انطلاق العام الدراسي الجديد 2025.. والأعلام ترفرف أعلى المدارس    استشهاد فلسطيني وإصابة آخرين جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي لعدة مناطق بمدينة خان يونس    ننشر تفاصيل الحكم ضد طارق رمضان حفيد البنا بتهمة التعدي على فتاة    موعد بايرن ميونخ ضد فيردر بريمن في الدوري الألماني والقنوات الناقلة    تشكيل مانشستر يونايتد المتوقع أمام كريستال بالاس    تشكيل ليفربول المتوقع أمام بورنموث    حالة الطقس المتوقعة غدًا 22 سبتمبر| إنفوجراف    في أول أيام العام الدراسي الجديد، مدارس الابتدائي تستقبل التلاميذ (صور)    عام دراسى جديد.. المدارس تستقبل الطلاب فى أول يوم دراسة    بسبب معاكسة فتاة .. مقتل شخصين في مشاجرة ببولاق الدكرور    حدث ليلا.. تطورات جديدة بشأن حزب الله وإسرائيل والحرب على غزة (فيديو)    عاجل.. فيفا يعلن منافسة الأهلي على 3 بطولات قارية في كأس إنتركونتيننتال    وزير الخارجية: تقسيم السودان خط أحمر، وقضية مياه النيل حياة أو موت، وخسائرنا بسبب انخفاض عائدات قناة السويس 6 مليارات دولار، لا بد لإسرائيل أن تنسحب من رفح ومحور فيلادلفيا    حبس متهم مفصول من الطريقة التيجانية بعد اتهامه بالتحرش بسيدة    رسميا.. رابط الواجبات المنزلية والتقييمات الأسبوعية ل الصف الثاني الابتدائي    فلسطين.. شهيد وعدة إصابات جراء قصف الاحتلال لمنزل في خان يونس    مدحت العدل يوجه رسالة لجماهير الزمالك.. ماذا قال؟    ضبط 12شخصا من بينهم 3 مصابين في مشاجرتين بالبلينا وجهينة بسوهاج    عمرو أديب: بعض مشايخ الصوفية غير أسوياء و ليس لهم علاقة بالدين    هل يؤثر خفض الفائدة الأمريكية على أسعار الذهب في مصر؟    فصل التيار الكهرباء عن ديرب نجم بالشرقية لأعمال الصيانة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024    أرباح أكثر.. أدوات جديدة من يوتيوب لصناع المحتوى    مريم متسابقة ب«كاستنج»: زوجي دعمني للسفر إلى القاهرة لتحقيق حلمي في التمثيل    هاني فرحات: جمهور البحرين ذواق للطرب الأصيل.. وأنغام في قمة العطاء الفني    وفاة والدة اللواء محمود توفيق وزير الداخلية    محامي يكشف مفاجآت في قضية اتهام صلاح التيجاني بالتحرش    "حزب الله" يستهدف مرتفع أبو دجاج الإسرائيلي بقذائف المدفعية ويدمر دبابة ميركافا    وزير الخارجية: الجهد المصري مع قطر والولايات المتحدة لن يتوقف ونعمل على حقن دماء الفلسطينيين    موعد إجازة 6 أكتوبر 2024 للموظفين والمدارس (9 أيام عطلات رسمية الشهر المقبل)    هل يوجد ازالات جديدة في جدة 2024 بأمر ملكي؟    في احتفالية كبرى.. نادي الفيوم يكرم 150 من المتفوقين الأوائل| صور    الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية تعزى وزير الداخلية فى وفاة والدته    عبد المنعم على دكة البدلاء| نيس يحقق فوزا كاسحًا على سانت إيتيان ب8 أهداف نظيفة    ملف مصراوي.. عودة شوبير الرسمية.. تأهل الزمالك لدور المجموعات بالكونفدرالية.. وظهور فتوح    نائب محافظ المركزي المصري يعقد لقاءات مع أكثر من 35 مؤسسة مالية عالمية لاستعراض نجاحات السياسة النقدية.. فيديو وصور    صرف فروقات الرواتب للعسكريين 2024 بأمر ملكي احتفاءً باليوم الوطني السعودي 94    مواصفات فورد برونكو سبورت 2025    حفل للأطفال الأيتام بقرية طحانوب| الأمهات: أطفالنا ينتظرونه بفارغ الصبر.. ويؤكدون: بهجة لقلوب صغيرة    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    وصلت بطعنات نافذة.. إنقاذ مريضة من الموت المحقق بمستشفى جامعة القناة    بدائل متاحة «على أد الإيد»| «ساندوتش المدرسة».. بسعر أقل وفائدة أكثر    وزير الخارجية يؤكد حرص مصر على وحدة السودان وسلامته الإقليمية    ضائقة مادية.. توقعات برج الحمل اليوم 21 سبتمبر 2024    وزير الثقافة بافتتاح ملتقى «أولادنا» لفنون ذوي القدرات الخاصة: سندعم المبدعين    أول ظهور لأحمد سعد وعلياء بسيوني معًا من حفل زفاف نجل بسمة وهبة    مستشفى قنا العام تسجل "صفر" فى قوائم انتظار القسطرة القلبية لأول مرة    عمرو أديب يطالب الحكومة بالكشف عن أسباب المرض الغامض في أسوان    تعليم الإسكندرية يشارك في حفل تخرج الدفعة 54 بكلية التربية    تعليم الفيوم ينهي استعداداته لاستقبال رياض أطفال المحافظة.. صور    أخبار × 24 ساعة.. انطلاق فعاليات ملتقى فنون ذوي القدرات الخاصة    ريم البارودي تنسحب من مسلسل «جوما» بطولة ميرفت أمين (تفاصيل)    انقطاع الكهرباء عن مدينة جمصة 5 ساعات بسبب أعمال صيانه اليوم    أكثر شيوعًا لدى كبار السن، أسباب وأعراض إعتام عدسة العين    أوقاف الفيوم تفتتح أربعة مساجد اليوم الجمعة بعد الإحلال والتجديد    آية الكرسي: درع الحماية اليومي وفضل قراءتها في الصباح والمساء    الإفتاء: مشاهدة مقاطع قراءة القرآن الكريم مصحوبة بالموسيقى أو الترويج لها محرم شرعا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع المناضل «قاسم عليوة».. بطل حرب الاستنزاف وثورة يناير
نشر في الجريدة يوم 27 - 11 - 2011


كتب أحمد سراج
«ما من حرب نشبت على أرض الوطن منذ النصف الثانى للقرن العشرين إلا شاركت فيها»
كمن يبدع وطنًا يتحرك قاسم مسعد عليوة أو صقر بورسعيد فجر الكثير من القضايا من بينها قضية تمثال ديلسبس، اشترك في العمل الثقافي مبدعًا ومؤسسيا وصانعًا لأفق جديد، ولد في بورسعيد و ما زال يقيم فيها، حصل على ماجستير إدارة أعمال، ويكتب القصة والمسرحية، وعضو مؤسس لحركة من هنا الأدبية، وعضو لجنة الدراسات الأدبية واللغوية بالمجلس الأعلى للثقافة، ورئيس المجلس الاستشارى الثقافى لمحافظة بورسعيد وعضو نادى القصة بالقاهرة. له من المجموعات القصصية «الضحك» و«تنويعات بحرية» و«صخرة التأمل» و«حدود الاستطاعة» و«غير المألوف» و«خبرات أنثوية» و«لا تبحثوا عن عنوان.. إنها الحرب"، يشارك في ثورة الغضب حتى الآن جسدًا وروحًا وإبداعًا؛ إذ يعد كتابًا عن ما يستحق التأريخ، لنطف معه في هذا الحوار.
قاسم مسعد عليوة عمر من الثورات والحروب... كيف ترى ذلك؟
بدأت حياتى بثورة واختتمت بثورة.
بدأت وأنا فى السابعة من عمرى بثورة 23 يوليو 1952م. وها أنذا وقد ناهزتُ السابعة والستين منه أنعم بمعايشة ثورة 25 يناير 2011 م والمشاركة فيها.
كنت أقول قبل ثورة 25 يناير بأننى واحد من جيل دفع ضريبة المواطنة كأبهظ ما يكون؛ فقد عشت وشاركت فى حروب 1956م، 1967م، حرب الاستنزاف، وحرب 1973م. ما من حرب نشبت على أرض الوطن منذ النصف الثانى للقرن العشرين إلا شاركت فيها سواء بالزى العسكرى أو بالزى المدنى؛ وعرفت طريق الاعتقال السياسى فى عهد السادات، وما أكثر المطاردات وصور المحاصرة والتضييق التى تعرضت لها فى عهد مبارك.
قاسم مع أبطال حرب الاستنزاف
الحروب ليست عسكرية فقط وإنما هى أيضاً مدنية، ولعل الحروب المدنية أقسى وأعنف، فالنكال فيها شديد لأنه يأتى من بنى جلدتك، لذا أنا سعيد بثورة 25 يناير مستبشر بها خيراً ومتفائل على الرغم من أنهار الدم المسفوح فى ميدان التحرير وميادين العواصم المصرية، وبالرغم من كل ما يدبر لها. سعيد لأنها ثورة شعبية حقيقية وليست كتلك الثورات المزيفة التى عمدت سلطات السادات ومبارك إلى فرضها على الشعب تزييفاً وفرضاً كثورة التصحيح (ثورة 1971م.) مثلاً والثورة الإدارية والثورة الخضراء وليت شيئاً قد تحقق من الثورتين الأخيرتين غير الوبال وسوء المآل.
الأدب والثقافة كانا هما المدخلين اللذين أوصلانى إلى عالم السياسة، وكانا طوقى نجاتى من مخاطر الغرق فى خضم السفاسف التى تزحم الحياة من حولنا.. وهما أيضاً اللذان أدخلانى دنيا العمل النقابى، وكشفا لى مدى الخراب الذى حاق بالهياكل التنظيمية للنقابات المصرية، والعفن اللابد فى كل درجة من درجات هذه الهياكل. لا أستنثنى من ذلك النقابات العمالية أو النقابات المهنية، فقد اكتشفت أنه على قدر ما تعرب السلطة عن كراهيتها لك لأنك تأبى حمل المبخرة ولا تغريك جزرتها ولا يسيل لعابك لسكرها المر، بقدر ما يلتف حولك الناس. الناس الضاجة من الظلم ومن الفساد والاستبداد. يلتفون حولك ويمنحونك حبهم وتأييدهم.
هؤلاء هم الذين أوصلونى إلى مجلس إدارة اللجنة النقابية للعاملين بمحافظة بورسعيد وأحيائها السبعة لثلاثة دورات، وأوصولونى لعضوية النقابة العامة للخدمات الإدارية والاجتماعية، ونقابة التجاريين؛ وهم كذلك الذين أوصلونى إلى عضوية اللجنة المركزية لحزب التجمع المعارض فى عنفوان التضاد مع السلطة، وهم أيضاً الذين دفعوا بى إلى عضوية مجلس اتحاد كتاب مصر لثلاث دورات متتابعة. هل تعرف أن واحداً من أسباب اعتقالى فى العام 1974م. مع آخرين كان الدعوة إلى إنشاء اتحاد وطنى ديموقراطى مستقل للأدباء والكتاب، وأن السلطة السياسية لما استشعرت وقتها خطورة هذه الدعوة التفت حولها ونحن قيد الاعتقال وأنشأت فى العام 1975م. الاتحاد بقانون يربطه بعجلة السلطة برباط شديد الوثاقة وراعت أن تمرر هذا القانون دون أن تستمع إلى آراء الأدباء فيه؟
السعادة والخوف والاستبشار خليط من مشاعر تصاحبنى منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011م. سعيد لأن مكابداتى ومكابدات جيلى لم تذهب هباء. خائف من نتائج ضيق الأفق لدى البعض ممن يسعون إلى سرقة الثورة لتحقيق مكاسب على حساب الشعب المصر كله، ومسبشر خيراً على مستقبل مصر.. على المدى البعيد.
كيف تنظر إلى بورسعيد؟
بورسعيد أمي التي منحتني كل شيء، فهى تقع فى مكان عبقرى بكل المقاييس، فيها ولدتُ وبها عشتُ وأتمنى، على الرغم من التشوهات التى حاقت بها، أن أدفن فيها، وأتاح لى العيش فى هذه المدينة الارتكاز بساق على قارة أفريقيا، وبالأخرى على قارة آسيا، مثلما وفر لى التوجه بصدرى ناحية القارة الأوروبية، وأسفل منى امتد أشهر ممر ملاحى فى العالم ومرت البواخر التى تأتى بالخير أحياناً وبالدمار والخراب أحايين أخرى، وقد ظهر هذا فى أعمالى الأدبية على إطلاقها، يجد القارئ البحر والبحيرة والقناة، ويجد الحروب والنضال الوطنى، والسياسة وتبدلاتها، وألخص تجربتى فى 3 كلمات هى: البحر، الحرب، الحب.
لو طلبت منك أن تعرف القارئ بنفسك، فماذا تقول؟
أقول إن من أصعب الأمور أن يَعرف المرء نفسه، فكيف به يُعرِّف بها غيره؟.. وعلى العموم، ومن قبيل المحاولة أقول باختصار إننى أديب عرف طريقه إلى السياسة، اهتماماته الثقافية قادته إلى السجن فى عهد السادات ومن بين أسباب سجنه الدعوة إلى إنشاء اتحاد وطنى ديموقراطى مستقل للكتاب والأدباء، وحياتى تتلخص فى كلمات ثلاث هى: البحر، الحرب، والحب؛ وكل كلمة من هذه الكلمات الثلاث ثحتاج إلى مساحات تضيق عنها المساحة المحددة لهذا الحوار. ويبقى أن أقول بأننى أومن بأن الحياة جميلة رائعة، وتكون أجمل لو خلت من مظاهر الظلم والعوز والدمامة.
ما الذي أعاد المصريين إلى الميدان؟
بداية أوضح أن ما حدث ويحدث منذ السبت 19 نوفمبر 2011م. فى ميدان التحرير القاهرى وميادين عواصم المحافظات لا يعنى بأية حال من الأحوال أن الثورة قد ماتت لتبعث أو أنها توقفت لتعود، فهى فى تفاعل دائم وتنام مستمر. كل ما هنالك أنها أعطت المجلس العسكرى الأعلى فرصاً ليُنفذ وعوده باتجاه تحقيق أهدافها من حرية وكرامة وعدالة اجتماعية، وباتجاه جعل مدنية الدولة أمراً واقعاً، فإذا به يُدخل مصر كلها، عبر سلسلة من الأخطاء والمماطلات، فى دوامات متلاحقة أثارت شكوكاً متلاطمة حول حقيقة نواياه؛ ومع أن الكثيرين ظنوا بأن نظام مبارك قد انتهى فإن ممارسات المجلس العسكرى أعطت الإيحاء، بل أثبتت، أن مبارك مازال يحكم البلاد، فالأساليب هى نفس الأساليب، وأغلب معاونيه مازالوا نافذين فى مواقع اتخاذ القرار، والحرية التى تحققت بعد الثورة سُلبت بالقتل والضرب والاعتقالات والمحاكمات العسكرية للمدنيين من الثوار، والكرامة انتهكت، والعدالة الاجتماعية ضاعت؛ ورأى الشعب المصرى، الذى توقع تلبية احتياجاته الأساسية، صوراً فجة من الانحياز لمتوحشى الطبقة الرأسمالية، فلم تُضبط آلة السوق، ولم تفرض الضرائب التصاعدية على رجال الأعمال، ولم تسترد الأراضى والأموال المنهوبة. كل هذا وغيره أشعر الثوار بالإحباط بعد نفاد مخزونهم من الصبر، فكان النزول إلى الميادين بعد آماد من الانتظار والتسويف والمماطلة.
ما تقييمك للمجلس العسكرى فى المرحلة الحالية؟
رفع االثوار شعار "الشعب والجيش إيد واحدة"، فحظى المجلس العسكرى الأعلى باعتباره القيادة العليا للجيش بشرعيه الوجود، وشرعية الوجود غير شرعية التشريع، فهى شرعية إلى التنفيذ أقرب. هذا يعنى أنه يلزم بالضرورة حصول قراراته ذات الصبغة التشريعية على رضا الثوار عنها، ولن تكتسب هذا الرضا ما لم تعبر عن ارادة الناس وتحقق مصالحهم وتشبع احتياجاتهم، وهذا ما يقرره ميدان التحرير بصفته المعبر عن كل الميادين المصرية، ولا حجية للزعم بأن الميدان غامض التنظيم مفتقد للقيادة، فللميدان تنظيمه وله قيادته المعروفة للمجلس ذاته.
إن تأصل جينات نظام مبارك فى المجلس العسكرى الأعلى يعلن عن نفسه فى أكثر من صورة، منها على سبيل المثال جمعه بين كل السلطات، فهو المشرع وهو المنفذ، ومع التشريع والتنفيذ عظَّم من دور القضاء العسكرى؛ ومنها تدخلاته فى مسالك وقرارات الحكومة، وقد أجهد بهذه التدخلات حكومة عصام شرف وأفشلها؛ ومنها كذلك توسعاته فى سياسة الاعتقالات، ومحاولاته لتكوين فصيل شعبى مؤيد له من الأغلبية الصامته أو تلك التى اكتسبت وصف (حزب الكنبة) لمواجهة الثوار، وهى محاولات تنذر إن زادت على ما هى عليه الآن بالسير على نفس الطريق الدامية التى سارت عليها كل من اليمن وسوريا، وقى الله مصر شرور هذا الطريق ومأساويته.
لقد هتف الثوار، ومعهم جماهير الشعب، للجيش ولم يهتفوا لمجلسه الأعلى. هتفوا له لأنهم قدروا له موقفه الإيجابى حيال الثورة، بعدم وقوفه منها موقف شرطة حبيب العادلى التى أتت على الأخضر واليابس فى منظومة الأمن المصرى، وهذه هى موضوعية الثوار وحساسياتهم لكل فعل نبيل، لكن المجلس العسكرى لم يقابل تقدير الشعب بتقدير مماثل؛ واعتاد الشعب ألا يستجيب المجلس لأى مطلب إلا بعد ضغط كبير، وبمظاهرة مليونية، يسقط فيها شهداء وجرحى؛ وليت هذه المطالب كانت مطالب رئيسية، وإنما هى مطالب فرعية نجح المجلس فى شغل الثوار بها كإقالة حكومة أحمد شفيق، وعلانية محاكمة مبارك، والإفراج عن المدنيين المعتقلين وعدم محاكمتهم أمام القضاء العسكرى.
لقد تربى أعضاء المجلس العسكرى بصورته الحالية فى كنف نظام مبارك، واكتسب صفاته ومن أهمها العناد، ووضع نفسه فى موقف المواجهه للثورة لا الداعم لها؛ ويسر ببطئه على الأقل تهريب ثروات البلاد، وأتاح للمفسدين وناهبى هذه الثروات ترتيب أوراقهم وتبديد أدخنة الحرائق التى أشعلوها فى المستندات التى تثبت جرائمهم؛ ومع كل هذا مازال قانون الطوارئ الذى كان إلغاؤه أحد المطالب الرئيسية لثورة 25 يناير معمولاً به؛ ومن أبرز صور عناد المجلس عدم استجابته، منذ بداية توليه أمور البلاد، لمطلب الثوار بتشكيل المجلس الرئاسى الوطنى مع أن هذا المجلس كما طرحت فكرته يضم ممثلاً للمؤسسة العسكرية.
نعم هو كرر ويكرر أنه غير طامح للحكم، وأنه سيسلم مقاليد الحكم للمدنيين، حدد مهلة لذلك ستة أشهر، ومضت المهلة ولم يسلم السلطة، وهناك للأسف من يسأل"ولمن يسلم المجلس العسكرى السلطة؟"، إنه نفس السؤال الذى لطالما تكرر أيام مبارك "وإذا ترك مبارك السلطة فلمن؟". كأن مصر العظيمة قد عقمت، وكأنه من المستحيل تشكيل مجلس رئاسى وطنى يتولى شئون البلاد بصفة مؤقتة. أما قول رئيس المجلس العسكرى فى بيانه "إن القوات المسلحة على استعداد تام لتسليم السلطة، والعودة إلى مهامها الأساسية إذا أراد الشعب ذلك من خلال استفتاء رسمى"، فهو قول غير مسئول، إذ إن الهتافات فى ميدان التحرير، وفى جميع الميادين المصرية، تصرخ مطالبة برحيل المجلس العسكرى، وتسليمه السلطة فورا، ومن ظريف التعليقات الشعبية حول هذا الموقف من المشير "طلاق المتجوزة عرفى بيتم من غير مأذون". ونتيجة تلقيه استشارات خاطئة، راوغ المجلس حتى لا يتحقق هذا التسليم إلا بعد الانتخابات التشريعية التى لا تُعرف بالضبط نتائجها، وإن كانت ارهاصاتها تنبئ بما تُخشى عواقبه بسبب ترسيخ خطأ متعمد، أو غير متعمد، أدى إلى تأجيل صياغة الدستور المصرى الجديد إلى ما بعد هذه الانتخابات مع ان العلوم السياسية تؤكد ضرورة بل حتمية إجراء هذه الانتخابات فى ظل دستور تصوغه جموع الشعب عبر الأساليب الدستورية المعروفة. وهذا خطأ قاتل لم يسامح الشعب ولا التاريخ اقتراف هذا المجلس له.
هل ما زال نظام مبارك يحكم؟
نعم مازال الكابوس حاضراً، فعلى الرغم من نجاح الشعب فى إزاحة مبارك إلا أن نظام مبارك لم يزح بعد، فما زالت مفاهيمه وإجراءاته وسياساته وقوانينه وخططه وهياكله التنظيمية وأذرعه ورموزه وذيوله باقية للآن. الثورة تجب ما قبلها، لكن مازال فى الساحة من يتشبثون بالماضى البغيض إما للدفاع عن أمانهم ومصالحهم الشخصية البحتة، وأغلب هؤلاء من المستبدين الفاسدين، وإما بتأثير الخوف من الغموض الذى يحف بمستقبل الثورة، وعماد هؤلاء المنتمين إلى الأغلبية الصامتة، وأدلتى على استمرار النظام البائد متعددة منها:
* لم يتضمن الحكم الصادر بحل الحزب الوطنى حظر ممارسة أعضائه للعمل السياسى أوترشيحهم لجميع المناصب، ومن ثم كان طبيعياً أن تصدر الإدارية العليا بعد ذلك حكماً بعودة فلول هذا الحزب إلى الساحة السياسية والانتخابات التشريعية.
* ومع أن قانون العزل السياسى صدر مؤخراً، بعد مليونية قدم الشعب خلالها تضحيات كثيرة، فإنه جاء فى صورة لوغاريتمية تبطئ من تطبيقه فى الواقع العملى.
* قتلة الثوار من ضباط وجنود داخلية نظام مبارك لم تنجز محاكماتهم بعد، بل إن منهم من عاد إلى ممارسة العمل بذات الجهاز وبذات الرتبة وفى ذات الوظيفة.
* كوادر مبارك ونظامه لاتزال متغلغلة فى المؤسسات العامة والخاصة ومستولية على الإدارة المحلية وبعض الدوائر القضائية، وللآن لم يصدر قانون استقلال القضاء، ومازال الفصل بين السلطات الثلاث غير قائم.
* مازالت الوجوه، التى زيف بها نظام مبارك الوعى العام عبر منابر الإعلام، تمارس نفس التزييف عبر ذات المنابر بعد الثورة.
* لا يأتى المجلس العسكرى بغير المنتمين لنظام مبارك ولحزبه الوطنى لرئاسة مجلس الوزراء واختيار أعضائه، فإن كان أحمد شفيق قد تولى شئون وزارته بتكليف من مبارك، فقد أبقى المجلس على هذه الوزارة ولم تقلها سوى مظاهرات الشعب الرافضة، وعصام شرف الذى جاء من الميدان واعتمده المجلس كان عضو لجنة السياسات فى الحزب الوطنى ووزيراً فى إحدى حكوماته وإن اختلف مع أحمد نظيف رئيس المجلس الذى ضمهإلى وزارته، ثم ها هو يأتى بكمال الجنزورة وهو واحد من أركان نظام مبارك، كان فيه محافظاً ووزيراً ورئيساً للوزراء، ليشكل الوزارة التى تبعت سقوط وزارة عصام شرف.
* بلطجية داخلية مبارك، هم بلطجية داخلية حكومات ما بعد الثورة.
لماذا تتصرف الحركات السياسية الكبرى عكس رغبة الشارع؟
هذا السؤال ليس صحيحاً على إطلاقه. واسمح لى.. سأذكر بعض وقائع تثبت صحة ما أقول من خلال تجربتى المحلية ببورسعيد؛ وأعلم أن محافظات أخرى، منها القاهرة، شهدت وقائع مماثلة لها، وإن اختلفت من بعض الوجوه، ففى بورسعيد شاركتْ الحركات اليسارية والليبرالية ممثلة فى أحزاب: التجمع والناصرى والوفد والجبهة والغد فى التحضير لثورة 25 يناير إعداداً وتخطيطاً قبل قيامها، ولم تقف هذه المشاركة عند حد إيفاد المندوبين والكوادر، وإنما تعدتها إلى توفير المقار الحزبية لها، وإلى المشاركة الفعلية فى المظاهرات من أول دقيقة حتى الآن؛ لكن لا يعنى هذا أن الأحزاب هى صاحبة الفكرة، فالشباب هم أصحابها بالكيفية التى خرجت بها.
ومن الإجحاف تجاهل فعل قانون التراكم، وتأثيرالنضالات الميدانية لهذه الأحزاب وأدبياتها على أفكار من أشعلوا نيران الثورة، وقد تبدى هذا واضحاً فى شعارات الثورة وهتافاتها خصوصاً فى أيامها الأولى، كما تبدى فى مطالبها خصوصاً تلك المتصلة بمطلب تحقيق العدالة الاجتماعية.
لكن حدث أن بعض القيادات الحزبية ظل واقعاً تحت شروط العمل السياسى التى اعتادها فى العهد البائد. ونسى أن الاحزاب السياسية اصبحت تمتلك بعد الثورة حرية حقيقية لا حرية مقيدة، واتسعت أمامها حرية الحركة التنظيمية والاعلامية وحرية العمل الجماهيري بشكل لم يكن موجودا قبل الثورة. نسى هذا البعض أن الشباب الذى كان عازفاً عن المشاركة السياسية فى النظام البائد أصبح هو عماد الحركة السياسية بعد الثورة. هذا البعض من قيادات الأحزاب التى كانت قائمة قبل الثورة ألحق أبلغ الضرر بالجهد الكبير الذى بذلته كوادر هذه الأحزاب فى التخطيط للثورة وإشعال فتائلها بل وقيادتها لفترات غير يسيرة.
واسمح لى بتمثيل الحزب الكبير بالسيارة الكبيرة، يمكنها أن تشغل حيزاً كبيراً فى الشارع السياسى، لكنها لا تقدر على المرور من الأزقة والحارات التى تمرق من منها ترسيكلات الأحزاب الصغيرة بيسر وسهولة.
ولا أحسب أن حركة سياسية كبيرة كانت أم صغيرة، تزعم بأنها تنتمى للشعب أو تعبر عنه، يمكنها أن تتصرف عكس رغبة الشارع السياسى، لكننى أشاهد تيارات سياسية يحاول كل منها البروز والظهور والسيطرة على حساب غيره من التيارات، وفلول النظام البائد تشجع هذا بل ترتجيه.
كيف ترى العلاقة بين الإخوان والمجلس؛ صفقة أم صداقة أم ماذا؟
أراها نوعاً من خطب الود الحذر؛ ولا شك فى أن تمتع جماعة الأخوان المسلمين بالتنظيم العالى، والقدرات المالية السخية، والخبرات التاريخية التى اكتسبتها منذ تأسيسها عام 1928م. قد هيأ لها بعد سقوط مبارك مميزات غير هينة فى الشارع السياسى. من هذه المميزات اكتساب أعضائها ليونة وعصرية تفوق بمراحل ماعليه السلفيون الذين لم يتأقلموا أو يتفاعلوا مع سائر المتغيرات الداخلية والخارجية، لأنهم ببساطة ظلوا بعيدين عن العمل السياسى، الأمر الذى جعل من هؤلاء السلفيين حتى مع الخلاف السافر بينهما احتياطياً استراتيجياً للأخوان ومعهم التيارات المتفرعة كالجماعة الإسلامية.
وقد مكنت هذه المميزات جماعة الأخوان المسلمين من الضغط على المجلس العسكرى بصور وأشكال شتى، منها خطب الود ، ساعدهم على هذا الاختلاف بين أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة عام 2011م. ومجلس قيادة الثورة عام 1952م، فأعضاء المجلس الحالى شيوخ وكهول، بينما أعضاء مجلس قيادة الثورة كانو شباباً متقدو الطاقة.
ومن أساليب خطب الود تخلف الجماعة عن المشاركة فى عدة اعتصامات نظمت ضد المجلس العسكرى، لكنها ما لبثت أن أظهرت له عينها الحمراء عندما اشتمت فى المجلس ميلاً لوثيقة المبادئ فوق الدستورية، وهددته بمليونية ضد التعديلات الدستورية التي أرادها المجلس خاصة تلك التى تحمى الجيش من المحاسبة وتجعله خارج سيطرة الحكومات المنتخبة.
لقد تمت تفاهمات بين المجلس والأخوان فى غير موقف، من أهمها إجراء انتخابات عاجلة قبل تمكين القوى الثورية الشابة من تكوين أحزابها وتكتلاتها ومخاطبة الشارع السياسى على أساس منها، وكان هذا التفاهم والخطوة الإجرائية التى ترجمته إلى واقع فعلى، وهى تلك المتمثلة فى إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذى أجرى فى 19 مارس 2011م. فى ظروف وأجواء سيطر عليها الأخوان والسلفيون، الذين غزوا صناديق الاستفتاء غزواً، هو أول الأخطاء التى ارتكبها المجلس فى حق الثوار لأنه هيأ لسراق الثورة سبل السرقة، وأضفى على هذه السرقة الشرعية التى يطلبها السارقون. فى المقابل دعم الأخوان المجلس وحكومته الانتقالية ضد شباب الثورة فى احتجاجاتهم ضد محاكمة مفسدى الحياة السياسية فى نظام مبارك.
ومع هذا فهناك عدم ثقة متبادل بين المجلس العسكرى وجماعة الأخوان، فالمجلس يخشى إن تولت الجماعة الحكم أن تستهدف سرية الميزانيات العسكرية، وتعمد إلى السيطرة على وزارة الدفاع، وعلى بعض الصناعات الرئيسية لم تكن تخضع لأية رقابة برلمانية من قبل. لذا كان اتجاه المجلس إلى وضع مبادئ تجعل الجيش بعيداً عن الرقابة المحتملة، وتكبح جماح الجماعة ومن يسير فى ركابها أو يوزايها الخطو من القوى الإسلامية، فكانت الهبة الأخوانية وكانت معارضتها الشديدة بمليونية الجمعة 18 نوفمبر 2011م. تلك التى تبعتها أحداث السبت الدامى 19 نوفمبر 2011م. وما تلاه من أيام، وكان دافع جماعة الأخوان إلى تنظيم مليونيتها موافقة قوى سياسية أخرى من أهمها الوفد والتجمع على وثيقة المبادئ فوق الدستورية، ووجدت الجماعة أن الوثيقة ستحد من نفوذ الجماعة وهيمنتها على عملية صياغة الدستور الجديد باعتبار أنها تضمن النجاح فى الانتخابات البرلمانية.
ومن دلائل انعدام الثقة أيضاً ضغط الجماعة مع فصائل سياسية أخرى من أجل السماح للأحزاب بالمنافسة على المقاعد الفردية كى تضمن الجماعة لحزبها (الحرية والعدالة) ذى الأغلبية المظنونة بالحصول على أكبر عدد من المقاعد؛ وزادت هذه الدلائل بضرب الأخوان ل"التحالف الوطنى الديموقراطى من أجل مصر" واستئثاره بقوائم تخصه وحده بعد خلاف له مع الوفد وإزاحته للأحزاب الإسلامية الصغيرة الأمر الذى أظهر أنياب وبراثن الأخوان وأكد المخاوف لدى المجلس العسكرى، خصوصاً بعدما رفعت الجماعة نسبة منافستها على مقاعد مجلس الشعب من 50% كما سبق أن أعلنت إلى 77% كما أثبتتها طلبات الترشيح.
نريد نقطة ثابتة في هذا الفراغ ... ما هي في رأيك؟
المشهد السياسى ليس فارغاً البتة، فهو محتشد إلى حد التزاحم والتلاطم بالمتغيرات العشوائية التى تموج بالحركات المتعاكسة تارة أولى، المتساوقة تارة ثانية، المتذبذبة تارة ثالثة، لكن من بين هذه الفوضى تبرز مصر الواثقة من أن كل ما يحيط بها من متغيرات تلتطمها الفوضى سوف يرتضى بالانتظام فى فلكها. هذا هو رأيى الذى يصل إلى حد اليقين.
ما دوركم فيما يحدث الآن عبر (حركة نحن هنا) وعبر الشارع؟
ولدت حركة (نحن هنا) الأدبية من قلب ثورة 25 يناير، فالأدباء الذين تنبأوا بها وأعدوا لها وشاركوا فيها، ما كان لهم أبداً أن يتقاعسوا على مواصلة مسيرتهم معها، أو أن يتخاذلوا عن حمايتها، أو يسمحوا بإطفاء شعلتها، خصوصاً أنهم وجدوا الأوضاع فى المجتمع الأدبى بعد الثورة هى نفسها التى كانت موجودة قبلها إن لم تكن قد اتجهت إلى الأسوأ، فالسدنة كما هم، بشخوصهم وسياساتهم وأداواتهم، ولحق بهم بكل أسف منافقون وإمعات ولابسو أقنعة ممن يستعجلون جنى ثمرات الثورة بأسرع ما يكون الجنى، واستمرت بعد الثورة نفس مسلسلات الوأد والقمع والإقصاء والإزاحة والتهميش؛ لذا نشأت الحركة ونصب أعين مؤسسيها دعم الاتجاه الثورى فى المجتمع الأدبى باعتبارالأدباء أصحاب رسالة تستهدف رقى المجتمع وتقدمه؛ وحددت الحركة ثمانية أهداف ضمنتها بيانها التأسيسى ملخصها: تفعيل الاتصال الأدبى مع الجمهور العام بالخروج إليه فى أماكن تجمعه، مناهضة تيارات التسطيح والتجهيل والجمود والتعصب والردة، فضح صور الزيف وآليات الخداع فى المجتمع الأدبى، مقاومى الفساد وملاحقة المفسدين، فتح آفاق إبداعية ونقدية متوافقة مع واقع الثورة،الضغط على السلطة السياسية لوضع استراتيجية ثقافية سليمة، منطوية على خطط رشيدة، وبرامج تنفيذية قابلة للتطبيق العملى، يعتنى فيها بالأدب والأدباء، وأخيراً الارتقاء بالأوضاع الصحية والاجتماعية للأدباء، وتفعيل صندوق الرعاية التابع لوزارة الثقافة المنشأ يالقانون رقم 126 لسنة 1964م. بما يتواءم مع الظروف الراهنة ويكفل المحافظة على كرامة الأدباء.
وغير البيان التأسيسى أصدرنا ثلاثة بيانات أخرى متصلة بالشارع المصرى الموار بالحركة وبالمخاطر، أدلت الحركة من خلالها بوجهات نظرها فى أحداث ماسبيرو، وانتخابات مجلس الشعب، والفواجع التى شهدها ميدان التحرير بالقاهرة وعدد من ميادين العواصم المصرية يوم السبت الدامى وما تلاه من أيام؛ ولم يقف نشاط الحركة عند حدود إصدار البيانات، فما البيان إلا أداة من أدوات، فنظمت الحركة حملة تستهدف محاسبة المرشحين لعضوية مجلس الشعب الذين خلت برامجهم ودعاياتهم من الاهتمام بشئون الثقافة والآداب والفنون، وعقدت لقاءات مع الأدباء فى أماكن وجودهم: الإسماعيلية والأسكندرية والسنبلاوين، وقبل طباعة هذا الحوار تكون الحركة فى مدينة التل الكبير، وأنشأت صفحة تجريبية تحمل اسمها بشبكة الإنترنت، وهى صفحة تجربيبة لقياس تأثير الحركة، ومؤشراتها فى تحسن متصاعد إذ وصل عدد المشتركين فيها خلال أيام معدودة إلى 311 مشتركاً غير الأعضاء المؤسسين من غير المتعاملين مع شبكة المعلومات الدولية.
هل أنت مع إجراء الانتخابات الآن؟
أقولها لك بصراحة، منذ المناقشات التى كانت دائرة قبيل طرح التعديلات الدستورية فى مارس 2011م. وأنا ضد التعجيل بالانتخابات لأننى رأيت فى التعجيل بها حرمان شباب الثورة من فرص المشاركة الحقيقية فى صنع القرار السياسى وإدارة شئون البلاد تشريعاً ورقابة، ولأن التعجيل يحول بينهم وبين تشكيل أحزابهم وتكتلاتهم ويصادر حقهم فى مخاطبة الشعب المنتشر فى الأرجاء المصرية شاملها وجنوبها، شرقها وغربها. والآن، وبيننا وبين موعد الانتخابات ساعات معدودة، فإنه تنتابنى شكوك حول هذه الانتخابات واحتمالات سيرها سيراً آمناً نزيهاً، فرفض المجلس الأعلى للقوات المسلحة فكرة الرقابة الدولية على الانتخابات مثير للتساؤلات بحق، وكان يمكن للمجلس أن يوافق على هذه الرقابة بشروط تمنع المساس بالسيادة المصرية، لاسيما أن مصر شاركت فى الرقابة على الانتخابات فى عدد من الدول، أى أنها تقبل بالأساس الرقابة الدولية على الانتخابات باعتبارها مبدأ معترفاً به وعلامة من علامات الشفافية.
لكننى وعلى الرغم من هذا الموقف، وتلك المخاوف، أرى أنه من واجب كل صاحب رأى تقدمى أن يحرص على الإدلاء بصوته إن أجريت الانتخابات فى الموعد المحدد لمرحلتها الأولى وهو يوم 28 نوفمبر 2011م. هذا اليوم الذى مُد إلى يومين لا أعرف كيف ستؤمن فيهما الصناديق الانتخابية، حتى لا تنفرد القوى الأخرى بالصناديق.
ما روشتة العلاج للعلاقة السيئة بين شرطة الفرعون وشعب الثورة؟
العلاج الجذرى غير متوفرة شروطه فى الوقت الراهن، لأنه يتطلب وقتاً طويلاً يتناسب وحجم التراكمات ومداها الزمنى، لاسيما أن خطايا الشرطة فى العهد الجائر من الكثرة والعظم بحيث لا تفلح معها الوصفات السريعة ولا العلاجات السطحية، وبعد الثورة أخذت هذه الممارسات فى التعاظم من حين لآخر؛ ولا تنقطع منذ جريمة العادلى وقادته ومعاونيه، أحاديث المصالحة بين الشعب والشرطة؛ وعلى الرغم من أن الشعب سرعان ما يعلن عن رضائه لمَّا تقوم الشرطة بضبط الأمن فى مسلك يبدر منها هنا أو هناك، فإن يد الشرطة الباطشة سرعان ما تمتد لتنكل بالأبرياء العزل فيزداد السخط الشعبى ويتراكم ويتفجر فى مواجهات جد دامية.
إن أسباب الفشل فى إصلاح العلاقة بين الشعب والشرطة غير قليلة، فما زالت الشرطة على عنجهيتها التى اتخذتها أسلوباً للتعبير عن وجودها؛ ومازالت مفردات قاموس العنجهية والتعالى مفروضاً على من يتعاملون مع أفرادها فى العمل، أو فى غير العمل، فلا بد من مفردة "الباشا"، ويا لها من مفردة مقيتة، لمن يخاطب ضابط الشرطة من أدنى رتبه إلى أعلى رتبة، وامتد هذا البروتوكول إلى التعامل مع صف الضباط والجنود رسميين كانوا أم غير رسميين؛ وما زال الجانب الحقوقى غائب فى ممارسات الشرطة، والتعذيب والإهانة يمارسان على أغلب من يقعون بين براثنها، وتطهير الشرطة ممن أساءوا إلى الشعب لم يتم للآن بل إن منهم من تمت ترقيته ومكافأته؛ ولا ننسى أن الثورة قد أبانت أن البلطجية إنما يمثلون القوات الاحتياطية للشرطة.
العلاج الجذرى كما قلت يحتاج إلى وقت لأنه يتطلب بث ثقافة جديدة لدى كل العاملين فى أجهزة الشرطة، وتغيير فلسفة ومناهج التعليم التى يتلقاها الضباط والأمناء، وكذا فلسفة ومناهج التدريب لصف الضباط والجنود. أما على المدى القريب فالمشكلة الأساسية التى تعترى محاولة العلاج تتعلق بنقطة البدء؛ واعتقد أن العلاج الصحيح يبدأ أول ما يبدأ من اعتراف الشرطة بجرائمها وأخطائها فى حق الشعب، وتوقفها عن ترديد أنها الكيان الضعيف المهدد فى أمنه وأمن رجاله بسبب الهجوم المتواصل عليها من قبل فئات من الشعب. بعد ذلك لا بد من أمرين رئيسيين أولهما تظهير صفوف الشرطة ممن أجرموا فى حق الشعب والدمويين فيها من الضباط وصف الضباط والجنود، وتعيين دفعة من الحقوقيين والإداريين بعد إخضاعهم لدورات تدريبية مكثفة، ثانيهما علاج ظاهرة استئساد البلطجية سواء أولئك الذين تستخدمهم أو أولئك الذين يصفون حساباتهم الثأرية مع رجالها. بعد ذلك لابد من وضع برامج حقيقية لكوادرها تضمن إرساء عقيدة أمنية جديدة تناسب مرحلة الثورة ومبادئها، مثلما تضمن إقامة جسور التعاون مع الشعب فى العمل الأمنى التطوعى، على ألا يقتصر هذا على التنظيم المرورى وحده، فالمهام التى تقبل هذا التعاون كثيرة وأغلبها متصل بالشأن المدنى؛ ومن الضرورى بمكان الاهتمام بتحفيز العاملين بالشرطة أدبياً ومادياً لأداء أعمالهم على أكمل وجه بما فى ذلك زيادة الرواتب والأجور.
أجرى الحوار أحمد سراج


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.