لندن مركز إدارة جيش الدفاع الأخير عن مبارك. مبارك ليس مهما فى حد ذاته.. المهم استعادة خطوط الاتصال وشبكات المصالح.. حتى لا تجف ينابيع الثروة، أو على الأقل حتى لا يتحول نجم الثروات الزاهرة إلى ساكن جديد من سكان مزرعة طرة.. لندن عاصمة «الديناصورات» الاقتصادية، فيها يجتمع شمل أنواع مختلفة من أصحاب الثروات، يخططون ويعقدون صفقات جديدة مع وكلاء فى الصحافة والإعلام والاقتصاد الصغير.. ومن لندن إلى القاهرة يتسرب الديناصورات عبر أشخاص يجيدون لعب دور الواجهات وعبر رسالة إعلامية تقول: كفاية ثورة بقى.. عاوزين نرجع للشغل. أى عودة؟ ولمصلحة من؟ وهل ستدور الدائرة من جديد لتذهب الأرباح والعوائد لصالح «الشلة» الصغيرة، بينما يتفرج الملايين على الثروات من خلف أسوار شفافة، يعيش خلفها سلالات حماها مبارك وحمى بها عرشه وأصبح أول رئيس فى مصر يمتلك ثروة.. لندن المجموعة الأقوى وتبدو مركز القيادة فى حرب منظمة يشنها رجال أعمال تربوا فى مزارع نظام مبارك. نظام مبارك ربى فى مزارعه رأسمالية تابعة لمراكز القوى المتحكّمة فيه، وليست تابعة للدولة. رأسمالية «الحبايب والمحاسيب»، على حد وصف سمعته لأول مرة من الدكتور محمود عبد الفضيل. سياسة مبارك لم تنقل النظام فى مصر من الاشتراكية إلى الرأسمالية، بل من دولة المستبد العادل إلى دولة مماليك الثروات السريعة. وهذا سر اعتماد التحول الاقتصادى على الاحتكار، لا على برنامج إصلاح اقتصادى. مبارك لم يقم اقتصادا قويا، ولا اقتصادا بالمعنى المتعارف عليه علميا، ولكنها رقع اقتصادية توزع تصاريح تكوين الثروات من ناحية وتحاول ترويض جمهور النظام من الموظفين. الإصلاح الاقتصادى لم يحول مصر إلى نمر إفريقى كما روجت صحافة مبارك، لكنه أدّى إلى مزيد من الاحتقان والأزمات وصلت ذروتها فى الأيام الأخيرة حين اتسعت العين لترى الخيرات تنهال على مصر وتعجز اليد عن لمسها. إنه اقتصاد يعرف المستفيدين منه ويلقى بضحاياه خارج كل حسابات... البداية الحقيقية لهذا النظام العجيب كانت عندما أراد مبارك أن يقنع العالم أنه ودع الاشتراكية بغير رجعة، وأنه يفتح الأبواب أمام القطاع الخاص. وفى نفس الوقت لا يريد أن تنفلت الثروة بعيدا عن سيطرته. وتقرر أن تتم التقسيمة على «أهل ثقة» من اختيار النظام. هؤلاء كانوا الجيل الأول من الديناصورات الذين كبروا وسمنوا فى رعاية «الدولة» وتحت جناحها. لم يشكلوا طبقة رأسمالية وطنية تنمو وينمو بها اقتصاد الدولة. لكنهم ظلوا فى حدود مزرعة الديناصورات التى تديرها الدولة بالكامل. تضخمت الثروات بقوة الصاروخ. وتحرك الاقتصاد بسرعة السلحفاة. الهدف لم يكن النمو بل توزيع الثروة بشكل يضمن سيطرة النظام عليها. ورجال الأعمال الذين وصلوا إلى المليار لم يصلوها لأنهم بنوا بنية صناعية حقيقية، لكن لأنهم دخلوا فى إطار محمياته. أتحدث عن الأغلبية لأن الخارجين عن هذا الاتفاق إما فلتات نادرة اعتمدوا على نشاطهم فى الخارج وحماية قوى اقتصادية وسياسية دولية. وإما أنهم مضطهدون كرهوا اليوم الذى عملوا فيه فى البزنس. هذه المحميات ليست لها استقلالية عن النظام. تعمل بأوامره وتتحرك فى حدود رغباته. وتتضخم ثرواتها ما دامت تدفع النسبة المعروفة. هذه النسبة معروفة لكل من تعدت مشاريعه رقما معينا يسمى فى لغة البزنس السرية «المنطقة الحمراء». ستدفع النسبة وإلا لن يمر المشروع وستخرج عليك وحوش البيروقراطية لتذكرك أننا فى دولة مش «سايبة». المحميات تتغير لها القوانين وتمارس نشاطها فوق القانون، بل تشعر بعد فترة أنها القانون. لكنها لا تستطيع الاستمتاع بهذه القوة بشكل مطلق. وتعيش فى الخطر. فالغضب ممكن فى أى لحظة وعلى أهون سبب. ولن يعرف صاحب المحمية متى وأين؟ لكنه شعور بالخطر يجعله مندفعا فى التكويش. التكويش الذى يسمى فى الاقتصاد «الاحتكار» هو سمة رأسمالية المماليك التى لا حياة لها دون مبارك أو دون توقف الفيضان الذى يزيل آثار عدوانه على مصر... ويحاول بناء دولة حقيقية لا يملكها حاكم ولا يوزع ثرواتها على الحبايب والمحاسيب. هل ستنجح خطة لندن لاستعادة مزرعة الديناصورات ممالكها الضائعة؟