ما حدث من المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية شفيق أفندى أبو بلوفر وبونبونى مع ال«بى بى سى» فى حواره، يدل أننا أمام مأزق حقيقى فى القيادات، وفى صنع رجالها. حسنى مبارك لم يكن أبدا شخصا، حسنى مبارك نظام وعرف وعادة وتقاليد وطريقة تفكير. فالمحاور سأله عدة أسئلة عن البرنامج الانتخابى، وما إلى ذلك من الحوارات المعروفة. إلى أن سأله عن وضع المشير طنطاوى فى حالة توليه منصب رئيس الجمهورية -فى المشمش- وهل سيجعله وزيرا للدفاع؟ فرد شفيق أفندى أنه بالطبع لن يجعله وزيرا للدفاع، بل سيعطيه منصبا كبيرا أكبر من رئيس الجمهورية كمستشار للرئيس. وهنا غضب السادة العاملون فى حملة شفيق أفندى، وأخذوا الشرائط من فريق العمل كما هو معروف، الأزمة هنا ليست فى ما حدث، بل فى العقول التى كانت تدير البلاد، التى تريد أن تدير البلاد. وما شفيق أفندى إلا أنموذج صارخ على الوضع المؤسف، الذى وصلنا إليه من تلك العقول الفارغة القليلة الموهبة. لا تمتلك خيالا سياسيا، بل تشكلت بشكل وعقل مبارك، ويبدو أن كل من عايشه حتى من معارضيه قد تشكلوا بعقله، وتأثروا بسياسته العقيمة الخالية من أى إبداع أو من أى خيال بمن فيهم الإخوان. الجميع لو تعلمون الآن فى مأزق يثير السخرية والضحك. لكنه ضحك كالبكاء، البلاد فى طريقها للتوقف تماما خلال شهرين على الأقل. والإخوان تسلموا البلاد من العسكر خرابة والحمد لله، قد يكون العسكر لديهم خططهم -لو كانوا يمتلكون خيالا سياسيا وإن كنت أشك فى ذلك تماما- لتسليم البلاد إلى الإخوان خرابة ومفلسة، وعلى وشك الانهيار لإحراجهم أمام الشعب. ووقتها يتندم الناس على أيام حكم العسكر. ويطالبون بعودتهم. أقول قد يكون هذا فكرًا، لكن رجالا تربوا وترقوا وتولوا قيادات مثلهم مثل شفيق أفندى أشك أن لديهم هذا الفكر، أما الإخوان فصحيح أنهم فصيل سياسى منظم ومدرب. لكنه آخر الأمر فصيل سياسى تنظيمى فقط، يجيد السيطرة على الانتخابات، حتى لو كانت انتخابات أندية، لكن عندما يتولون مقاليد البلاد، الأمر هنا مختلف تماما. دولة مصر ليست بنكا أو شركة أو نقابة أو مصنعا أو ناديا -نفس الكلام الذى كنا نكتبه لجمال مبارك!- قيادة دولة أمر مختلف، خصوصا مصر دولة فقيرة الموارد. لا تمتلك بترولا ولا مناجم ذهب. وعدد سكانها كبير وطبيعة شعبها ومزاجه العام لا يثبت على وضع واحد، وما رأيته فى الأيام الماضية فى مجلس الشعب، ومن قبله ومن بعده أزمة أنبوبة البوتاجاز، تيقنت أن حسنى مبارك موجود فى قلب وعقل كل رجل فينا، لا توجد خطة محددة للمرحلة القادمة، السادة الإخوان ما زالوا يدرسون الوضع، رغم توليهم البلاد، والأخ خيرت ما زال يفكر كما ذكر فى حواره مع جريدة «الأهرام» وكثرة سفرياته إلى تركيا وماليزيا للتعلم من التجارب إلى جانب السفر لأشياء أخرى لم تنته بعد. والوقت يمر، والشعب جائع، ولا يمكن أن يصبر أو ينتظر حتى يفكر الإخوان، ويدرسوا ويجربوا، فلا توجد أى خطط معلنة، لا يوجد أى برنامج معلن محدد الملامح والتواريخ مثلما فعل عبد الناصر فى ثورة 52، وأعلن فور توليه الحكم مبادئ وأهداف الثورة ونفذت ثانى يوم إعلانها، لكنه جمال عبد الناصر. أما الإخوة الإخوان فهم ما زالوا يدرسون ويفكرون وسيتركون الوزارة للجنزورى ليكمل العام القادم كله حتى تمر الأزمة الاقتصادية، وهم هنا يراقبون من بعيد لبعيد أو حتى من قريب لقريب. أفهم عندما ينجح حزب الأغلبية فى البرلمان فى انتخابات حرة ونزيهة، أن يتولى الحكم ويشكل الوزارة ثانى يوم حلف اليمين، ويبدأ العمل ليثبت للشعب أنه المنقذ القادم، أما ما يحدث فهو ضحك على الذقون، الدولة لا تنهض ببكاء أكرم الشاعر -مع احترامى الكامل له ولابنه- ولا تنهض بابتسامات الكتاتنى، ولا بنظرات الشاطر وتنظيره. الدولة تبنى بالعرق والدم والدموع. تبنى بالعمل، لا أن تبنى كما فعل الإخوة السلفيون بالقسم الذى لا يخالف شريعة الله، هزل. ومبارك ما زال يعيش بداخل كل هؤلاء جميعا والدولة تنهار والشهور القادمة أيام فاصلة فى عمر الدولة المصرية، والإخوة العسكر هم الآخرون لا يختلفون كثيرا عن الإخوة المسلمين، حسنى مبارك أيضا. الآن يحاولون تجميل صورتهم أمام الشعب قبل انسحابهم وعودتهم إلى الثكنات -إن عادوا- فخرجت علينا الصحف أنهم سيكشفون قريبا عن أسرار وحقائق تزيد فخر الشعب بقواته المسلحة، وقد جاؤوا بالأخ المناوى من لندن ليشرح لنا كيف كان دور الجيش فى الثورة. واستعانوا بعماد أديب ليبرز لنا كما فعلها بالضبط مع مبارك دور المشير والمؤسسة العسكرية فى الوقوف ضد التوريث والخصخصة والفساد، كما استعانوا بمجدى الجلاد وفى الطريق آخرون. هذا هو فكرهم. وسترجع المؤسسة العسكرية فى قلوب المصريين مرة أخرى. بعد أن شوهت عند عدد كبير من الشعب المصرى بيد الإخوة فى المجلس العسكرى. ورغم أننا نؤكد احترامنا الكامل لقواتنا المسلحة، فإنه لا يمكن أن نغفر للسادة القائمين فى المجلس العسكرى ما فعلوه بالبلاد فى خلال عام كامل انتهى بتسليم الإخوان السلطة على طبق من ذهب. ألم أقل لكم إن مبارك ما زال يعيش فينا ويحكم.