لم يكن رد المحكمة الدستورية العليا مشروع قانون الانتخابات الرئاسية إلى حكومة الجنزورى والمجلس العسكرى لإعادة صياغة بعض المواد المتعارضة مع الإعلان الدستورى، الذى تم الاستفتاء عليه فى 19 مارس الماضى سوى حلقة جديدة من حلقات العبث السياسى الذى تشهده مصر حاليا، والذى يصفه الفقيه الدستورى الكبير المستشار إبراهيم درويش «بالعك السياسى الذى حول كل ما يتعلق بالحياة الدستورية فى مصر إلى عك فى عك». الدكتور إبراهيم درويش، الذى فجر فى تصريحات خاصة ل«التحرير» أمس مفاجأة بتأكيده أن بعض أعضاء المحكمة الدستورية العليا التى اعترضت على صياغة مواد مرسوم بمشروع قانون الانتخابات الرئاسية أول من أمس، هم مستشارو المجلس العسكرى أنفسهم الذين شاركوا فى إعداد ذلك المرسوم وصياغته قبل عرضه على المحكمة الدستورية. درويش أوضح أن عرض مشروع قانون الانتخابات الرئاسية على المحكمة الدستورية تم بشكل استثنائى، لأنها لا تنظر مشروعات القوانين، لكن الحالة الاستثنائية التى تم معها تعديل المادة 76 من دستور 71 فى 2005 من أجل إتمام عملية توريث الحكم، والتى أعيد تعديلها بعد استفتاء 19 مارس 2011 فى الإعلان الدستورى الصادر بتاريخ 30 مارس، مما استلزم معه إصدار مرسوم بقانون آخر لإجراء الانتخابات الرئاسية بدلا من قانون 174 لسنة 2005، ووفقا للمادة 28 التى وردت فى الإعلان الدستورى كان لزاما أن يعرض مشروع القانون على المحكمة الدستورية لترى إن كان فيه نص يخالف الإعلان الدستورى أم لا؟ بهدف ضبط إيقاع القانون مع الإعلان الدستورى، وعندما حدث ذلك وجدت المحكمة الدستورية أن بعض المسائل الإجرائية تتضمن ذات الكلمات التى تضمنها قانون 174 لانتخابات 2005، فأوضحت ملاحظاتها وأرسلتها إلى المجلس العسكرى لمراعاتها، ويجب على المجلس العسكرى الالتزام بتلك الملاحظات وإعادة ضبط مرسوم القانون المقترح. مفاجآت درويش امتدت إلى الدكتور عاطف البنا، الفقيه الدستورى، الذى تمت الاستعانة به فى لجنة المستشار طارق البشرى لوضع المواد الدستورية التى تم الاستفتاء عليها فى 19 مارس الماضى لتكون بمثابة إعلان دستورى للبلاد فى المرحلة الانتقالية قبل أن يضيف المجلس مواد أخرى للإعلان المستفتى عليه، حيث كشف المستشار عاطف البنا أنه لم يشارك فى وضع مرسوم القانون ولا يعلم عنه شيئا. البنا قال «إن ملاحظات (الدستورية العليا) لمنع تعارض مشروع القانون بالإعلان الدستورى مهم الأخذ بها، مثل إشراف اللجنة العليا للانتخابات على ضوابط إثبات حصول المرشح على النصاب الذى حددته المادة 37 من الإعلان الدستورى، وتوثيق تلك الاستمارة منها بدلا من قيام وزير العدل بذلك كما فى المشروع المقترح». الفقيه الدستورى أعرب عن استيائه تجاه ما وصفه ب«الشوشرة» المثارة حول كيفية اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، قائلا إن نص الإعلان الدستورى واضح فى هذا الشأن بتكليفه أعضاء مجلسى الشعب والشورى المنتخبين (نحو 700 عضو) بانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية، مما يعنى أننا انتخبنا الجمعية التأسيسية للدستور على درجتين، بينما ما حدث فى تونس هو تكليف أعضاء مجلس الشعب بوضع الدستور، حيث تمت الانتخابات لاختيار أعضاء يقومون بالمهمتين معا. المحكمة الدستورية العليا كانت قد أوردت عدة ملاحظات على مرسوم قانون انتخاب رئيس الجمهورية، منها فقرة المادة العاشرة بالمرسوم، التى تنص على مراعاة المواعيد المنصوص عليها فى الدستور للانتخابات دون الانتباه إلى أن الدستور ساقط من أساسه، كذلك المادة 5 التى تتيح قيام رئيس محكمة الاستئناف برئاسة لجنة انتخابات الرئاسة فى حال اعتذار رئيس المحكمة الدستورية عن ذلك، بدلا من اختيار أقدم نوابه، ومنها -أيضا- الإجراءات المتعلقة بإثبات حصول المرشح على النصاب المطلوب للترشيح من المؤيدين، سواء من المواطنين أو أعضاء مجلسى الشعب والشورى، حيث ينص مقترح القانون على أن توثيق استمارة التأييد الموثقة فى الشهر العقارى يتم عن طريق ضوابط يضعها وزير العدل، وهو ما يتعارض مع نص المادة 28 من الإعلان الدستورى، التى تكلف اللجنة العليا للانتخابات بوضع تلك الضوابط، فضلا عن غموض المستندات المطلوبة من مرشح الرئاسة وعدم وضع وسائل تضمن عدم التصويت أكثر من مرة فى مقترح القانون الذى أعده «العسكرى».