مجلس جامعة بنها الأهلية يشكر الرئيس على المبادرات التي تستهدف بناء الإنسان    وزيرة التخطيط تلتقي ممثلي منتدى شباب العالم المصري بنيويورك    أبرز7 تصريحات لوزير المالية في لقائه وزير الاستثمار الأوزبكي    ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي لأعلى مستوى في 12 أسبوعاً    إصابة فلسطيني بالرصاص الحي واعتقال سيدة خلال اقتحام الاحتلال لبلدة بشرق قلقيلية    بايدن يقف للمرة الأخيرة كرئيس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة    وزير العمل: مصر تدعم كل عمل عربي مشترك يؤدي إلى التنمية وتوفير فرص العمل للشباب    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي    صور| بعثة الزمالك تطير إلى السعودية استعدادًا لخوض السوبر الأفريقي    اتحاد الكرة يعلن عن تشكيل الجهاز الفني لمنتخب الشباب بقيادة روجيرو ميكالي    تحويلات مرورية تزامناً مع تنفيذ أعمال كوبرى سيارات بمحور تحيا مصر    أمسية ثقافية فنية وحفلا موسيقيا بالمتحف القومي للحضارة    لحياة أكثر صحة.. 5 نصائح فعالة لتحدي الشيخوخة    جامعة بنها تنظم قوافل طبية وبيطرية بقريتي مرصفا والحصة    وزير الخارجية: قضية المياه وجودية لمصر ولن نسمح لأي دولة بالتصرف وفق أهوائها    لهذا السبب.. قرار عاجل من كاف بتأجيل مجموعات دوري الأبطال والكونفدرالية    وزير الرياضة يستقبل السفير الإيطالي لهذا السبب    رابط إعلان نتيحة تقليل الاغتراب والتحويلات لطلاب الشهادات الفنية 3 و5 سنوات    «هل حدث تسريب من مصنع «كيما» في مياه النيل؟».. محافظ أسوان يكشف الحقيقة    بالأسماء.. 11 مصابًا في تصادم ميكروباصين ونصف نقل على زراعي البحيرة    البنك الأهلي المتحد مصر يوقع اتفاقية تعاون لتقديم خدمات التأمين البنكي    "بردا وسلاما على لبنان".. درة تدعم الشعب اللبناني    إحالة دعوى مرتضى منصور بوقف وسحب ترخيص فيلم الملحد للمفوضين    هيكل.. الجورنالجي الذي لم يتكرر!    روسيا تعرب عن قلقها إزاء التصعيد العسكري على لبنان    وزارة الأوقاف:افتتاح 14 مسجدًا الجمعة المقبلة    عوض تاج الدين: الرئيس السيسي يتابع لحظة بلحظة تقارير الحالات في أسوان    المواطنة والهوية الوطنية.. كيف تؤثر القيم الإنسانية في مواجهة الفكر المتطرف؟    الجيزة تزيل 13 كشك و"فاترينة" مقامة بالمخالفة بالطريق العام في المنيب    الشلماني يثير حفيظة القطبين قبل موقعة السوبر    الصحة: خطط عمل مستدامة للحفاظ على مكتسبات الدولة المصرية في القضاء على فيروس سي    عاجل| السيسي يصدر توجيها جديدا بشأن تنمية جنوب سيناء    طقس الفيوم.. انخفاض درجة الحرارة والعظمى تسجل 33°    صوت الإشارة.. قصة ملهمة وبطل حقيقي |فيديو    حبس عاطل ضبط وبحوزتi مواد مخدرة قبل ترويجهم على المتعاطين بالمنوفية    وزيرة البيئة تتوجه إلى نيويورك للمشاركة في أسبوع المناخ    ميرنا وليد وبناتها يخطفن الأنظار في حفل ختام مهرجان الغردقة (صور)    انتخابات أمريكا 2024.. هاريس تخطط لزيارة حدود أريزونا لمعالجة مشكلة الهجرة    خطوات إجراءات التعاقد على وحدة سكنية من «التنمية الحضرية» (مستند)    شوبير يعلق على قائمة الأهلي للسوبر الأفريقي: لا صحة لوجود حارسين فقط    ضغوطات وتحديات في العمل.. توقعات برج الحمل في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر 2024    بحث علمي وتعليم وتبادل طلابي.. تفاصيل لقاء رئيس جامعة القاهرة وفدَ جامعة جوان دونج الصينية    الإسماعيلي ينتظر رد «فيفا» اليوم لحسم ملف خليفة إيهاب جلال (خاص)    باستخدام كبرى العلامات التجارية.. التحقيق في واقعة ضبط مصنع أسمدة منتهية الصلاحية بالغربية    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية لمشروع مراكز القيادة الاستراتيجي التعبوي التخصصي    وزير الخارجية: لا يمكن الحديث عن تنمية اقتصادية واجتماعية دون أمن واستقرار    رئيس شركة المياه بالإسكندرية يتفقد يتابع أعمال الإحلال والتجديد استعدادا لموسم الشتاء    الصحة تعلن حصول 3 مستشفيات على شهادة اعتماد الجودة من GAHAR    ما حكم الخطأ في قراءة القرآن أثناء الصلاة؟.. «اعرف الرأي الشرعي»    بالصور.. حريق هائل يلتهم ديكور فيلم إلهام شاهين بمدينة الإنتاج الإعلامي    بالفيديو.. أسامة قابيل للطلاب: العلم عبادة فاخلصوا النية فيه    الإفتاء: الإسلام حرم نشر الشائعات وترويجها وتوعد فاعل ذلك بالعقاب الأليم    أبو الغيط يوقع مذكرة تفاهم الجامعة العربية ومنظمة التعاون الرقمى بنيويورك    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 24-9-2024 في محافظة قنا    مريم الجندي: «كنت عايزة أثبت نفسي بعيدًا عن شقيقي واشتغل معاه لما تيجي فرصة»    أضف إلى معلوماتك الدينية| دار الإفتاء توضح كيفية إحسان الصلاة على النبي    جيش الاحتلال الإسرائيلي: صفارات الإنذار تدوى جنوب وشرق حيفا    نادر السيد: النسب متساوية بين الأهلي والزمالك في السوبر الإفريقي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوسف الشارونى وقصة المعتقل التى تحولت إلى المصحة
نشر في التحرير يوم 14 - 10 - 2014

اليوم يبلغ الكاتب الكبير والمجدد يوسف الشارونى التسعين من عمره.
والشارونى له عطاء وافر ومهم ومؤثر، ترك بصمات حقيقية على أجيال عديدة منذ أن كان ينشر قصصه الأولى فى عقد الأربعينيات، ثم أصدر مجموعته الأولى «العشاق الخمسة» فى ديسمبر 1954 عن سلسلة الكتاب الذهبى التى كان يصدرها نادى القصة، وفى العام ذاته أصدر يوسف إدريس مجموعته الأولى كذلك وهى «أرخص ليالى» فى السلسلة نفسها، وحظى الكاتبان الشابان بترحيب كبير من النقاد والحياة الثقافية، وإن كان الترحيب بمجموعة إدريس شملته الحاسة السياسية الواضحة، حيث إن يوسف إدريس كان ينتمى إلى أحزاب يسارية نشيطة، ويمارس العمل السياسى وسط الجماهير، وكان يقود تظاهرات فى أحياء شعبية مثل السيدة زينب وزينهم وكل المناطق التى تحيط بكلية الطب التى كان إدريس ينتمى إليها بحكم الدراسة، أما الاحتفاء بالشارونى فكان فنيًّا فقط، وربما لم يتحمس له الساسة والنقاد اليساريون وقت صدور المجموعة، وظل الاحتفاء بإدريس يطغى على أى احتفاء بكاتب آخر.
وكتّاب كثيرون عانوا من الإهمال النقدى العفوى والمتعمد لكتاباتهم، والعكس كان صحيحا بالنسبة إلى إدريس الذى حظى بكل الرواج، وكان ذلك ممثلًا فى المتابعات النقدية والتمثيل فى مهرجانات ومؤتمرات خارج مصر والترجمات المبكرة جدا، وربما حدث ذلك لأن كتابة يوسف إدريس كانت مقتحمة ومتقاطعة مع الهواجس السياسية السائدة عند الناس، ولكن الشارونى كان مهتما بالهموم الوجودية للإنسان والتعبيرية وربما الفلسفية كذلك، ومن المدهش أن الشارونى نفسه بعد صدور المجموعة بأكثر من عقد من الزمان -أى فى عام 1966- قراءة أو شهادة أو اعترافات تخص كتاباته القصصية، وهو يبوح بأنه كان مشغولًا بالأزمة التى تنشب أظفارها فى روح الإنسان المعاصر، ويعترف بأن هذا المضمون فرض نوعا من الكتابة الفنية الخاصة والمتطورة، ويوضح الشارونى فى شهادته أن المستشرق جونسون ديفيد سأله عام 1947 بعد قراءته لقصته «الطريق»، هل قرأ «فرجينيا وولف»؟، ولكن الشارونى لم يكن قد قرأها، بل إن ثقافة الشارونى المعاصرة -آنذاك- هى التى جعلته يتشابه مع كتاب العالم الأول فى ذلك الوقت، وربما كان الشارونى يريد تنقية عالمه الفنى من أى شوائب سياسية معاصرة أو غير معاصرة.
وهذا على عكس يوسف إدريس الذى خاطب الإنسان الاجتماعى والسياسى فى ذلك الوقت، وكتب قصته «الهجّانة»، التى أغضبت السلطة آنذاك، وكتب قصة «5 ساعات»، التى تتحدث عن الشهيد عبد القادر طه الذى اغتيل بواسطة الحرس الحديدى للقصر الملكى قبيل ثورة 1952، ومَن يتأمل قصص يوسف إدريس الأولى سيلاحظ أنها تشتبك بشكل مباشر مع الهموم والانشغالات الواضحة السياسية والاجتماعية، لكن الشارونى كان يسعى إلى فلترة قصصه وعوالمها من هذه الهموم والانشغالات، وربما كان مفرطا فى إسباغ هذا الجو على كتاباته، وأتذكر أننى أجريت معه حوارا منذ زمن بعيد وسألته: لماذا لم يشارك بشكل مباشر فى إبداء رأيه فى الأحداث السياسية التى عاصرها، وهو الذى عاش كل الأحداث السياسية الكبرى منذ عام 1952 حتى الآن، هذه الأحداث التى تتقاطع مع الناس بشكل عنيف فى حيواتهم الخاصة والعامة، وكانت إجابته القصيرة، تتلخص فى أنه يقول كل ما يريد فى إبداعه السردى وهو ليس معنيًّا وليس مشغولًا إلا بالفن، ولكن هناك واقعة فنية أو سياسية أو نقدية خاصة بإبداع الشارونى أوقفتنى كثيرا، ولم أستطع توصيفها، وهى تتعلق بقصة «الذهاب إلى المصحة» المنشورة فى مجموعته الأولى «العشاق الخمسة»، وعندما كنت أبحث فى أصل القصة، وجدت أنها منشورة فى مجلة «الأديب المصرى»، فى أبريل 1950، والتى كان يصدرها الكاتب الطليعى محمد مفيد الشوباشى، ولكن تحت عنوان آخر وهو «الطريق إلى المعتقل»، ولكن القصة تحولت بعد ثورة 23 يوليو إلى شىء آخر تماما، وليس مجرد تغيير العنوان هو الذى لحق بها.
ولكن تغيرت الدلالات وتعدّلت العبارات، بحيث لا توجد أى إشارة إلى المعتقل وعوالمه التى كانت فى الشكل الأول من النص، والقصة باختصار شديد تحكى أن شابا ووالده يغادران منزلهما لزيارة شقيق لهما، ولم تتضح وجهة الزيارة فى البداية، وبعد أن غادر الشاب ووالده المنزل وودعا والدته، استقلا سيارة كئيبة ذات سائق عملاق يعانى من جرح غائر فى أذنه، ثم يصلان إلى محطة القطار، ويستقلان القطار الذى ازدحم بكم من العمال، وفى القطار فاحت رائحة نفّاذة فى الجو، فتساءل الناس عن تلك الرائحة، فردّ الشاب بأنها رائحة خل، وهنا تساءل الراكب المجاور للشاب ووالده: «وماذا يعمل الخلّ فى المعتقل؟»، فاندهش الشاب وسأل بدوره جاره: «كيف عرفت أننا ذاهبان إلى معتقل؟»، فردّ عليه الجار بأن ملابسه المختلفة عن كل الراكبين الذين يرتدون ملابس العمّال، هى التى جعلته يدرك أنهما ذاهبان إلى هناك، واتضح كذلك أن هذا الجار ذاهب أيضا لزيارة ابنه خليل، ويستمر الحوار بينهما حتى يصلا إلى المعتقل ذى الأسوار العملاقة الكئيبة، والجنود المسلحين، والتى تحولت فى القصة المنقحة إلى الأسوار البيضاء، والمرضى الناقهين، ويشعر قارئ القصة الأولى أنها عن شيطان، أما الثانية فكأنها مكتوبة عن ملاك، وكان السؤال الذى يشغل المتحاورين فى قصة المعتقل هو «لماذا صالح -شقيق الشاب- حكم عليه بهذا الحكم الجائر؟»، ولكنه فى قصة «المصحة»، تحول السؤال إلى: «كيف أصبح صالح من المصدورين، وكيف جاء له هذا المرض؟ وفى قصة المعتقل كان هناك حديث عن إضراب وخلافه، فتم حذفه بقسوة فى القصة المعدلة، والمدهش أن أحدًا من النقّاد لم يلتفت إلى ذلك، وربما لم يدركه أحد، وكذلك أستاذنا الكاتب الكبير الشارونى لم يشر إلى ذلك فى كل شهاداته الوفيرة من قريب أو بعيد، وهو شىء مربك حقا، ويحتاج إلى إيضاح شفّاف، والرجل قد بلغ التسعين، أطال الله فى عمره، وأدام عليه نعمة الإبداع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.