لقد عادوا وظهروا بكامل قدرتهم على افتراس الأحياء والأحياء نفسها. عادوا لينتقموا من كل شىء حى أو قادر على الحياة، يثيرون الرعب فى الشوارع لكى تعود لهم وحدهم. كيف نرى الشخص الرابض على كرسيه الذى يمنع احتفالا اسمه «الفن ميدان» لأن الفن بلا قيمة إلا إذا كان زفة الفتوة المنتصر ووضع البيادة فوق الرؤوس فى مشاهد مهينة للحياة والأحياء.. باسم الحب والمحبة والعشق لمؤسسة من مؤسسات الدولة؟ الشخص الرابض قد يكون موظفا/ محافظا/ ضابطا فى جهاز أمنى، عاد لينتقم من خروج الناس للميادين/ وصارت لديه عقدة الميدان/ فقرر إعادته إلى حالته الميتة كمكان لصراع الغرائز المتوحشة تحت إدارتهم. هم يحتقرون الناس، يحتقرونهم بمشاعر واعية ولا واعية.. يعبر عنها ذلك الضابط الذى سأله أحدهم: ألن تتغير الشرطة؟ فكانت الإجابة بكل تلقائية معبرة عن لا وعى مستقر فى قاع القاع: «لما الشعب ينضف». إذن القهر والقمع والإهانة ليست قسوة أو رغبة تسلط فقط.. بل إنها إدراك أن على هذه الأرض ناسًا لن تكون محترمة إلا إذا رفعتنا على رؤوسها، وإذا رفعتنا على الرؤوس فعليها بتسبيح حمدنا ليل نهار، ووضع أحذيتنا فوق رؤوسهم، فهذا يؤكد الحقيقة المستقرة التى لا يقدرون -من الحرج- على إعلانها أو التصريح بها لأسباب تتعلق بالشكل الديمقراطى.. إنهم سادة ونحن عبيدهم. هم زومبى تنبأت من فترة بأنهم سيعودون.. لكن لم أتوقع أن يجتاحوا بكل هذه الشراسة كل ما جعلهم يموتون ليلتى 25 و28 يناير. ليلة خروج الناس عن أسوارهم الحديدية.. عن هندستهم التى تجعل الناس مثل حيوانات فى أقفاص كبيرة مفتوحة. عاد الزومبى.. كتبت من فترة عند عودتهم. وقلت إن الزومبى.. ولمن لا يتابع السينما الأمريكية التى نشرت هذه النوعية من الكائنات/ هو الجثة المتحركة التى يعيدها السحر إلى الحياة/ لتبدو حية وهى ميتة. أى أنهم عائدون من الموت/ من النهايات التعسة/ لكنهم بالبدل التوكسيدو وأكياس أموال يضعونها فى أدراج وحسابات وأيادى من يصنعون نفس المهرجانات التى تعودوا عليها. إنهم أبناء ثقافة «الجنين فى بطن أمه يبايعك» و«80 مليون مصرى خلفك يا سيادة الرئيس». أمراء فى الصهللة والصاجات والزفة الميرى التى يختلط فيها السياسيون بالعوالم والمؤتمر السياسى بفرح بنت العمدة. التى يدفعونها ضرائب بدلا من الضرائب.. يتحايلون على دفع الضرائب للدولة/ المجتمع، بينما يصرفون ببذخ على حفلات التطبيل/ وزفة الديكتاتور إلى كرسيه. تصور المصريون أن هذه القطاعات سقطت مع مبارك/ وأن حفلات الزفة البلدى ستنتهى مع سقوط أول شهيد من أجل دولة محترمة/ لا يدفع فيها الأثرياء ثمن تراخيص جمع الثروات بهذه الطريقة المبتذلة/ الفجة. حتى وهؤلاء يحاولون نفاق المرسى ويسيرون فى مواكب حسن مالك/ شهبندر التجار فى زمن الإخوان/ لم يكن الخيال وقتها يصل إلى أنه سيأتى يوم عودتهم إلى كامل بروجرامهم، كأن سنوات الغضب وترحيل مبارك المومياء التى كانوا يحتمون ببركتها إلى سرير بين السجن والمستشفى. كيف يتخيل الزومبى الأنيق أنه سيمر إلى الحياة فعلا؟ إنهم زومبى، يملك أموالا وقنوات وأجهزة أمنية عادت لتنتقم. ولا يعرفون سوى سياسة الطبلة والزمارة/ حتى يرضى عنك فتوة الحارة ويعاد سريان نهر الأموال الذى توقف مع مغادرة مبارك قصر الحكم. هكذا يريد حسين سالم وأحمد عز وغيرهما من أبناء نوادى الحظ ورابطة الحبايب والمحاسيب، وعاد أيضًا حلفاء لهم من جهات أمنية سوّدت أيام وليالى الناس الذين هم بلا ضهر فى مصر، وسمَّت السواد وطنية.. يعودون إلى الأضواء مغسولين من جرائم لم يحاسَبوا عليها بعد، ويتبرع كما أعلن فى التليفزيونات عن تنازله عن نصف ثروته، والمدهش أن هذا التنازل اعتراف بالجريمة، لكن متحدث الحكومة قال إن هذا دليل «وطنية». إذن هذه هى «وطنيتكم» وسترد إليكم، اسمحوا للشعب أن يسرق مثلكم وينهب/ ويحصل ال40٪ من سكانه على تصريح فقط بعبور خط الوقت، وساعتها سترون «الوطنية» على حقيقتها، اسمحوا للجميع بمثل ما سمح لكم أيام مبارك وتحدثوا بعدها عن الشرف. أيها الزومبى.. أنت جثة تسير على قدمين ومن يستعين بك لا يسعى إلا لإخافتنا بك، أما نحن فقد كُتب علينا الرعب ثمنًا لتخلصنا من رعب أكبر.