من حقك أن تكره الإخوان.. فهناك من أعطوا لأنفسهم الحق فى أن يكرهوا الشيوعيين، وهناك من يكره الثوريين الاشتراكيين، والحالة نفسها تنطبق على الليبراليين، والسلفيين، ويمكنك أن تصعد رأسياً أو تتمدد أفقياً لتضم إلى القائمة فئات أخرى كثيرة تتبادل الكراهية فى المجتمع المصرى الآن، ولا تقتصر هذه الكراهية على الشعور الوجدانى فقط للأسف، ولكن تنطوى على رغبة تدميرية وإقصائية مرضية إلى درجة تتنافى بشدة مع ما كان معروفاً ومشهوراً وموثوقا به عن الشخصية المصرية التى نشأت على ضفاف الوادى وعاشت واستقرت وهدأت وصبرت وقاومت بأسلحة الوعى والذكاء كل ما قابلها فى تاريخها من ظواهر سلبية سواء كانت سياسية أو اجتماعية. (1) لا أقصد الكتابة عن هذه العفاريت السوداء التى تتقافز فى شوارع مصر منذ أسبوعين أو أكثر قليلاً ولكن أستهدف تحديداً العفاريت الزرق التى تسكن نفوس السياسيين الطامحين والطامعين فى السلطة والمتصارعين عليها منذ 11 فبراير قبل عامين (التاريخ الرسمى لسقوط مبارك) وإلى اليوم الذى لم نتأكد فيه بعد إذ كان مبارك قد سقط بالفعل أم أن روحه الشريرة مازالت تتلبس أجساد الباقين من رجال نظامه المنتشرين فى كثير من مؤسسات الدولة وخارجها هؤلاء الذين وضعوا ثقافة الفساد صغارا واستطعموها كبارا حتى صارت جزءا من تفاصيل حياتهم اليومية ومصالحهم الحياتية.. وهم يعرفون بعضهم بسيماهم من أثر القنوط واليأس الذى يستشعرونه منذ سقط إله فسادهم الأعظم ويرجون يوماً تعود فيه أيامه وسيرته الأولى. الغريب أن الواحد من هؤلاء إذا دخلت معه فى حوار يخالف عقيدته تلك ويقابلك رده ببجاحة وصفاقة فيتهمك أنك وأمثالك من الثوريين «خربتوا البلد» وتحاول أن تقنعه بالعكس فلا تنجح وتضطر فى النهاية أن تنهى النقاش الذى يكون غالباً قد دخل تحت وصف اللغو المنهى عنه. .. نفر من هؤلاء الذين وصفتهم سابقاً يتحمل مسئولية الأحداث العنيفة التى شهدها الشارع المصرى فى الأيام الأخيرة، ومن هؤلاء الموتورين من بذل ماله ودفع برجاله للمشاركة والقيادة، ومنهم - ممن لا يملك المال أو الرجال نزل وشارك بنفسه ليس ليعيد كما يشيع حق الشهداء أو يغتصب حقا - هو ليس بحق - للمتهمين والسجناء ولكنه فعل ذلك مدفوعاً بوقود الكراهية.. كراهية الإخوان ونعود ونذكّرك بما بدأنا به من حق أى شخص أن يكره الإخوان لكن هذا الحق لا يمنح أى شخص صلاحية مطلقة لإيقاع الأذى على الغير، نفسه أو ممتلكاته الخاص منها والعام. نعود ونقول إن هذه فئة من الفئات التى نزلت للشارع خلال الأيام الفائتة أو دفعت وشجعت ذلك لكنها ليست كل الفئات. (2) الخصوم السياسيون للإخوان أيضاً فعلوا ذلك أقول هذا وأجزم مع تحفظى على مصطلح «الخصومة السياسية» فالذى نراه ونعرفه عن هذه الخصومة يتجاوز حدود الخصومة إلى العداء الصريح، ويتجاوز السياسة إلى ما يشبه العقيدة وبناء عليه فهؤلاء الأعداء لا يهدفون إلى الدخول مع الإخوان فى مباراة سياسية أو تقاسم السلطة معهم ولكن يريدون إقصاءهم وإخراجهم من ملعبها تماماً - إذا استطاعوا - أما وأنهم لم يستطيعوا هذا بعد محاولات عديدة جرت خلال العامين المنصرفين، فقد اكتفوا الآن مرحلياً بالدعوة إلى تقاسم السلطة معهم تمهيداً إلى إزاحتهم عنها ريثما يتسنى لهم ذلك. وحتى لا يبدو الأمر وكأننى أطلق الأمور على عواهنها لابد أن نضبط حديثا حول أمرين، الأول هو أن خصوم الإخوان ليسوا فصيلا أو كتلة واحدة ولكنهم فصائل عديدة تنتمى لأيديولوجيات مختلفة بالإضافة إلى من تم إقناعهم بهذه الخصومة من عامة المصريين عن طريق الشحن والتوجيه، والأمر الثانى أن الإخوان أنفسهم بدأوا يتجرعون من كأس تمييز أنفسهم عن المجتمع وطبقوه على أنفسهم فى اندفاعهم نحو السلطة ولا عذر لهم أنهم يريدونها ليس حباً فيها (السلطة) ولكن سعياً لتنفيذ برامجهم ورؤاهم. والشاهد أن دائرة الأعداء اتسعت حول الإخوان - حتى ولو أنكروا هذا - وأن أعداءهم السياسيين يتصورون الآن أن الفرصة واتتهم للنيل منهم ومن نصيبهم فى السلطة. (3) دليلى على ما أقول تمثله مفردات وبنود هذه المبادرات التى انهالت كالسيل، بعد رفض عدد من أعداء الإخوان الذين خشوا أن تفلت الفرصة من بين أيديهم.. 13 مبادرة تنوع مقدموها ما بين جماعات وأحزاب إلى شخصيات عامة ووطنية. ومن بين هذا العدد - غير القليل - يمكنك أن تتوقف عند اثنتين، الأولى مبادرة الأزهر التى تحمل عنوان: «وثيقة الأزهر لنبذ العنف»، والثانية الاتفاق الذى توصل إليه حزب النور السلفى مع جبهة الإنقاذ. مبادرة الأزهر فى رأيّى وثيقة رائعة لكنها فى رأيّى أيضا طوباوية أكثر من اللازم تحتاج إلى صنف من الضمائر والقلوب شحيح فى الأسواق الآن. أما مبادرة النور - الجبهة فقد احترت والله فى أن أجد وصفا لها، ليس بسبب صعوبة موادها أو فهم مراميها ولكن العكس هو الصحيح.. وبعد قراءة بنود المبادرة مرتين وثلاثاً لا أدرى لماذا تذكرت الإنذار الشهير الذى كانت جحافل التتار توجهه لحكام الدول والممالك التى تقف على حدودها غازية بالضبط. بنود المعاهدة توجه إنذاراً للإخوان: سلموا الحكم وتستشعر أن هذا الإنذار إذا تحقق سوف يتلوه إنذار آخر تطلب فيه الجبهة من الإخوان أن يسلموا أنفسهم إلى أقرب قسم شرطة. (4) وحتى لا يقول قائل - من كارهى الإخوان - إننا نفتئت على المبادرة وأصحابها فلنلقى نظرة سريعة على طلبات الجبهة (التى لا أعرف كيف وافقهم حزب النور عليها) ونسأل ما معنى أن يطلب فصيل فشل فى أن يحقق أية مكاسب عبر صناديق الانتخاب من فصيل وصل إلى الحكم عبر هذه الصناديق أن يمنحه الأخير مزايا تشكيل الحكومة وتعديل الدستور وتعيين نائب عام جديد إلى جانب مطالب أخرى تحتمل العديد من التأويلات مثل حيادية واستقلالية مؤسسات الدولة واتفاق الجميع على أن فصيلا واحدا لا يستطيع أن يقود البلاد منفردا ومدونة للسلوك السياسى.. كلام لا يدخل العقل.. ثم من قال لهم إن الطرف الآخر المتفاوض معه (الرئيس أو الإخوان) سوف يوافق عليه. وأخطر منه هذا الذى تسمعه من الجبهة حين تطلب ضمانة الجيش للحوار مع الرئاسة ونتائجه؟!.. ومتى كان المرؤوس يضمن رئيسه؟! ومن الآخر - كما يقولون - الحكاية ليست ضمانة وزير الدفاع لقرارات الرئيس ولكن الحقيقة هى استدعاء الجيش المصرى ليلعب الدور الذى لعبه نظيره التركى إبان فترة الحكم العلمانى وقبل أن يتم إبعاده عن السياسة تماماً منذ سنوات قليلة مضت. مازال البرادعى وأعوانه الأساسيون فى اللعبة يريدونها أتاتوركية وهم مصرون على تنفيذ هذا حتى ولو حول الشباب المصرى كله إلى اعتناق الأناركية.. افهموها.. المسألة ليست كراهية الإخوان. .. اكره الإخوان كما شئت لكن تأكد أنك لن تستطيع أن تمحوهم من الوجود لأنك لست صاحب هذا الوجود! وتأكد أنك حين تكرههم فأنت تمنحهم الحق فى الرد بالمثل وحين يفعلون فلا يمكن أن يلومهم أحد. اكره.. ثم اكره حتى تتحول الكراهية إلى سلوك غاضب وغاصب، وحين تبسط يدك لتقتل أخاك أو يبسط هو يده ليقتلك تأكد أن هناك طرفاً آخر كان له مصلحة فى تفجر هذا الجحيم. جبهة الإنقاذ.. لا تريد الإنقاذ بنية صادقة.. والإخوان لن يتنازلوا عما وصلوا إليه عبر الصناديق.. وانتخابات البرلمان باق عليها أسابيع وما عليك إلا أن تذهب إلى الصندوق وتمنح صوتك لغير الإخوان إذا كنت من كارهيهم، أما أن تسعى لإقصائهم على جثة الوطن فهذا ما لن يقبله عقلاء المصريين وهم الأغلبية الساحقة.. لن يسمحوا به حتى ولو كرهوا الإخوان.