لا حديث للناس هذه الأيام إلا عن خنّوفة البلطجى الذى فقد حياته فى السجن. رواية وزارة الداخلية تحدثت عن انتحاره بشنق نفسه بملابسه، ورواية شعب مصر رجحت إعدامه على يد واحد خنوفة مثله من الذين قتلوا وأصابوا عشرة آلاف شاب مصرى فى ثورة 25 يناير.. أصحاب الرواية الأولى يستندون إلى يأس خنوفة بعد القبض عليه وإدراكه أن الإعدام سيكون مصيره، وأصحاب الرواية الثانية يعتقدون أن الذين اختطفوا زوجة خنوفة وأمه واتخذوهما رهينتين حتى يسلم نفسه، لا يكثر عليهما إزهاق روحه فى السجن، خصوصا أن أحدا لن يهتم بمصيره. كنت أشاهد التليفزيون مع أحد الأصدقاء والشريط أسفل الشاشة يعلن عن وفاة خنوفة، عندما انتفض صاحبى هاتفا فى دهشة: ما هذا؟ كيف يكون خنوفة قد مات بينما هو يظهر أمامنا على الشاشة؟ نظرت إلى التليفزيون وسألته: أى خنوفة هذا الذى تتحدث عنه؟ أجاب: هذا الرجل الذى يتحدث أمامنا الآن.. ألا تراه؟ قلت مذهولا: هل جننت؟ هذه لميس جابر. قال وعلى وجهه علامات عدم الفهم: لميس جابر من؟ قلت: أنا لا أستطيع أن أخبرك بالتحديد عن وظيفتها لأننى لا أعرف ماذا تعمل، لكننى أراها كثيرا على الشاشة هذه الأيام بعد أن أصبحت من علامات التليفزيون بجميع قنواته. نظر إلىّ متشككا وقال: أنت تمزح.. صح؟ قلت: أنت الذى تمزح، ويبدو أن شبح خنوفة يسيطر على تفكيرك ويعميك عن رؤية هذه المرأة التى على الشاشة فتخلط بينها وبين خنوفة. قال صديقى: لا تحاول أن تضايقنى أكثر من هذا، فالأمر لا يحتمل «هذار».. هل تقول إن من نشاهده الآن على الشاشة امرأة واسمها لميس؟ قلت فى فزع حقيقى: يا نهار أسود.. ماذا دهاك يا رجل؟ هل نكشة شعرها وملامحها الحادة وعيناها القاسيتان تجعلك تسحب عنها صفة الأنوثة؟.. هذه امرأة وبالأمارة متزوجة من الفنان يحيى الفخرانى.. قال: أنت تعرف أننى أحبك ولهذا لا أريد أن تأخذك العزة بالإثم فتنسب لفنان جميل مثل يحيى الفخرانى أنه متزوج من خنوفة. نظرت إليه متفحصا وقد بدأت أشك فى سلامة قواه العقلية. وكأنما أدرك ما يجول بخاطرى فبادرنى بالسؤال: منذ كم سنة نعرف بعضنا البعض؟ قلت: من زمان؟ قال هل عهدتنى كاذبا أو مخرفا؟ قلت: لم أعهدك كاذبا لكننى لا أنفى أن دماغك مطرقعة بعض الشىء. قال فى يأس: لماذا لا تريد أن تصدقنى؟ لقد خدمت فى الجبل الغربى لسنوات وتعاملت مع خنوفة أكثر من أى أحد آخر وأستطيع أن أخرجه من بين ألوف. نهضت متوجها إلى التليفزيون وقد عزمت على غلقه بعد أن لحس عقل صديقى. لكنه أهاب بى أن أنتظر ليسمع ماذا يقول خنوفة. نظرت إليه فى غيظ وقمت بتعلية الصوت فوجدت الأستاذة لميس تتحدث عن الثورة باستنكار شديد وتنسب إلى الثوار كل نقيصة وتتهمهم بأنهم سبب ما يحدث فى مصر من اضطراب على كل الأصعدة، فى الوقت الذى تتناول الرئيس المشلوح بكل الرفق والحنان، وتتحدث عن وجوب الاعتذار له وتكريمه، ثم تمضى فى تنظيرات وتهويمات لا غرض منها سوى إهانة الشهداء وأهاليهم وتمجيد القتلة ورجال الأيام السوداء فى عهد مبارك. المهم أن حديثها كله كان معاديا لأمانى شعب مصر، الذى ثار فى وجه الطغاة، ويصب فى مصلحة اللصوص الذين حكموا البلاد فأكثروا فيها الفساد وأفقروا شعبها وألقوا بالأبرياء فى السجون. بعد انتهاء البرنامج قال صديقى: ها.. ما رأيك؟ هل ما زلت تظن أن هذا ليس خنوفة؟ قلت: يا بنى آدم أنا معترض على كل ما قالته لكنها ليست خنوفة. قال: لنحتكم إلى طرف ثالث ليفصل بيننا. استدعيت أحد الجيران على عجل وقلت له: من فضلك قل للأستاذ أن هذه التى على الشاشة هى لميس جابر. نظر إلى فى تشكك وقال: سلامة الشوف يا أستاذ.. هذا خنوفة البلطجى!