«يا معمر يا مسكين.. شوف الملايين».. و«شوف صغيرنا شوف.. يا معمر يا حلوف»، و«قولوا لمعمر وعياله.. ليبيا فيها رجالة». هكذا غنى الليبيون أول من أمس الثلاثاء بعد صلاة العيد وسط العاصمة طرابلس فى ساحة الشهداء، التى كانت تسمى الساحة الخضراء، عيد ليس كأى عيد، أول عيد من دون القذافى منذ 42 عاما، العيد عندهم عيدين. جاء الليبيون إلى الساحة من كل حدب وصوب، تجاوز الأعداد ال10 الآف، يرتدون الزى الشعبى المعروف عندهم ب«البدلة العربى»، يحملون علم الثورة الجديد، الساحة الخضراء هى أشبه بميدان التحرير فى مصر، بجوارها السرايا الحمراء وهى قلعة تاريخية، قام الثوار بتأمين الميدان، ونصبوا بوابات لتفتيش مداخله، وهم يحملون سلاحهم الذى لم يفارقهم منذ بدء ثورة 17 فبراير. كان لافتا وجود سيارات الإسعاف ومستشفى ميدانى بجوار ساحة الصلاة، يشرف عليه 20 من الأطباء والمسعفين جاؤوا من الهلال الأحمر الليبى بمدينة بنغازى، هشام أبو حجر مدير أمن طرابلس الجديد، نزل إلى الصلاة بزيه الشعبى لا العسكرى، وقال ل«التحرير»: «أول مرة أصلى هنا منذ زمن، فكان الناس يأتون إلى الساحة من قبل رغما عنهم». «التحرير» التقت أهل طرابلس بعد صلاة العيد، سيدة عجوز اسمها عفاف عمرها 73 سنة، سألناها عن رأيها فى ما يحدث، قالت إن أمنيتها الوحيدة فى الحياة أن ترى معمر القذافى يحاكم فى ساحة الشهداء، وأضافت: «كل بيت فيه شهيد.. أم متلوعة على ابنها.. القذافى حرمنا من كل شىء.. نحن اليوم نحتفل بالعيد، وهو يختفى فى الأنفاق، وبين فتحات المجارى». بعد التكبير وبدء الصلاة، وقف المصلون رافعين علامة النصر فى مشهد مهيب، وبكى الإمام فى أثناء قراءته الفاتحة، وخلا الميدان من اللافتات على عكس ما يحدث فى مصر، باستثناء لافتة واحدة من كتيبة ثوار طرابلس تهنئ شباب العاصمة وثوار ليبيا بالعيد. مظاهر الاحتفال بالعيد الأساسية، هى تناول وجبة «العصيدة»، وبعد الصلاة بدأت السيارات تجوب الشوارع وطلقات الرصاص لا تنتهى فى سماء طرابلس، نفس الاحتفالات التى كانت تقام فى الأيام الأخيرة فى رمضان يوميا بعد العشاء بالساحة الخضراء، وشباب يغنون النشيد الوطنى، ويتبادلون السخرية على القذافى ويهتفون «الله أكبر» على أصوات الموسيقى والأغانى، أغانى الثورة التى باتت فى كل مكان، يغنون «تحية للروح الخفاقة تحية للمدنى ورفاقه.. تحية لثورة فبراير.. تحية للوطن وعشاقه». ومع العيد بدأت الحياة تعود تدريجيا فى العاصمة طرابلس، المدينة التى عاشت أسبوعا من دون مياه ولا كهرباء ولا وقود، حتى السكان التزموا بيوتهم، لكن يوم الثلاثاء كان مختلفا، نزل المواطنون إلى الشوارع، وفتحت المصارف البنوك أبوابها، والزحام زاد على المحلات التجارية رغم ارتفاع الأسعار، فكيلو اللحمة ارتفع سعره من 12 دينارا إلى 25 دينارا فى وقت قياسى، وحركة السيارات فى الشوارع باتت طبيعية. كانت النقطة الأهم هى عودة الشرطة فى زيها الأبيض المعتاد قبل الأحداث تقود سيارات مديرية أمن طرابلس، لتنضم إلى الثوار.. وزير الداخلية الجديد أحمد الظراط عقد مؤتمرا صحفيا ظهر الثلاثاء، أعلن فيه عن بدء تشكيل الغرفة الأمنية العليا، حيث تبدأ أعمالها خلال 24 ساعة، بإشراف وزارة الداخلية للتنسيق بين الثوار والأجهزة الأمنية، وبين ثوار العاصمة طرابلس والقادمين من المدن الأخرى، وتم الاتفاق على أن يتولى الثوار حماية المنشآت العامة والشخصيات المهمة والمقبوض عليهم من فلول القذافى أو الطابور الخامس كما يسميهم الثوار. أما بخصوص المشكلة الكبيرة الخاصة بالسلاح المنتشر فى كل مكان بشوارع وبيوت طرابلس، فأكد الظراط أن هناك خطة من المجلس الانتقالى لاستيعاب كل من يحملون السلاح، ليكونوا نواة فى جيش التحرير الوطنى أو الأجهزة الأمنية الأخرى، وفى الوقت نفسه عقد مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الانتقالى الليبى، مؤتمرا صحفيا فى بنغازى أعطى فيه مهلة حتى السبت المقبل إلى المدن التى لا تزال غير خاضع للثوار للاستسلام وإلا سيتم اقتحامها عسكريا من الثوار بالقوة. عثمان محمد الريشى، المتحدث باسم وزارتى المالية والنفط فى المجلس الانتقالى، قال ل«التحرير» إن ناقلة نفط تحمل 30 ألف طن من الوقود قد وصلت العاصمة طرابلس، وتم توزيعها على 52 محطة وقود وتوفرت لها الحماية الأمنية، ليتم التوزيع مجانا على المواطنين فى غير أوقات الذروة، حتى لا يحدث ارتباك بمحطات الوقود نتيجة تدافع المواطنين، الذين حرموا من البنزين لمدة طويلة، حيث بدأ التوزيع فى المحطات الموجودة على أطراف العاصمة أولا ثم المحطات بوسط طرابلس، وهى المحطات نفسها التى شهدت مشاجرات عنيفة وصلت إلى القتل قبل دخول الثوار إلى طرابلس. تتبقى مشكلة أساسية وهى مشكلة المياه، فالعاصمة حتى الآن بلا مياه، بعد أن تم حل مشكلتى الوقود والكهرباء، لكن الريشى، وهو ليبى من أم مصرية، أكد أنه بدأت السيطرة على المشكلة، خصوصا أن طرابلس تحصل على المياه من الصحراء على بعد 600 كيلو متر، مشيرا إلى أن المشكلة قد تنتهى فى غضون 48 ساعة، بعد أن تعرضت محطات المياه إلى أعمال تخريبية من كتائب القذافى، أجبرت الثوار على استيراد مياه من مالطة وتونس وتركيا!