بات الاعتداء على المحامين أمرًا متكررًا، فنسمع بين الحين والآخر عن محامي تم الاعتداء عليه بالضرب أو السب، إما داخل قسم شرطة أو في أحد النيابات، أو في مكتبه من قِبَل بعض المتهمين أو الموكلين، ويظل المحامي ضحية للعديد والعديد من الأعمال الهمجية البغيضة التي تطارد جناح العدالة الواقف وتسيء له وتنتقص من هيبته، في ظل محاولات حثيثة من نقابة المحامين للحفاظ على أعضاء النقابة وممارسي المهنة الذين يتعرضون بشكل شبه دائم لاعتداءات لا قِبل لهم باستمرارها، ولا حيلة لهم معها، ولم تستطع أي جهة قانونية كانت أو قضائية حل هذه الأزمة التي نَمّت وترعرعت حتى أوشكت أن تكون ظاهرة في المجتمع. وتأتي واقعة الاعتداء على المحامي عبد الهادي بساط، الأسبوع الماضي، وتشويه وجهه بماء النار من قِبَل بعض خصومه في إحدى الدعاوى القضائية، بمثابة الناقوس الذي ينبه بوجود خطر داهم على جناح العدالة الواقف، الذي لا يجد حتى الآن حصانة تحميه من تلك المخاطر التي يتعرض لها من وقت لآخر، والتي تضربه في مقتل في عمله وتعرض حياته للخطر وربما للهلاك. عاشور: لن نترك حق محامي يضيع قال نقيب المحامين ورئيس اتحاد المحامين العرب، سامح عاشور، إن الاعتداءات على المحامين باتت أمرًا عصيبًا وغير مقبول، وإن النقابة ستواجهه بكل حسم وحزم خلال الفترة المقبلة، رافضًا تكرار الاعتداء على جناح العدالة الواقف من أي جهة، سواء من الشرطة أو القضاء أو المواطنين لأي سبب كان. وبشأن الأزمة الأخيرة، أصدر نقيب المحامين تعليماته لجميع المحامين بضرورة التزام ضبط النفس، والانصياع للقرارات التي سوف يتخذها مع مجلس النقابة، مشيرًا إلى أن مجلس النقابة سيعقد عدة اجتماعات خلال الفترة المقبلة، للوقوف على تطورات الموقف، على أن تستمر النقابة في متابعة الموقف مع المسؤولين الأمنيين بكفر الشيخ إلى أن يتم محاسبة القائمين والمشاركين في الفعل الإجرامي الذي أسفر عن تشويه محامي. نقيب المحامين أشار إلى أنه طالب المحامين بعدم الاحتكاك بأي متهم أو معتدي لعدم المشاركة في زيادة الأزمة، مؤكدًا أنه لن يدع الأمر يمر مرور الكرام، وأنه لن يفرط في أي من حقوق المحامين. إهدار كرامة المهنة المحامي عبد الجواد أحمد، وكيل أول نقابة محامي شمال القاهرة، قال إن الاعتداء على المحامي يُعد اعتداء على المهنة وعلى دولة القانون، وإسقاطا لهيبة المحاماة وممارسيها، مشيرًا إلى أن الاعتداء على جناح العدالة الواقف بات بمثابة ظاهرة لابد من الوقوف أمامها، ووضع حلول جذرية من شأنها إنهائها تمامًا. وأشار وكيل محامي شمال القاهرة إلى أن الأمر يستدعي التركيز على هذه الظاهرة، لأنها تسهم بشكل كبير في فقدان المحامي هيبته وقدرته على تحقيق العدالة، موضحًا أنه لابد من تغليظ العقوبة للمعتدين على رجال العدالة الواقفة، وعمل توعية لكل من أعضاء النيابةورجال الشرطة بضرورة التعامل اللائق مع المحامين، لأن الاعتداء على المحامين من الفئتين السابقتين يؤدي إلى استهانة المواطنين بهم. المحامية والناشطة النقابية عضو اللجنة القانونية بحركة تمرد، مها أبو بكر، قالت إن الاعتداء على المحامين أمر مرفوض تمامًا، ويُمثل إهانة للقانون وليس للمحامين فقط، وأضافت أنه يأتي بمثابة صفعة على وجه المواطن بالمقام الأول، الذي يسعى المحامي دائمًا إلى إنصافه والبحث عن حقوقه وصيانتها وعدم إهدارها، بما يعني أن إهانة المحامي إهانة لكل مظلوم بل وللشعب بالكامل. أبو بكر أضافت أنه لا بد من تكاتف جميع مؤسسات الدولة من أجل احترام وصيانة هيبة وكرامة المحامي، والتأكيد على تفعيل التشريعات الخاصة بجناح العدالة الواقف، التي من شأنها حمايتهم وتحصينهم خلال أداء عملهم من أي اعتداء يقع عليهم، مشددة على ضرورة تغليظ العقوبات لمن يعتدي على رجال القانون. محامون من أجل المهنة: احترام المنصة للمحامي واجب أكدت حركة "محامون من أجل المهنة" أن احترام المنصة للقاضي واجب لابد منه، حيث يتعين على القضاة عدم توجيه أي إهانة للمحامي، متى التزم المحامي بالقانون، واضافت الحركة أن جزء مما يعانيه المحامون تعامل قضاة المنصة معه بجفاء، والتشديد والتهديد الذي يلتزمه بعض القضاة تجاه جناح العدالة الواقف، والذي لابد ان ينتهي تماما، لضمان احترام المحامي من موكليه وخصومه والنيابة. وأشارت الحركة إلى أن القانون نص على أنه يحق للمحامي أن يسلك الطريقة التي يراها مناسبة في الدفاع عن موكله، ولا يكون مسئولَا عما يورده في مرافعاته خطَّيَّة كانت أو شفهية، مما يستلزم حق الدفاع وبما لا يخالف نصًا شرعيًا أو قانونيًا نافذَا, وأوضحت الحركة أن قيام بعض المحامين بالتجاوز خلال الجلسة، والخروج عن حدود عملهم وواجب مهنتهم بصورة فيها إخلال بنظام الجلسات لا يبرر بأي شكل من الأشكال إهانة القاضي للمحامي بالسب أو الشتم أو الطرد من قاعة المحكمة مثلًا، لأن هناك قانون بيَّن الإجراءات التي يجب على القضاة اتخاذها عند حدوث أي تجاوزات من أي نوع من قِبَل المحامين لحدود عملهم أو لواجبات مهنتهم. بروتوكولات المحامين مع الشرطة والنيابة شعارات المحامي والناشط النقابي والحقوقي أسعد هيكل، عضو تحالف العدالة الاجتماعية، قال ل"تحرير" إن البروتوكولات التي يتم توقيعها من فترة لأخرى بين المحامين من جهة والنيابة والقضاء من جهة أخرى لا تكفي في ذاتها لصيانة كرامة المحامي وهيبته، معللا ذلك بأنها تنطوي على شعارات ليس أكثر، كذلك تفتقد التطبيق على أرض الواقع، وتنتهي عند كونها جمل وعبارات على ورق فقط. هيكل أضاف أنه لابد من إعادة النظر في علاقات المحامين بالشرطة والقضاء لتصبح علاقة تعاون وتكامُل، ما ينعكس إيجابيًا على علاقة المحامي بالمواطن، مشيرًا إلى أن هذا الأمر يستلزم إعادة النظر بشكل شامل في القوانين المنظمة لمهنة المحاماة، وتثقيف المحامي بحقوقه وواجباته، وأسلوب التعامل الواجب عليه الالتزام به مع جميع الأطراف التي يتعامل معها سواء من مواطنين "موكلين وخصوم" أو شرطة أو أعضاء نيابة أو قضاة، وشدد على أن الأمر يتطلب إحداث تغيير جذري في المنظومة القانونية بالكامل. وقال أسعد "هناك تردي حدث في مصر على مدار سنوات طويلة مضت في كافة مناحي الحياة، خصوصًا على مستوى العلاقة بين سلطات الدولة والمواطنين من جهة، وبين المواطنين وبعضهم من جهة أخرى، وانعكست جميع الأزمات السياسية والاقتصادية وغيرها على أخلاقيات المجتمع، وهو ما يبدو ظاهرا بوضوح في المهن المتصلة بشكل مباشر بالجماهير مثل المحاماة والطب والهندسة". وتابع "افتقدت نقابة المحامين دورها المهني والخدمي، فلم تشارك في إعداد المحامي ليؤدي مهنته كما ينبغي، ولم تراقب سلوكه المهني أو عمله بصفة عامة، كما فقدت التعاون بينها وبين سلطات ومؤسسات الدولة المختصة بالقانون مثل وزارة العدل ووزارة الداخلية وغيرها، ما نقل العلاقة إلى علاقة ندية وتباغض، أدى بدوره إلى نقل الأزمة بين المحامي والمواطن"، واستطرد "قيادات ومسئولي المحامين والشرطة والقضاء يتحملوا مسئولية الأزمات التي تحدث للمحامي حتى من المواطنين، لأن الأزمة بين المحامي والمواطن نتاج للأزمات المستمرة بين المحامي وباقي أعضاء المنظومة القانونية".