دائمًا ما أراها «بوتقة» لدماء العرب، كما هى لثقافاتهم، بتنوعاتها. لا أتحدَّث هنا عن نماذج ترسخت فى ذاكرتنا، من سليمان الحلبى إلى جول جمال، بل عن نصرنا الأعظم، ومشاركة آلاف العرب فى حربَى الاستنزاف وأكتوبر. مع الحديث عن مواجهة «العدو المشترك»، يتقدَّم دعم «جزائر هوارى بومدين» المفتوح، ومؤتمر الخرطوم، الذى شهد المصالحة بين القاهرة والرياض، وإقرار خطة لتغطية خسائر «دول الطوق»، وإعادة تسليح جيوشها، لكن كثيرين من المصريين لا يعرفون أن مقابر جيشهم تحتضن رفات شهداء من 8 دول عربية، تخضبت بدمائهم الطاهرة أرض القنال. يُقدر اللواء د.إبراهيم شكيب، المحلل العسكرى، الذى شارك فى حروبنا من 1956 حتى 73، أن عدد المشاركين العرب فى العبور يُقدَّر بنحو 8 إلى 10 آلاف مقاتل. نقول «يُقدَّر»، لأنه لا توجد أرقام رسمية معلنة، ولا توثيق للوقائع، وعلى مَن يريد أن يدقق أن ينقب فى حوارات وتقارير وروايات وشهادات شخصية، تتفاوت بين المبالغة فى حجم ونوعية المشاركة، ونفى تام لحدوثها من مصريين. ل«الأهرام العربى»، 6 أكتوبر 2012، يُفصّل شكيب نوعيات المشاركة: الجزائر «3 أسراب جوية»، وصلت فى 9 و10 و11 أكتوبر، و«لواء مدرع» ثم لواء ثانٍ فى 17 أكتوبر. ليبيا «2 سرب ميراج، ولواء مدرع». العراق «سرب هوركر هنتر». المغرب والسودان «لواء مشاة». الكويتوتونس «كتيبة مشاة». وعلى الجبهة السورية شارك العراق ب«4 أسراب جوية وفرقة مدرعة وأخرى مشاة»، والأردن ب«2 لواء مدرع»، والمغرب «لواء مدرع». وعلى الجبهة الأردنية تمركز لواء مدرع سعودى. هذا ليس جردا دقيقا، فالقوات السعودية تمثلت فى الجولان بكل أسلحتها، من الطيران إلى الخدمات الطبية، ويُذكر لها معركة «تل مرعى» يومى 20 و21 أكتوبر. ومشاركة تونسوالكويت، قدرتها مصادر أخرى بلواء مشاة. التونسى كان بقيادة اللواء، فى ما بعد، عبد العزيز سكيك، الذى اسُتشهد فى تحطّم هليكوبتر عسكرية عام 2002، مع 13 من قيادات الجيش التونسى، فى جريمة «مطابقة» لاغتيال الشهيد أحمد بدوى و13 من قيادات جيشنا، مارس 1982. شخصيًّا، توقفت عند المشاركة الكويتية، فقد بدأت مع 4 يونيو 1967، ثم سرب جوى، عام 1970. وتحمّل ثلث جيشها «لواء اليرموك» الهزيمة معنا، وشارك فى حرب الاستنزاف، التى جرح فيها الشهيد فهد الأحمد الصباح، الذى سيتولّى إخراج ياسر عرفات من الأردن فى «أيلول الأسود»، ويستشهد فى أثناء مقاومته غزو صدام حسين لوطنه. و«اليرموك» وهب تراب مصر 29 شهيدًا كويتيًّا، فى الاستنزاف وأكتوبر، وعناصره كانت أول من رصد «الثغرة». الثلث الثانى من الجيش الكويتى، «لواء الجهرة» انضم إلى الجبهة السورية قبل الحرب بأشهر. ومع بدايات يوليو 1967، انضم إلى الجبهة المصرية جيش التحرير الوطنى الفلسطينى، ولواء مشاة جزائرى، وآخر سودانى، سُحبت إحدى كتائبه مع محاولة انقلاب هاشم العطا، يوليو 1971، لحماية الخرطوم، ثم عادت إلى الجبهة، أغسطس 1972. فى حديث المشاركة، نقرأ أسماء الليبى خليفة حفتر، والجزائرى عبد المالك ڤنايزية، وزير الدفاع حتى سبتمبر 2013، ونسمع مناشدة للجيش المصرى من عميد متقاعد غزوان عدنان، شارك فى الضربات الجوية الأولى مع 14 من مواطنيه، باستعادة الأوسمة التى كرمته بها القاهرة، خصوصا نجمة سيناء، وأجبره صدام، مع أقرانه، على ردها بعد كامب ديفيد. متمنيًّا أن لا يموت قبل أن تعود إلى تزيين صدره.. «فهى من مصر»، وفق تعبيره لفضائية «إم بى سى»، سبتمبر 2012. يوما ما، لا أراه بعيدا، سيحتضن استاد القاهرة «غزوان»، وكل من شاركونا الهزيمة والنصر، وأقارب مَن استشهدوا، فمصر لا تنسى فضل مَن وقف معها وقت الشدة.