بدأت القمة الخليجية ال35، التى عقدت يوم الثلاثاء «9/12/2014» فى العاصمة القطريةالدوحة بأجواء حذرة تتلمس مدى جدية المصالحة التى أجريت بين دول المجلس فى القمة الاستثنائية، التى عُقدت فى الرياض الشهر الماضى، وتضمنت عودة سفراء السعودية والإمارات والبحرين مجددًا إلى الدوحة، كما تضمنت نداءات مصالحة بين مصر وقطر، لكن القمة هذه انتهت بقدر معقول من التفاؤل، يمكن قياسه بالقدر الذى أثبتته وأكدته قطر لاحترامها وقبولها مطالب الدول الثلاث على نحو ما ورد فى الإعلان الصادر عن القمة، وحمل عنوان «إعلان الدوحة»، الذى أكد «احترام دول المجلس بعضها لسيادة البعض الآخر، وعدم التدخل فى شؤونها الداخلية»، وأيضا من خلال البيان الختامى، الذى أكد «دعم دول المجلس كافة للرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى، وخريطة الطريق، والدور العربى والإقليمى لمصر». التفاؤل تجاوز حدود المصالحة، وامتد ليشمل بوادر تعزيز التعاون المشترك، وبالذات فى الميدان العسكرى والأمنى، فضلا عن تجديد الثقة مرة أخرى بعد مماطلات طويلة، لدعوة العاهل السعودى الملك عبد الله بن عبد العزيز، بتطوير مجلس التعاون إلى إطار يحمل اسم الاتحاد الخليجى . فقد تضمن البيان الختامى للقمة توجيها للمجلس الوزارى مجلس وزراء الخارجية لاستكمال دراسة مشروع الاتحاد الخليجى. ما الذى حدث فى الأوساط الخليجية ليحول أجواء الخلافات إلى تفاؤل بتعاون مستقبلى أكثر جدية بين الدول الست لدرجة إقرار القمة لقرارات وتوصيات مجلس الدفاع المشترك فى دورته الثالثة عشرة، خصوصًا إنشاء قوة عسكرية بحرية مشتركة تحمل اسم قوة الواجب البحرى الموحدة- 81 ، وتكثيف الجهود وتسريعها لبناء القيادة العسكرية الموحدة، وتحقيق التكامل الدفاعى المنشود، فضلا عن إنشاء شرطة خليجية مشتركة يكون مقرها أبو ظبى، وتكون بمثابة إنتربول خليجى وفقا لتوصيات وزراء داخلية المجلس فى اجتماعهم بالكويت نوفمبر 2014 . وما الذى حدث كى يجيب وزير خارجية قطر عن سؤال حول وجود مصالحة بين مصر وقطر بقوله إنه لم يكن هناك خصومة بين مصر وقطر، حتى تكون هناك مصالحة بين البلدين ، وليزيد على ذلك بقوله: إن وجود مصر قوية أمر يخدم كل العرب، بما فى ذلك دول مجلس التعاون الخليجى . السؤال مهم، والإجابة تتلخص فى عمق التهديدات التى تواجه دول مجلس التعاون الخليجى ووحدتها، فالدول تلجأ إلى خيارات التعاون أو التكامل أو الاتحاد، وربما التحالف بدافع من أمرين أو للاثنين معا. الأول وجود تهديدات خطيرة تستهدف هذه الدول دون استثناء، والثانى، إدراك هذه الدول وجود مصالح عميقة فى التكامل أو الاتحاد أو التحالف. ومجلس التعاون الخليجى، الذى نشأ فى مايو 1981 تأسس فى ذلك الوقت بدافع من مخاوف امتداد تداعيات الحرب، التى كانت قد تفجرت بين العراقوإيران فى سبتمبر 1980 عليها، وربما يكون لانتهاء تلك الحرب، وللتحالفات التى أبرمتها كل من الدول الست منفردة مع الولاياتالمتحدة عقب انتهاء حرب الخليج الثانية حرب تحرير الكويت 1991 ، وما أشاعته هذه التحالفات من أجواء أمنية مطمئنة، أثر سلبى على مسيرة التكامل والاتحاد الخليجية، فلو أن الظروف كانت قد تغيرت أمنيا فربما كانت نجاحات دول المجلس فى مجال التعاون والتكامل على نحو أفضل، وهذا يعنى أن دافع المصالح المشتركة لم يكن له وزن قوى ومؤثر على ميسرة التعاون والتكامل الخليجى. الأمر يتجدد الآن، فدول المجلس، فضلا عن مشكلاتها الداخلية التى تتفاقم يوما بعد يوم لأسباب كثيرة، وتهدد أمنها واستقرارها فإن التحديات الخارجية والإقليمية على وجه التحديد متفاقمة. فهذه الدول تواجه الآن ثلاثة تحديات هائلة تفرض عليها أن تراجع مسيرتها التكاملية، وأن تقبل مضطرة بسياسات دفاعية وأمنية مشتركة وأن تلتزم سياسيا بمشروع سياسى لمواجهة المخاطر والتهديدات. أول هذه التهديدات ذلك التقارب المتصاعد فى العلاقات الأمريكية- الإيرانية، وخشية دول الخليج أن يصل هذا التقارب إلى تحالف يطلق يد إيران إقليميا بدعم، أو على الأقل بقبول، أمريكى يمكن أن يؤثر على جدية الالتزامات الدفاعية الأمريكية مع دول مجلس التعاون. ثانى هذه التهديدات ذلك الإرهاب المتصاعد، الذى يحمل راية الإسلام، ويسعى لفرض خلافة إسلامية منافسة للسعودية على الأقل، أو لفرض نظام إقليمى بديل للنظام العربى. ثالث هذه التهديدات يتركز فى تلك المخاطر المتصاعدة فى الجوار العربى للخليج، خصوصًا اليمن والعراق. إدراك مخاطر هذه التهديدات يتصاعد لدرجة أوصلت وزير خارجية قطر خالد العطية فى مؤتمره الصحفى بالقمة الخليجية للقول بأن تعزيز التعاون العسكرى بين دول المجلس يستهدف فى النهاية إقامة حلف عسكرى على غرار حلف شمال الأطلسى (الناتو) . الحديث عن إقامة هذا الحلف الذى ما زالت تفاصيله وأطرافه غامضة، يكون قد جاء ردا على تصريحات وتحركات إيرانية لتأسيس حلف عسكرى مشابه تقوده إيران، وبالذات اللقاء الذى جمع وزراء خارجية إيرانوالعراق وسوريا. الطموح الإيرانى لتشكيل هذا التحالف الثلاثى دافعه الأساسى هو التصدى للإرهاب، وبالذات مخاطر الدولة الإسلامية داعش من ناحية، والحيلولة دون سقوط النظام السورى من ناحية أخرى. اللافت هنا أن الحديث الذى يدور عن الحلف الخليجى لم يتضمن إشارة إلى مصر كحليف أو كشريك مرجح، ربما لإدراك الدول الخليجية أن مصر قد لا تكون مهيأة لأداء دور الحليف الموازن لإيران فى هذه الظروف الداخلية المصرية الصعبة، لذلك كان التلميح بالاتجاه نحو الاتحاد الأوروبى وروسيا لتعويض غياب الثقة فى الحليف الأمريكى.