تمثل زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى موسكو الخطوة الأولى على طريق تغيير شبكة التحالفات الإقليمية والدولية والتى سوف تصب فى صالح أطرافها المختلفة، فزيارة السيسى إلى موسكو هى الثانية من نوعها فى غضون عام، الأولى كانت بصفته وزيرًا للدفاع فى أوج توتر العلاقات مع واشنطن، وكانت بغرض البحث فى الحصول على السلاح من موسكو بتمويل سعودى - إماراتى، والزيارة الثانية كانت بصفته رئيسا للجمهورية وقد اتسع مجال التباحث ليشمل جوانب اقتصادية وسياسية وعسكرية. تعلم موسكو تماما معنى وقيمة علاقات استراتيجية مع مصر، أكبر وأهم دولة عربية، وقد اختبرت موسكو أهمية التقارب مع مصر فى الحقبة الناصرية (1954- 1970) وتعرف جيدا القدرات الاقتصادية لدول الخليج العربى وعلى رأسها السعودية والإمارات. تأتى الزيارة ويأتى التقارب فى وقت يحدث فيه تباعد مصرى أمريكى، والأكثر أهمية فتور أمريكى سعودى إماراتى، فالفرصة متاحة لروسيا الاتحادية للعودة إلى مصر من جديد، وبناء شبكة علاقات استراتيجية، ودخول الخليج العربى للمرة الأولى كقوة مرحب بها بعد أن كانت مرفوضة رسميا وشعبيا. تعلم روسيا الاتحادية من البداية أهمية تدشين علاقات جديدة مع مصر والخليج العربى، وأدركت ذلك تماما إبان ما سمى «ثورات الربيع العربى»، فقد راقبت الأحداث جيدًا وكانت تتابع بدقة الأخطاء الأمريكية، بل والخطايا بحق دول رئيسية فى المنطقة، حليفة لها من عقود عديدة، تابعت مكونات الخطة الأمريكية لإسقاط نظم حكم حليفة فى تونس ومصر، وظهور مؤشرات الخطة الرامية إلى تفتيت الكيانات الكبيرة ومنها السعودية. تابعت القيادة الروسية كل ذلك دون أن تبدى رغبة فى استغلال هذه التطورات، ولم يظهر أى تغيير على الموقف الروسى حتى بعد أن رفع المتظاهرون فى مصر صور الرئيس فلاديمير بوتين باعتباره «البطل» جنبا إلى جنب مع صور عبد الناصر، وفى مقابل صور مشطوب عليها للرئيس الأمريكى باراك أوباما وسفيرته، سفيرة الشر، آن باترسون. كانت موسكو تخشى أن يكون التوجه المصرى والعربى مؤقتا وعابرا، كما كانت لا تريد أن تبدو كمن يبادر بإعادة إشعال الحرب الباردة من جديد، وقد التقطت القيادة المصرية الخيط وأعلنت مرارًا أن توجهها نحو موسكو لا يعنى عداءً لواشنطن، بل هو تنويع لشبكة العلاقات الدولية. وسبق لموسكو أن بعثت برسالة إلى مصر، إبان المرحلة الانتقالية، فيها نوع من التقدير والاحترام عندما أوفدت وزيرى الخارجية والدفاع إلى القاهرة لإجراء مباحثات سياسية وعسكرية، فى ما يعرف بدبلوماسية 2+2، وهى دبلوماسية تتبعها موسكو مع القوى الكبرى فقط. عندما تيقنت موسكو من أن التوجه المصرى المدعوم سعوديا وإماراتيا، هو توجه مستقر، فتحت أبوابها واحتفت بالرئيس عبد الفتاح السيسى واستقبلته استقبال قادة الدول الكبرى والصديقة، وتناولت المباحثات التعاون فى شتى المجالات وكانت مشاعر الود والتقدير بادية من جانب المسؤولين الروس تجاه الرئيس عبد الفتاح السيسى. المؤكد أن تطوير العلاقات المصرية الروسية يصب فى مصلحة الطرفين ويفتح مجالات جديدة للتعاون منها المجال النووى للأغراض السلمية، وسوف تؤدى السياسة الأمريكية المتصادمة مع دول الخليج العربى وتحديدًا السعودية والإمارات إلى فتح نوافذ جديدة للسياسة الروسية فى المنطقة وفتح الأسواق الخليجية أمام موسكو للمرة الأولى فى تاريخ العلاقات على نحو يحقق لموسكو مكاسب ضخمة ويقدم لمصر والدول العربية دعمًا جديدًا على الصعيدين الإقليمى والدولى، وكلما اتسعت شبكة المصالح وتنوعت، ازداد الدعم المتبادل بين طرفى العلاقة.