فى الأول من أغسطس هذا العام مرت الذكرى العشرون لمؤسس وعميد القصة القصيرة يوسف إدريس، حيث رحل إدريس فى الأول من أغسطس من العام 1991، وولد صاحب مجموعة "أرخص ليالى" فى 18 مايو 1927 بمحافظة الشرقية، وتخرج فى كلية الطب عام 1951، وظل يمارس مهنة الطب حتى عام 1960، ليتفرغ بعدها للكتابة الأدبية والصحفية. وفى ظل الصخب السياسى وأجواء الاحتفال بشهر رمضان تمر الذكرى العشرون، وإحياء لذكراه قام "المشهد" باستطلاع آراء بعض المثقفين والنقاد حول كتابات إدريس وحضور إبداعه فى الوقت الراهن. فى البداية أشار الناقد د.مصطفى بيومى إلى حضور يوسف إدريس، رغم الصخب السياسى الذى نعيشه، فما من قضية إلا ونجد لها ذكراً وتناولاً عميقاً فى كتابات إدريس، فشهر رمضان مثلاً يحضر فى قصة بنفس الاسم، وتتناول قصة صيام طفل صغير لأول مرة، ومن ثم يناقش إدريس علاقة الإنسان بالدين ليؤكد أن الدين جزء من حياتنا، ولا داعى للتصادم، وهو ما يعد رداً فنياً على ما حدث فى جمعة وحدة الصف. وألمح صاحب "القرآن فى أدب نجيب محفوظ"، إلى أنه على الصعيد السياسى نلاحظ فى كتابات إدريس القصصية وغيرها اهتمامه بقضايا الوطن عبر مستويين؛ الأول: الهدم، والثانى: إعادة البناء، وينادى إدريس بوجود ما يسميه الحد الأدنى من الاتفاق، وهو ما تناوله فى مجموعته "جمهورية فرحات" وبالتحديد فى القصة التى تحمل عنوان المجموعة. وطالب بيومى الجهات المسئولة بإعادة نشر المجموعة هذه الأيام، كما أوضح مناقشة إدريس للازدواجية فى "العيب" و"الحرام"، ومناقشاته لكرامة الإنسان المهدرة داخل أقسام البوليس فى قصتى "العسكرى الأسود"، "والرجل والنملة"، وتدور الأولى فى العهد الملكى فيما تدور أحداث الثانية بعد ثورة يوليو، وفى "مسحوق الهمس" ناقش الاعتقال والجنون، أما قصة "اقتلها" فتؤكد أننا أدمنا التصادم وأخذنا موقفاً من التصالح. وأكد بيومى، أن إدريس قيمة وقامة كبيرتين جداً، كانت عيونه على الواقع مما ميّز أعماله بسمات منها انتصاره للإنسان، ورؤيته التى جعلت الإيديولوجيات خادمة للإنسان. أما الناقد د.هيثم الحاج على، فقد أكد أن يوسف إدريس لم يكن مجرد كاتب قصة قصيرة؛ بل كان الرجل أقرب إلى المفكر الثورى المحرك للأحداث والسياسى المعالج لها إبداعياً، من هنا جاء تميز إدريس الذى كانت مجموعته القصصية الأولى "أرخص ليالى"بداية لترسيخ موجة مهمة من موجات القصة العربية سرعان ما تركها رغم تميزه فيها ليبدأ نشاطه المسرحى والصحفى الذى أسهم فى بناء شهرته، نظراً لارتباطه بالقارئ العادى ومعالجته لاهتماماته اليومية فى أعمدته وذلك على الرغم من إرسائه دعائم المسرح التجريبى والحديث و إسهامه فى جعل فن المسرح بهذه الصورة فنا شعبيا. ويتراءى لصاحب مؤلف "التجريب فى القصة القصيرة" أنه إذا كانت ذكرى يوسف إدريس تمر بنا فى خضم أحداث ثورة يناير المتتابعة مما يجعلها تتوارى خلف الرؤى الثورية وتلاحق الأحداث فإن الدعوة لإصدار أعماله الكاملة الإبداعية والصحفية ربما تكون بداية جيدة للاحتفاء بذكرى الرجل مع إعادة التركيز على كتاباته المواكبة للثورة المصرية فى 1952 والمرسخة لقيمها. وأضاف هيثم: سيظل يوسف إدريس صوتاً له ميزته الأصيلة فى إرساء الفنون الإبداعية العربية والمصرية فى شكلها الحديث ولا يجوز أقل من التركيز على هذا التراث بوصفه واحدا من الأسس التى انبنت عليها رؤى هذا الوطن انتهاء بثورة يناير. وإجابة على سؤال علاقة الكتاب الشباب بيوسف إدريس ذكر القاص محمد عبد النبى أنه وما لم أكن قد حددت تماما أى نوع من الفنانين سأكون، شاعرا أم قاصا أم كاتب رواية، إلخ... لعلها المرحلة الإعدادية أو بداية الثانوية، وكنت أيامها أحب الاستماع للراديو حتى أنام، وفى ظلمة غرفة صغيرة سمعت أول قصة قصيرة ليوسف إدريس "المحفظة" قرأها المذيع كاملة، أعتقد بمناسبة وفاته أو ذكراه الأولى، غير واثق من هذا، لكننى دهشت وفتنت، وعرفت ما الذى أريد أن أفعله، أريد أن أكتب قصص قصيرة مثل هذه، لها هذه القدرة على الكشف دون كشف وعلى الحفر عميقا من مشاهد خارجية يومية وعلى التغيير فى نفسية القارئ أو المستمع، وأكد صاحب مجموعة "شبح أنطون تشيكوف" على أن هذه ذكرى مهمة بالنسبة لى مع العملاق إدريس، وفى السنوات التالية ومع اتساع مجال القراءة اكتشفت أكثر من طريق للسرد، إلا أن إدريس ظل محتفظا بمكانه الخاص داخلى.