الأخبار التى تنشر بالصحف، والنقاشات التى تدور حولها دائما، تجعل من سؤال مثل «كيف هى العلاقة بين الصحفى ومصدره هذه الأيام؟» ضروريا، ومن المهم أن نفكر فيه وأن نجيب عنه، فبداية كل انفراد صحفى أو قصة خبرية دائما ما تأتى عبر ثقة مصدر ما بصحفى، تجعله يصرح له بهذه المعلومات، وهو يعلم أن هذا الصحفى همه الفعلى أن يعرف الناس الحقيقة، وهنا هذا المصدر يعرف جيدا أن الصحفى لن يُسلّم بمعلوماته هكذا دون أن يتأكد منها، ويخضعها لإجراء الفحوصات الصحفية اللازمة، ليتأكد أن هذا المصدر -وإن كانت لديه حتى مصلحة من تسريب المعلومة- فهى صحيحة. قليل جدًّا من المصادر الصحفية علاقتهم بالصحفيين قائمة على قدر كبير من المسؤولية التى تجعل هذا الشخص المسؤول أيا كان موقعه يعرف جيدًا دور الصحفى فى «إعلام» الناس بما خفى عليهم، وسعيه الدائم لوضع الحقيقة أمام الرأى العام، والصحفى نفسه فى هذه الحالة يعرف دوره والإطار والمساحة التى يتحرك فيها بين عمله ومصدره، هذا عن العلاقة السوية/ الندية القائمة على أن كلًا من الصحفى والمصدر يعرفان دوريهما فينتج عنها دائما «عمل صحفى جيد»، تستفيد منه الصحافة والحياة العامة. منذ أيام قليلة كنت أجلس على مقهى بينما أستمع إلى زميل يشتكى من أن جريدته تسببت فى مشكلة له مع أحد المسؤولين، بسبب عنوان الخبر، طبعًا قلت إن العنوان لا بد وأن به خطأ جعل هذا المسؤول يتصل معاتبًا، ومتبرما ومهددًا بأن لا يتعامل مع هذا الزميل، لكن الحقيقة أنه وحسب هذا الزميل، العنوان كان صحيحًا تماما ولا توجد به شائبة -وهذا بالطبع ما جعل الديسك أو إدارة التحرير يضعه عنوانا- لكن الأزمة أن هذا لم يعجب المسؤول الذى تقع المشكلة ضمن الملفات التى يديرها فى الحكومة، والغريب جدا أن هذا أيضًا ما أغضب زميلنا الصحفى الذى ودون وعى وضع نفسه فى خندق واحد مع المسؤول الذى لا يريد تشويها لنفسه. بالمناسبة كان الخبر لعمال يطالبون بحقوق لهم عند هذا المسؤول ورغم كونه ليس مصدرًا للخبر فإن غضبه من العنوان دفعه كى يهدد الصحفى بمنع التعامل معه والصحفى للأسف خاف من هذا، دون أن يسأل نفسه، هل وظيفته «الطبطبة» على المصدر؟ وهل وصلنا إلى أن المعلومة الصحفية أصبح مصدرها الوحيد مسؤولا حكوميا؟! وهل علاقته بهذا المصدر بها قوة من جانبه؟ أم إنه يقف فى الجانب الأضعف ما دام أصبح «بيزعل على زعل البيه المسؤول»؟ ثم إن هذا يؤكد أن «المصلحة» هى ما تحكم الآن علاقة كثير من الصحفيين بمصادرهم، وغنى عن القول أننى لا أقصد مصلحة مادية أو شىء من هذا، بل مصلحة العمل التى يضيع فيها حق الصحافة وحق الجمهور على الصحفى فى معرفة ما يحدث. زميلنا السابق فاتته هذا القصة القادمة ليعرف أين وصلت أهمية الصحفى فى بعض المجتمعات، أمس نشرت «الشرق الأوسط» من مراسلها فى واشنطن محمد على صالح أن هناك مواجهة بين صحفيين أمريكيين و«إف بى آى» لأن عملاء الأخيرة يخدعون كثيرين ويدَّعون أنهم صحفيون ليحصلوا منهم على معلومات تساعدهم فى حل قضاياهم، ومن هذه المؤسسات التى ادعى رجال الجهاز الأمنى أنهم يعملون معها وكالة «أسوشيتدبرس»، التى قالت مديرتها: «ماذا يبقى لنا إذا قال كل شرطى إنه يعمل معنا؟»، «إف بى آى» دافعت عن نفسها طبعا وقالت إن ما حدث من أفرادها يندرج تحت فكرة «الخدعة» التى يستخدمونها للعمل على فك ألغاز قضاياهم، ما لفت نظرى هنا أن فرد الأمن أصبح يدعى أنه صحفى كى يثق الناس به ويعطونه معلومة، وأن الناس فى هذه المجتمعات أصبحت تثق بالصحفى وبإمكانها التعامل معه أكثر من إدارة أولى مسؤولياتها فى أمريكا مكافحة الإرهاب، هذا طبعا نتاج سنوات من العمل الصحفى الحقيقى المهنى جعلت الأمر يصل إلى هذا الحال. الصحافة الفنية إحدى أنواع الصحافة التى تبرز فيها بشكل كبير علاقة الصحفى بمصدره والمشكلات الناتجة عن هذه العلاقة، فكم من أخبار يخبئها الصحفيون من أجل مصادرهم، ربما دون أن يطلب هذا المصدر التكتم على هذه المعلومة، فالحقيقة أن البعض يجامل المصادر بجهل غريب، فيضر نفسه وسمعته كمحرر، وفى النهاية لا ينال احترام المصدر أبدا.