«أول ما يحاسَب عليه العبد المصرى يوم القيامة، قربه وبعده عن عبد الفتاح السيسى، فإن كان قريبًا دخل النار، وإن كان بعيدًا دخل الجنة». هذا ليس حديثًا شريفًا بالقطع، لكنه يكاد يكون كذاك فى ذهن كثير من الإخوان والمحسوبين عليهم والمتعاطفين معهم، يظهر كل مرة ترى فيها تعليقاتهم على رحيل شخص ما عرفوا عنه أنه كان مؤيدًا للسيسى، أو سمعوا له تصريحًا يثنى على الرجل وما فعله. حين تأكد خبر رحيل سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، واصل الإخوان هوايتهم. أعضاء الجماعة التى ترفع راية الإسلام يواصلون كعادتهم الشماتة فى الموت، يتوعدون حمامة بمصير سيئ فى أبديتها، لماذا؟ هل لديهم ما يثبت ارتكابها الكبائر أو ابتعادها عن محبة الله وطريقه؟ هل يعرفون كيف كانت تعيش المرأة الثمانينية فى خواتيم عمرها؟ هل لديهم أدلة شرعية تخص فاتن حمامة؟ كأن يكونوا قد عثروا على رواية قديمة لأحد الصالحين تقول: سيأتى فى نهاية الزمان امرأة تنتسب للحمامة، اشمتوا فى موتها وأنذروا غيرها من مصيرها ؟! هل ورد للجماعة بحكم أنها جماعة ربانية حسب وصفهم لأنفسهم، من كنترول الآخرة بيان حول مصير فاتن حمامة؟! لم يحدث كل ذلك، ولا يهم فى قناعة الإخوان، لأنهم لا يقيسون الأمور بمثل هذه المقاييس، فلديهم فى حياتهم مقياس واحد هو القرب والبعد عن السيسى، هو الذى يحدد لهم الشريف من الوضيع، والمؤمن من الكافر، وأهل الجنة من أهل النار، والخير من الشر. والفنانة الثمانينية فعلت الكبيرة التى يتخيلون أن وزرها يتجاوز وزر كل كبيرة، وأثنت على السيسى وأبدت تأييدًا واطمئنانًا لوجوده على رأس الدولة. ليست فاتن حمامة فقط، فمن قبلها العشرات ممن غادروا دنيانا، ويحاول الإخوان أن يصوروا لأنفسهم أنهم إنما ماتوا عقابًا لهم على مواقفهم المؤيدة للسيسى، وكأن الله، تعالى جل جلاله وعلا شأنه، ليس إلا قائد التنظيم الخاص فى الجماعة، ومهمته تصفية خصوم الجماعة الذين لم يمارسوا فى خصومتهم تلك أكثر من الكلام وإبداء الرأى وممارسة قناعاتهم بالإعلان عن مواقفهم من صراع سياسى قائم. يأخذ الإخوان على السلطة ما تعتقد أنه تضييق على أصحاب الرأى المخالف، وتوسع فى الاحتجاز لمجرد أن مساجين الإخوان أصحاب رأى، فإذا كانت السلطة وفق هذا التحليل تعاقب الرأى بالسجن، فماذا يفعل الإخوان الذين هم بلا سلطة مع مخالفيهم فى الرأى؟ يتجاوزون احتكار الدين فى الدنيا لاحتكار المصير والآخرة ومنازعة الله جل جلاله فى ما اختص نفسه به يوم القيامة، ويوزعون النعيم والجحيم كما تزيّن لهم أنفسهم الغارقة فى كراهية السيسى وكل من يثنى عليه. يكره الإخوان السيسى لا تحتاج دليلًا على ذلك، وأزيدك بالقول: إن هذا حقهم، ليس لأحد أن يتدخل فى مشاعر القبول والكراهية، ومن حقهم أيضًا، لأن ما تم انتزاعه منهم كبير وكبير جدا، بذلوا من أجله العمر كله لأكثر من 80 عامًا ولم يدم بين أيديهم سوى عام واحد. هذا صراع على السلطة ومن أجل السلطة.. حسنًا اجروا خلف ما ضاع منكم كما تشاؤون، اكرهوا السيسى أكثر وأكثر، تفننوا فى الشتائم والسباب، انتهجوا ما تشاؤون من سياسات، لكن افعلوا أشياء أخرى إلى جانب الكراهية، فرهن حياتكم كلها بهذه الكراهية يتحول من موقف سياسى أو خصومة على مغنم إلى مرض، يزيد النفور منكم ولا يضير السيسى فى شىء، تفسير الحياة والموت بالسيسى مرض، وتفسير المرض والشفاء بالسيسى مرض، وتفسير الدفء والصقيع بالسيسى مرض. الشماتة فى ما يقدره الله على عباده من موت أو مرض، دليل على وصول هذه الحالة المرضية للمدى الأخطر على صحتكم النفسية وليس على أحد آخر، لن يضير المجتمع فئة تشمت فى الموت والمرض، وتصفى حساباتها مع سلطة بالشماتة فى الأفراد الذين ماتوا بقرار من الله وحده على الفُرُش فى بيوتهم أو على أسرَّة المرض، وليس فى معركة قتال، ولا فى اعتصام أو مظاهرة هدفها السلطة، هؤلاء ماتوا فى صراع مع المرض على الحياة، وليسوا فى صراع مع السلطة وعلى السلطة. يمكن أن تكرهوا السيسى وتفعلوا فى الوقت نفسه كل الأشياء الأخرى العادية جدا، كالترحُّم على الموتى وتمنِّى الشفاء لكل مريض، والابتسام فى وجوه الناس، وقول الكلمة الطيبة، والتنازع فى الرأى مع من يستطيع الرد، دون افتراء على أموات لا يملكون تفنيد ما تقولون أو الرد عليه. والأهم هو ترك المصائر فى الآخرة لله.. اتركوا له الآخرة، هل نطلب منكم الكثير؟!