يُركِّز الإعلام فى بلادنا العربية فى نهاية كل عام على إحصاء الأحداث المهمة خلال العام، واستقراء التوقعات المحتملة للعام الجديد، فعادة ما يحتلّ المنجّمون الشاشات لعرض التوقعات الفلكية التى قد تُنذر بكارثة طبيعية فى بداية العام، وانفراجة فى منتصفه، وشىء آخر مجهول الهُوية فى آخره، وهكذا كل سنة. لكن فى بلاد أخرى على ظهر هذا الكوكب يهتمّ الإعلام، حينما يفرَغ من الاحتفالات والتهنئات، بنوع آخر من التوقعات، تلك المبنية على أرقام ونِسب دقيقة تتابع أداء مختلف المؤسسات طوال العام، وتستعرض إنجازاتها وإخفاقاتها، وتفسِّر ذلك فى ضوء السياق العام المواكب لعملها، ومن ثمَّ تُقيِّم أداءها وتحدِّد نِسب رضاء الجمهور عن عملها، ولذا فتوقّعات العام التالى تكون مبنية على أساس صلب من قياسات الأداء فى العام الماضى، ومدى قابلية المؤسسات المختلفة على النجاح فى تنفيذ خطتها للعام القادم، وهنا جوهر الاختلاف فى الإدارة بيننا وبينهم، فإدارة المؤسسات تعتمد فى الأساس على خُطة سنوية تقترح عدة مشروعات تلبّى مجموعة من الأهداف التى لا بد أن تتقاطع مع احتياجات الجمهور الذى تخدمه هذه المؤسسة، ولذا فالتوقّع يكون فى حيز ضيق وهو مدى نجاح تطبيق الخطة بالنظر إلى الظروف التى قد تحدث، لكن فى بلادنا قد لا نجد خطة، وعندما نسأل عنها يقولون إنها قد حُجبت عن الجمهور لأسباب أمنية وسيادية وخلافه، وهنا يُثار الشك حول وجود خطة من الأساس، وبالتالى قد لا نجد فى بداية العام ما نتوقع على أساسه، ولا نجد فى نهاية العام ما نقيِّم نجاحه من عدمه. لا أفهم مصدر ثقافة الارتجال التى تسيطر على مجتمعاتنا، وتجعلنا نتعالى على التخطيط للمستقبل وإجراء إحصاءات حول مختلف الظواهر، ومن ثمَّ الاستناد إلى نتائجها فى تصميم خطة، لكنها بكل تأكيد ثقافة بغيضة تجعلنا نتفاعل مع كل المشكلات بالصدفة، وبطريقة رد الفعل لا المبادرة والوقاية والاستباق. بل والأدهى أنها تجعلنا نرد كل المشكلات التى تواجهنا إلى أسباب قدرية خارجة عن إرادتنا، كأنها كوارث طبيعية، كالزلازل والبراكين، وليست من صنع الإنسان أو بالأحرى من صنع تقصير الإنسان، ومن ثمَّ يفلت المسؤولون من هذا التقصير من العقاب، بل يستمرون فى مناصبهم بأداء مهلهل دون حساب أو تقويم. ولذا فأمنياتى المتواضعة للعام الجديد أن يتفضَّل المتحدث الرسمى باسم كل وزارة أو مؤسسة عامة فى مصر بإقامة مؤتمر صحفى، يقدِّم فيه خطة وزارته أو مؤسسته للعام الجديد، معززة بالأهداف ومختلف البرامج المقترحة لتنفيذها، فضلا عن تقييم موضوعى لأداء المؤسسة للعام الماضى، مشفوعا بأرقام ونسب قياس الأداء حسب التوزيع الجغرافى لمختلف المحافظات، بما يجعل المواطنين العاديين قادرين على متابعة أداء المؤسسات التى تخدمهم، والتى تُموَّل من الموازنة العامة للسهر على راحتهم. ولا يهمّ هنا أن تترافق سياسة الإفصاح تلك مع إقرار الموازنة فى منتصف العام الميلادى أو فى نهايته، لكن الأهم هو أن تصبح الشفافية سمة عامة، وليست تفضُّلا أو منًّا من بعض الجهات دون أخرى.