حذَّر الملك عبد الله العالم من خطر الإرهاب ومغبة التراخى فى التصدى له. وحسنا فعل خادم الحرمين الشريفين، فأول ملف يجب أن يفتح هو مذهب الدولة السعودية، فالوهابية هى بذرة الجماعات الإرهابية الحديثة! منذ عهد الخلفاء الراشدين، والأمة غارقة فى صراع على السلطة. أنهار من الدماء تحت راية الإسلام رفعها الجميع، قاتل ومقتول. خلافة تقوم على أشلاء خلافة. حكم وراثى، شهد الفاسد والماجن والمجنون، يجزم كل منهم بأنه ما جاء إلا بأمر الله، يأتى بشيوخ يؤكدون «بما يدعُونه سُنة» أنه «هو بالذات»، يحكم بشرع الله، ويفتون بضرب رأس المُنكِر. فى سيرتهم لم نجد إلا قلة عاقلة، لم يترك لنا التاريخ إلا خمسة خلفاء راشدين! راية الدين.. والهوى سُلطة، المُعلَن إعلاء دين الله.. والفعل هزمه فى أرضه، تحويل دين الرحيم إلى دين قتل الرجال وسبى النساء. على مدار تاريخنا، فتاوى وتأويلات لم تسهم إلا فى التأسيس لصرح التطرف والإرهاب، وشرعنة الحاكم المستبد بأمر الله. وورث الفكر الوهابى كل ذلك ليفرخ لنا جماعات التكفير، لا ينافسه إلا الفكر القطبى. انطلق التحالف الوهابى فى القرن التاسع عشر. الشيخ والأمير، مبايعة متبادلة، السلطة للأول، مقابل نشر دعوة الثانى! أعلنوا الجهاد ضد الخليفة العثمانى، وشنوا الغزوات على بلاد المسلمين، فالكل لديهم مشركون يستحقون القتل! هم فقط أهل السنة الحقيقيون، الفرقة الناجية. فى مصر أيضا سعى للسلطة تحت لافتة الدين، تحالف السياسى «الإخوان» والدينى «السلفيين»، فهم وحدهم أهل السنة والجماعة. السُنة! الكل يتشدق بها ليبرر أفعاله، ينسبون ما شاؤوا من أقوال ومواقف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى جعلوا منه رجلا آخر غير الذى علمنا وحدثنا القرآن عنه. لم يهدد أولى محاولات بناء مصر الحديثة فى القرن التاسع عشر إلا الجماعات التكفيرية الوهابية، فرد محمد على بأول محاولة حقيقية فى التاريخ للتصدى لها. أرسل الجيوش لضربها، ولم يوقفه إلا تحالف القوى الاستعمارية ضده، وضرب جيشه. واليوم نقف على نفس الباب، لا يحول بيننا وبين التقدم إلا الجماعات التكفيرية، ولا يسعون إلا لضرب جيش مصر. يعيد التاريخ نفسه، ونحن أمام فرصتنا «الأخيرة» للحاق بركب الأمم الناهضة. من السعودية ومصر إذن انطلقت الأفكار التكفيرية، وعلى الدولتين مسؤولية التصدى لها. من الأزهر إصلاح دينى حقيقى، مراجعة لتاريخنا وموروثنا الفكرى، وتنقيته من كل ما هو غير إسلامى، من كل ما يتعارض مع القرآن، والسنة الحقيقية التى لا خلاف عليها ولا شبهة بها. إصلاح دينى يدين كل فعل شائن تم «على مدار تاريخنا» باسم الإسلام وهو ضده. نعيد إلى الدين مكانته، وموقعه الروحى والأخلاقى، لقد هجرنا القرآن إلى الأحاديث، ثم هجرنا الاثنين إلى أقوال الشيوخ قدامى ومعاصرين، حتى أصبح كل جاهل مفسرا ومفتيا وراويا للسيرة. على السعودية مراجعة دعمها الفكرى والمادى للوهابية. يا خادم الحرمين الشريفين، يقولون إن معظم شبابكم يؤيدون «داعش»، وإن حوائط مدارسكم وطرقكم تتزين بعبارات التأييد لهم، ويُمول إعلامهم من ثرواتكم. فهل تشرعون فى مراجعة جذرية للفكر الذى قدم إلينا كل هذا العنف والكره والخراب؟ أى إسلام تريدوننا أن نقدم لأطفالنا؟ دين الرحمة والمغفرة، خير ما أُخرج للناس؟ أم القتل والسبى وترويع الناس فى أرضهم؟ هل تتحركون أم نظل نبذر الإرهاب والتطرف والكراهية، ثم نتوجه إلى الغرب أن يتدخل لحمايتنا بجيوشه! ولا تنسوا.. جيوشهم تأتى لتبرك، ولا تترك وراءها إلا عراق المالكى و«داعش».. أو سوريا الأسد و«النصرة»!