.. عادت أرض مدينتي إلي هشام طلعت مصطفي بالأمر المباشر.. لماذا؟ لا إجابة. وهذه «اللإجابة» تجعل الجميع يسأل: وهل الحكم كان بالأمر المباشر؟ والمصيبة هنا أن النظام لا يحب أن يخفي أصابعه التي تلعب في كل الملفات. جناح من النظام يريد توصيل رسالة إلي الديناصورات الثقيلة خلف محميات عمرها 30 سنة: اطمئنوا سنحميكم..! وهذا الجناح أعاد الأرض لهشام طلعت مصطفي وسط اعتراض من جناح قديم مازالت محمياته تدار بأسلوب الستينيات: محميات للجنرالات والسياسيين ورموز الدولة.. ولم يفهم هذا الجناح العقل الجديد الذي يدير المحميات ويحمي خلفها ديناصورات المال. هناك صراع لا يحسم عادة إلا بيد الرئيس. يد الرئيس لا تعمل إلا وفق حساسيته الشخصية وخبرته وإحساسه بأن هناك خللاً في توازن من صنعه هو وحده. ولهذا فالجناح الذي يريد حل مشاكل الديناصورات المرعوبة خلف المحميات، أعاد الأرض.. واكتفي الجناح المضاد بالاحتجاج.. ولم تتحرك يد الرئيس. ولهذا فإن الجمهور الواسع وجد نفسه يسأل: هل الحكم علي هشام طلعت مصطفي أتي في نفس طريق السلامة لأصحاب المليارات أم لا؟ لم يعد هناك أمل ولو ضئيلا في اتجاهات النظام والحكومة لتنتصر بها قواعد العدالة أو قيم المساواة وسيادة القانون. القانون ليس سيدًا في مصر، يمكن اختراقه من أصغر عسكري جوال في الشوارع وحتي أكبر رأس في كل مكان في البلد. من هو السيد إذن؟ لا إجابة أيضًا. وهذه «اللإجابة» الثانية خطيرة؛ لأنها لا تشكك فقط في كل شيء، ولكنها تجعل كل شيء عبثيًا إلي درجة أن الجريمة أصبحت تفيد أكثر من السير في الأمان. بالفعل الجريمة تفيد في مصر.. وعندما أثبت القضاء أن عقد «مدينتي» باطل.. لم يكن رد الجيش الصحفي للنظام إلا مطالبة الجميع بالصمت؛ لأن كل المعترضين استفادوا من العقود الباطلة. لم يهم أحدًا أن بطلان العقود أو توزيع أراضي الدولة علي حسب الهوي المباشر.. يهدر قيم العدالة والمساواة.. ويحرم الشخص العادي من الحق في مساحة في مدينته.. وليس مدينة هشام طلعت مصطفي أو أي ديناصور شاطر عرف كيف يتسرب إلي محميات النظام. لم يكن المهم أن يتم تطبيق القانون، المهم هو حل المشكلة، وإعلان أن الجميع متورط. ويمكن أن يكون الجميع متورطًا، بشكل أو بآخر؛ لأن العقود الباطلة لم تعد جريمة عابرة، أصبحت سياسة منهجية، فالقانون ينام مرتاحًا في أدراج لا تفتح إلا بالأوامر العليا.. وفي ظروف تربك الناس أكثر مما تشعرهم بالأمان. والحكم علي هشام طلعت مصطفي أكبر دليل. عندما صدر حكم الإعدام في الدرجة الأولي، لم يغب الشك، فالقضية حرب تصفية بين الديناصورات. وعندما تخفف الحكم انفجر السؤال: ولماذا يتم التخفيف، هل هو بريء أم لا؟ هل السكري قاتل أم لا؟ وبحث الجمهور المتابع للقضية عن الأصابع الخفية. والأصابع لا تداري لعبها. تلعب وتلعب... وتلعب.