لم تكن حرب أكتوبر ملحمة بطولية وعبقرية في التخطيط والتنفيذ فحسب، ولكنها أيضا سجلت أجمل سيمفونية بعنوان « التكامل العربي « عزفتها الدول العربية، حيث تلاحمت الأيادي، للدفاع عن أرض تحمل صفة العروبة، هذا ما يؤكده اللواء د.إبراهيم شكيب الخبير الإستراتيجي والمحلل العسكري، والذي اشترك في 5 حروب هي حرب 1956، واليمن، و1967 ، والاستنزاف، وحرب أكتوبر 73، وعن هذا الدعم العربي الذي كان نموذجا يحتذي به, كان هذا الحوار: بداية، ما الفرق التي شاركت في حرب أكتوبر؟ الجزائر شاركت بقوات متعددة من خلال 3 أسراب جوية، وصلت الجبهة المصرية في 9 ، و10 و11 أكتوبر 73، بجانب لواء مدرع وصل في 17 أكتوبر، وشاركت ليبيا بعدد 2 سرب ميراج. بالإضافة للواء مدرع، والعراق بسرب هوركر هنتر، كذلك توجد المغرب بلواء مشاه، ونفس الشيء بالنسبة للسودان ، في حين شاركت الكويت وتونس بكتيبة مشاه لكل منهما، وعلى الجبهة السورية كان العراق مشاركا بعدد 4 أسراب جوية وفرقة مدرعة وفرقة مشاة وبجانبها 2 لواء مدرع أردني ولواء مدرع مغربي، في حين وجدت السعودية بلواء مشاه على الجبهة الأردنية، وبعملية بسيطة يمكن القول إن عدد المقاتلين العرب الذين شاركوا في حرب أكتوبر تراوح من 8 – 10 آلاف مقاتل. هل اقتصرت المشاركة على الحرب فقط؟ بعض هذه الدول شاركت في حرب الاستنزاف، مثل كتيبة اليرموك الكويتية، وبعضها قبل الحرب مباشرة، تحت ستار تدعيم مصر سياسيا وعسكريا في الصمود بعد هزيمة 67 والجزء الثالث جاء أثناء الحرب. ما المناطق التي تمركزوا بها والمهام التي أسندت إليهم؟ مهامهم كانت دفاعية في المقام الأول، لذلك جاء تمركزهم في قناة السويس على الضفة الغربية، وتحديدا بين الجيشين الثاني والثالث، لتأمين هذه المنطقة، عند البحيرات المرة الكبرى، وعلى امتداد 30 كيلو مترا، ولكن عندما حدثت الثغرة، وبهدف منع إسرائيل من حصارهم وتطويقهم، صدرت أوامر من القيادة العليا بسحبهم للوراء في اتجاه السويس. هل هناك مواقف عربية تجاه مصر فيما يتعلق بحرب أكتوبر؟ لا يمكن أن أنسي موقف دولة الجزائر التي أرسلت لواء مدرعا، وعندما بدأت بوادر الثغرة ، قام الرئيس هواري بومدين بإرسال لواء مدرع، وصل 17 أكتوبر، ومن تفحص الوجود العسكري الجزائري في سيناء، كان سيكتشف وقتها أن القوات الجوية الجزائرية تمثل أكبر وجود بين القوات العربية، وهذا لم يكن موقفا غريبا على بومدين، فبعد هزيمة يونيو ذهب إلى الاتحاد السوفيتي الذي كان رافضا تسليح مصر، بحجة أن السلاح الغربي هزم السلاح الروسي، والتقى كبار المسئولين هناك وفي مقدمتهم الرئيس برجينيف وقال لهم أنتم تقامرون بعدم تسليح مصر، وهذا سيزيد من هيمنة أمريكا على المنطقة، وإذا كان الموضوع ماديا، فهذا شيك ب 200 مليون دولار. وكيف تم تجميع كل هذه الدول العربية لتشارك في الحرب؟ في عام 1971، ولأول مرة قام الفريق سعد الشاذلي باعتباره رئيس الأركان للجيش، وبحكم وظيفته هو المساعد العسكري لأمين عام جامعة الدول العربية، يطلب رؤساء أركان الجيوش العربية بالكامل من أجل الدفاع العربي المشترك، وفي تلك الدورة لمجلس الدفاع العربي المشترك وحملت رقم 25 بتاريخ 30 يونيو 1971، تم عرض لدراسة تتناول الدخل القومي والإنفاق العسكري في الدول العربية، أوضحت أن إجمالي الدخل القومي للدول العربية ذات 110 ملايين نسمة في ذلك الوقت هو 26 مليار دولار، بينما دخل إسرائيل 3.672 مليار دولار، وتعدادها 2.36 مليون نسمة، وأن متوسط دخل الفرد العربي في العام 236 دولارا، بينما في إسرائيل 1300 دولار، وكشف الشاذلي لرؤساء الأركان العرب ضرورة تفعيل معاهدة الضمان الجماعي التي وقعت في إبريل 1950 . ولكنها لم تطبق إلا بشكل جزئي بعد هزيمة يونيو، ثم جاءت حرب أكتوبر لتكون هي المرة الأولي التي تحقق فيها التكامل العسكري بهذا الشكل الكبير، ثم حرب تحرير الكويت. وما الأسباب التي تحول دون استمرار هذا التكامل؟ هذه المشكلة تسبب فيها الاحتلال الإنجليزي للدول العربية، فهم يطبقون وبإتقان كبير مقولة «فرق تسد» وقد نجحوا في تطبيقها مع العرب، بتخويفهم للدول العربية من مصر، وأنها ستبتلع الدول العربية، وظل هذا الخوف سائدا حتى اليوم. ولو كان حدث هذا التكامل لأصبحنا في مقدمة الدول، ويكفي أنه أثناء قيام الجمهورية المتحدة «مصر وسوريا» حصلت الكويت على استقلالها في عام 1961 ، ولم يمض على هذا الإعلان 24 ساعة، حتى أعلن عبد الكريم قاسم حاكم العراق أن الكويت قطعة من العراق، وحشد جيشه على الحدود الكويتية، فأمر عبد الناصر بالاحتشاد على الحدود السورية، وقال إن أي اعتداء على الكويت هو اعتداء على الجمهورية المتحدة، فانسحب عبد الكريم قاسم، فهذا نموذج تاريخي يؤكد أهمية التكامل العسكري. ما المواقف التي لا تنساها للقوات العربية؟ كما قلت كان لكتيبة اليرموك الكويتية التابعة للواء السادس مشاة ميكانيكي، دور كبير في حرب الاستنزاف وأذكر عندما كان تمركزنا في القصاصين، وكان العميد أبو غزالة قائدا لمدفعية الجيش الثاني بينما كنت أنا رئيس عمليات، أثناء ذلك خرجت من هذه الكتيبة طلقة هاون 160 ملي، وخارج أية احتمالات فنية أو عسكرية، وقعت هذه الطلقة مباشرة على منطقة تجمع إسرائيلي على الضفة الشرقية، فكبدت العدو خسائر كبيرة، فتوقعنا أن إسرائيل سوف تقوم في اليوم التالي بهجوم كبير، فصدرت الأوامر لي بالذهاب لقائد الكتيبة الكويتية، لتحذيره من الهجوم والاستعداد بالإخفاء والتموية الجيد، وأثناء ذهابي لهم في الثامنة صباحا، بدأت الغارات الإسرائيلية تنهمر على الكتيبة من الثامنة حتى الثالثة عصرا، فكانت الطائرات تفرغ القنابل بصورة مستمرة، ولم يكن أمامي سوى الاختباء في حفرة برميلية، ظللت بها كل هذه الساعات، وما إن انتهت الغارات حتى واصلت المسير إلى الكتيبة، وأثناء ذلك جاءني تليفون من أبو غزالة وسمعت صوته وهو يقول «يا شكيب أحضر لي من قائد الكتيبة الكويتية ورقة موقعة منه بعدد القتلى والجرحى وأسمائهم، لأن الرئيس عبد الناصر على التليفون، ويطالب الفريق أول محمد فوزي وزير الحربية، بإبلاغه بموقف الكتيبة الكويتية «، وما إن وصلت لقائد الكتيبة الكويتية وسألته عن عدد القتلى والجرحى وإذ به يقول لي لا يوجد سوى اثنين جرحى فقط، فأخذت أسماءهما وأنا غير مصدق أن كل هذه الغارات لم ينتج عنها سوى جريحين، وعندما عدت لأبو غزالة، اتصل فورا أمامي بوزير الحربية، وأخبره، ويبدو أنه لم يصدق ما سمعه منه، فوجدت أبو غزالة يقول له «في يدي يا أفندم وثيقة تؤكد كلامي « فسمعت صوت محمد فوزي وهو يقول له»سأحاكمك لو كان كلامك غير دقيق، لأني سأبلغ به الرئيس لكي يبلغ أمير الكويت ويطمئنه.