فى عيد الأضحى والناس فرحانة -قدر ما استطاعوا- كنت أتمنى أن أكتب عن الحب.. الحب بين الذكور والإناث والحب بين الأب وأبنائه والحب بين الوطن ومواطنيه والحب بين مواطنيه بعضهم وبعض.. لكنى عجزت عن الكتابة لأنى أكره أن أتعامل مع الأصدقاء كالكائنات المنقرضة التى تتكلم عما يشبه الأساطير غير المفهومة، أو يتكلمون كلام الناس الرايقة بينما الجميع لا يشاركونهم هذا الروقان... ولسان حالهم يرد: حب إيه اللى انت جاى تقول عليه؟ إذن فلنتكلم عن الكراهية، وكم هى حالة تؤذى صاحبها وتفرض على عقله أن يكون رد فعل ويعجز بوجودها عن التفكير الموضوعى فيستخدم المنطق ليثبت للجميع أنه يكره لأن خصمه يستحق الكراهية، وتسيطر عليه حالة الكراهية حتى يغرق فى الأكاذيب وينفض الناس من حوله، حيث إنه لا يصدر عنه إلا كراهية عمياء. وفى قول آخر إن الكراهية هى وجه من وجوه الحب المحبط تنتهى إذا أزلنا أسباب الإحباط، وليست وليدة تفكير وإنما هى وليدة مشاعر تتقلب بوضع الطرف الآخر. لاحظت كل ذلك فى معركة الذبح فى الشوارع للأضحيات... فهناك من يؤيد ويدافع، وهنا من يهاجم ويعارض، حتى هنا هى حالة مشروعة من الدفاع عن آراء، ولكن أن تتحول إلى حالة من الاستفزاز من كلا الطرفين وتتوه معركة الآراء ويصنفها البعض فى الهجوم والدفاع على الإسلام وتمتلئ الصفحات بالكتابة والصور لمشاهد دموية لذبح الحيوانات ظنا من أصحابها أنها إقامة لطقوس دينية كردّ فعل على مقال مستفز يتهم الذبح بأنه أكبر مذبحة فى تاريخ الإنسانية، وكلمات أخرى كثيرة لا يليق إلا أن تصنف أنها كراهية وفقط بعيدة عن المنطق الصائب... ويصبح صاحبها كالمحامى الفاشل لقضية كسبانة... فالعقل يقول إن للذبح أماكن محددة وإن مشاهدة الذبح تضر بالأطفال وحتى الكبار... وإن بقايا الدماء ومخلفات الذبح تؤثر سلبا لوقت طويل فى رائحة الشوارع وتهدد صحة الجميع بالأمراض وحتى الأوبئة... أفسد كل هذا كلمات لم تُقَل لحساب العقل والتنوير وإنما قيلت من أرضية الكراهية لأعداء العقل والتنوير... كما يراهم كاتب المقال. «أحِبوا أعداءكم» مقولة دينية أيضا لها وجاهتها... فليس الحب فقط لصالح المحبوب ولكنه بالأساس لصالح المحب لأنه به يستطيع أن يحافظ على عقله وموضوعيته وتماسك منطقه وأفكاره، فينتصر فى معاركه مع هذا العدو لا أن يفكر غاضبا ومنطلقا من كراهيته فينحرف عن وجهته. اكرهوا الكراهية وتعاطفوا مع المختلف لأن لديه ما يتشبث به من أفكار. لا نستطيع أن نتغير وهناك جو من الكراهية فى العلاقات لأنه بالضرورة كل ما أتى من كاره مرفوض حتى ولو كان الصواب... هل يستطيع العلمانيون لن يلتمسوا العذر للمتدينين لتشبثهم بما يرونه ثوابت غير قابلة للنقاش؟ وهل يستطيع المتدينون أن يلتمسوا العذر للعلمانيين لتشبثهم بالعقل والحواس وأن يحاول كل طرف بلا كراهية أن يرشد الطرف الآخر لما نقص عنده؟... ليس بالضرورة أن يتم هذا بحب، فقط بلا كراهية... وكل سنة وانتم طيبين.