهد، ومُعاقبة المُخطئ بعدالة وموضوعية وطبقاً لمعايير واضحة تعتمد على الأداء وتبتعد عن المحاباة. ولفت رئيس مجلس الوزراء إلى أن الإصلاح الإداري هو قاطرة التنمية ووقودها، وإن كانت التنمية هي جهد جماعى فإن ذلك يتطلب بالضرورة قيادة جماعية وإذا أحسنَت الإدارة اختيار القيادات، ستسير قاطرة التنمية فى الطريق الصحيح وتصل إلى أهدافها، وبالتالى فإن اختيار القيادات بناء على معايير واضحة، والتقييم المستمر لأدائهم هو حجر الزاوية في التنمية. واستطرد محلب قائلا: إن الإصلاح الإداري الحقيقى يضع على كتف كل مسئول عبء رفع كفاءة العنصر البشرى الذي يتبعه، وأصبح هذا أحد مؤشرات نجاح أو فشل المسئولين، فإن تعلل أحدهم في بعض الأحيان بعدم وجود العنصر الكفء لتحمل المسئولية فإنما يجب هنا أن نضع اللوم على الرئيس وليس المرؤوس، فهذه هي الثقافة الجديدة التي نتبناها، ونعمل بها. وثمن رئيس محلس الوزراء على أهمية أن يعد كل مسئول صفا ثانيا من أفضل الكوادر الموجودة بالمؤسسة أو القطاع أو الإدارة التي يديرها حتى لا يحدث ما نراه اليوم من خلخلة في المستويات والقيادات الإدارية، فإن وجود قاعدة بيانات لأفضل الكوادر الإدارية بجميع أجهزة الدولة يعد أحد أهم أهداف الإصلاح الإداري الذي ننشده، كما يؤسس لمنظومة فعالة لاختيار القيادات بناء على عنصري الكفاءة والإنجاز، ولهذا قررت الحكومة ولأول مرة أن يقوم كل رئيس جهة في مكانه، سواء كان وزيراً أو محافظاً أو رئيس هيئة أو مصلحة باختيار أربعة من شباب الموظفين ليكونوا معاونين له، حيث يتم تأهليهم بشكل عملي ليكونوا من الكوادر الشابة والقيادات المستقبلية بالجهة، وجدير بالذكر أنني كرئيس للوزراء اتخذت لنفسي عددا من المعاونين الشباب الأكفاء. وأكد أن إيقاع التطور والإصلاح الإداري يجب أن يتناغم مع معدلات التنمية بل عليه أن يسبقها لضمان تطورها واستدامتها، ما يتطلب تبنى سياسات للتدريب والتعليم المستمر بناءً على احتياجات حقيقية، وقياس أثر التدريب على أداء الموظف والمؤسسة لضمان فعاليته. وأشار إلى أن الإصلاح الإداري يجب أن يشمل جميع المفاهيم الإدارية التي تعمل على تحسين مستوى الأداء الإداري ورفع الإنتاجية، ومنها ترشيد الإنفاق العام، وإعلاء روح الحفاظ على المال العام وتبني معايير ومؤشرات واضحة لاقتصاديات التشغيل، وربط الأجر بالإنتاج والتوجه للامركزية وسرعة اتخاذ القرار، فسرعة اتخاذ القرار هي الطريق للنجاح. وتابع: التلكؤ والتباطؤ وكثرة اللجان هو الفشل بعينه والتواصل مع المجتمع ومشاركته في صنع القرار وتبنى تنفيذه و تهذيب البيروقراطية، وتحجيم الروتين وترسيخ مفهوم الخدمة العامة، فالموظف العام هو من يقدم الخدمة للمواطن، دافع الضريبة، الذي جاء للحصول على مطالبه المشروعة وللمحافظة على حقوقه، وإن تقديم الخدمة العامة للمواطن هو مبرر وجود الأجهزة الإدارية. وقال محلب: "ولا يسعنا الحديث عن السعي نحو الإصلاح الإداري، دون التأكيد على الالتزام بالمبادئ الأساسية للحوكمة، والتي تستوجب ضرورة عمل المؤسسات بكفاءة، وفعالية، لتحقيق احتياجات المجتمع، من خلال الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، وإرساء مبدأي المساءلة والمحاسبة، اللذين طالما افتقدهما بشدة الجهاز الإدارى للدولة، وكذلك مبدأ الشفافية، من حيث التزام جميع مؤسسات الدولة بالإفصاح عن قراراتها وسياساتها، وتشجيع المواطنين على المشاركة الفعالة في اتخاذ القرار". وأضاف أن الإدارة الواعية حقا هى التى يمكنها أن تتأقلم وسريعا مع المتغيرات المتلاحقة التى قد لا تصب في مصلحة المؤسسة، بل وتضع السياسات والخطط والإجراءات اللازمة لمواجهتها، وتتبنى حلولاً مختلفة منخفضة التكلفة، وتُحفز المرؤوسين خصوصا الشباب على التفكير والإبداع واقتراح حلول خلاقة وإبداعية لمواجهة الظروف المحيطة أو للارتقاء بالأداء، ومن ثم فإن الترسيخ لثقافة الإبداع والإيمان بالأفكار الجديدة هو أحد مرتكزات خطتنا الشاملة للإصلاح الإداري. وأوضح أنه ليس أدل على ذلك من منظومة اختيار وتعيين 30 ألف معلم، والتي تم الاعتماد فيها كليةً على تطبيقات إلكترونية، فقد قام الراغبون في الحصول على وظيفة معلم باستيفاء بياناتهم من خلال تطبيق تم إعداده لهذا الغرض على موقع وزارة التربية والتعليم، وعلى مواقع مديريات التعليم بالمحافظات، كما تم اخطار المتقدمين بموعد الامتحانات، والتي بدورها تم عقدها من خلال تطبيقات إلكترونية، واستخراج النتائج بسرعة ودون تدخل، بما يضمن الشفافية فى النتائج والعدالة والمساواة فى الفرص بين المتقدمين. وأكد رئيس مجلس الوزراء أن هناك نموذجا آخر لابد من الاعتزاز به وهو النجاح الذي حققته منظومة الخبز، فالجميع يعلم كم كان يأكل دعم الخبز من الموازنة العامة للدولة، والتي تعانى عجزا كبيرا، ومن ثم فإن إضافة الخبز إلى بطاقة الأسرة الالكترونية، وتبني فكرة جديدة ومختلفة لاحتساب نقاط لكل أسرة تأخذ حاجاتها فقط من الخبز، يمكنها من استبدالها بسلع تحتاجها الأسرة فعليا، قد أدى بالفعل إلى انخفاض دعم الخبز في الموازنة، والأهم من ذلك انه أدى إلى شعور المواطنين بأن الحكومة لا تألو جهدا لخدمتهم. كما أكد محلب أهمية أن تعى الحكومات أن هدفها الأول هو خدمة شعوبها وتبنى قضاياه، وواجبها الأول هو تبنى رؤية واضحة من أجل تنمية شاملة ومستدامة للوصول إلى النمو الاقتصادي الذي ينعكس على جميع أفراد المجتمع في مستوى أرقى من التعليم والصحة والأمن، كما أن على الحكومة أن تتواصل مع المجتمع ليتبنى سياستها التنموية، فالمواطن شريك أصيل لإنجاح مسيرة التنمية؛ كما أن على الحكومات أن تثق في شبابها وتُحسن إعداده، فهو المستقبل للأخذ بزمام المبادرات التنموية، وهذا يتطلب بدوره تنمية وإطلاق مواهبهم الإبداعية. وفى ختام كلمته، أوضح محلب أن هذا المؤتمر يعد فرصة رائعة لتبادل الخبرات والاستفادة من النجاحات التي تحققت في الدول والمؤسسات والهيئات المختلفة من خلال ما قاموا به فى مجال الإصلاح الإدارى للاستفادة منه والبناء عليه مشيرا إلى أنه لابد من التذكير دائما بأن القيادة الحقيقية هى الإحساس بمطالب الشعب والتعبير عنها وإيجاد الوسائل لتحقيقها.