خلال عام ونصف العام، قضاها المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى سدة الحكم، ارتكب خلالها الجنرالات -وذراعهم الباطشة الشرطة العسكرية- كل أشكال العنف والاستبداد، من اعتداء على متظاهرين واعتقالات عشوائية، بل وقتل عمد مصور ومسجل شاهده العالم أجمع، وأصبح من أدبيات الثورة الحديث عن جرائم «العسكرى» مثل «ماسبيرو» و«محمد محمود» و«مجلس الوزراء» و«العباسية»، والتى لم يُقدم فيها جندى واحد إلى المحاكمة، أو تتم محاسبة أى جنرال عن هذه الجرائم. إذن «العسكرى» يرتع فى مصر كيفما شاء، دون أن يجد من يوقفه عن غيه، فما حاجته الآن إلى «اختراع» منح الضبطية القضائية لجنوده، وتمكينهم من القبض على المدنيين واعتقالهم وتفتيشهم سواء فى الشارع والأماكن العامة أو فى منازلهم، ولم يبق على كتابة الدستور -نظريا- سوى أيام؟!«العسكرى» قطعا لا يبحث عن شرعية وتقنين أوضاعه، فمنذ متى وهو يهتم بهذه «التوافه»، بعدما خرق كل القوانين والأعراف والمبادئ، حتى الإعلان الدستورى الذى وضع لحمايته، خرقه أكثر من مرة، وفسره آلاف المرات على هواه، ولا يبحث أيضا عن أمن المواطنين، بعدما أصبح «العسكرى» نفسه هو أكثر من يروع المواطنين ويخيفهم، بأحكامه العسكرية الباطشة التى أغرق بها الثوار، وقراراته التى تصب دائما فى صالح أعداء الثورة وقتلة الشهداء. الدلائل تكشف أن جنرالات المجلس العسكرى يبحثون الآن عن مخرج من أزمة تسليم السلطة، التى لا تهدد فقط مناصبهم، ولكن تهدد قادة المجلس شخصيا، بعد انتشار الدعوات المطالبة بتقديمهم إلى المحاكمة فور تسليم السلطة عن الجرائم التى ارتكبوها بعد الثورة، وحينها لن يجد المشير طنطاوى ولا الفريق سامى عنان من يحميهما من المحاكمة كما فعلا مع مبارك ونظامه، ولن يجدا مفرا سوى الهرب. وأمام هذه المعضلة، لا يوجد أمام «العسكرى» إلا الطريق الصعب، وهو استمراره فى الحكم بعد 30 يونيو، ومد الفترة الانتقالية لأطول حد ممكن، إلا أن هذا الحل يستتبع نتائج غير معلومة العواقب، فالشارع لن يتقبل وجود «العسكرى» فى الحكم ولو لدقيقة واحدة بعد انتهاء الفترة المعلنة، وهو ما يعنى حتمية وقوع صدامات عنيفة واشتباكات ومظاهرات عارمة، قد تعيد إلى الأذهان أحداث 25 و28 يناير، وربما أعنف، وبما أن التجربة أثبتت أن الشرطة وحدها لا يمكنها صد المتظاهرين والوقوف فى وجه الشارع المطالب بالتغيير، فإن «العسكرى» قرر أن يعد العدة لهذه المواجهات من الآن، بالدفع بقوته الثلاثية، الجيش والشرطة والمخابرات، لكى يقول للمتظاهرين الذين سوف يخرجون إلى التظاهر ضده: «إنكم بمواجهتنا لن تسقطوا الشرطة كما فعلتم سابقا، لكن الشرطة والجيش والمخابرات.. أى الدولة برمتها»، لإرهاب الشارع من فكرة مواجهة السلطة، وهو ما يعنى أن «العسكرى» يجر البلاد إلى حافة الهاوية وجحيم قد يصعب إغلاقه، بهدف الحفاظ على قادته وحمايتهم وتحصينهم ضد المحاكمات. منح صفة الضبطية القضائية للشرطة العسكرية والمخابرات لا تفسير لها سوى أن «العسكرى» لن يترك السلطة فى 30 يونيو!