كشفت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى للمملكة العربية السعودية عن استقرار محور القاهرة - الرياض وأبو ظبى، باعتباره قاعدة العمل المشترك فى المرحلة القادمة، فالاستقبال الحافل للرئيس السيسى وانضمام وزير الخارجية الإماراتية الشيخ عبد الله بن زايد إلى اللقاء، كشف بشكل واضح عن أن الدول الثلاث تسير على طريق تطوير تعاونها من أجل العمل على حماية أمن واستقرار المنطقة ومواجهة كل المؤامرات التى تحاك ضدها. وكان لافتًا للنظر مسارعة وزير الخارجية القطرى بزيارة الكويت فى خطوة يريد من خلالها إرسال رسالة بعدم عزلة قطر خليجيًّا من ناحية والإيحاء بوجود معسكرين أو محورين، لا سيما أن الكويت لم تسحب سفيرها من قطر كما فعلت الرياض وأبو ظبى والمنامة. وفى تقديرى أن ما بين القاهرةوالرياض وأبو ظبى من مصالح مشتركة تتعلق بالأمن القومى قد فرضت على الدول الثلاث رؤية مشتركة دفعت بها إلى التقارب على حساب شبكة كانت مستقرة من العلاقات مع الولاياتالمتحدة والدول الغربية، فظهور ملامح الخطة الأمريكية لنشر الفوضى فى المنطقة وتفتيت الكيانات الكبيرة ولّد إحساسًا قويًّا لدى هذه العواصم بأنها مستهدفة من وراء هذه الخطة، وبدْء ما سُمى بالربيع العربى الذى أطاح بنظم الحكم فى تونس ومصر وليبيا واليمن، وهدد النظام السورى ووضع سوريا فى قلب حرب أهلية طاحنة وأعاد العراق إلى أتون حرب طائفية قاسية. كما أن وصول جماعة الإخوان إلى السلطة فى مصر تحديدًا وبدء التحرُّك لإثارة الفوضى فى دولة الإمارات وظهور حديث عن تفكيك المملكة العربية السعودية، أدى كل ذلك إلى وقوف الرياض وأبو ظبى بقوة مع ثورة الشعب المصرى على حكم الجماعة فى 30 يونيو، ودعمهما لبيان القوات المسلحة فى الثالث من يوليو، وقد أمدت العاصمتان مصر باحتياجاتها المالية والاقتصادية العاجلة، كما كان بيان العاهل السعودى فى دعم مصر وتحذير القوى المعادية لثورتها من مغبة مواصلة سياساتها العدائية، كان له أكبر الأثر فى ردع إدارة أوباما عن تصعيد سياساتها العدائية ضد مصر. أيضًا قدَّمت الرياض وأبو ظبى مساعدات ضخمة وعاجلة لدعم نظام 30 يونيو فى مصر، ومن أجل إيجاد مصدر سلاح جديد لمصر بعد قرار إدارة أوباما تجميد المساعدات العسكرية لمصر، تحرَّكت الرياض وأبو ظبى باتجاه روسيا الاتحادية ونجحت فى إعادة الاتصال المصرى-الروسى بعد طول جمود. فى نفس الوقت انفتحت موسكو سريعًا على القاهرة، لأنها تعرف جيدًا وزن وحجم مصر من ناحية وتدرك المكاسب الهائلة التى سوف تترتب على دخول روسيا منطقة الخليج العربى، تلك المنطقة التى كانت مغلقة على النفوذ الغربى/ الأمريكى منذ أوائل القرن العشرين، فدخول روسيا إلى منطقة الخليج يحقِّق لها مكاسب هائلة من النواحى الاقتصادية والاستراتيجية، إضافة إلى العودة إلى مصر من جديد بكل ما تعنيه تلك العودة من مزايا لموسكو فى وقت أعاد فيه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، بلاده مجددًا إلى قلب التفاعلات الدولية، لذلك لم يكن غريبًا أن يذهب السيسى -وهو زير للدفاع- إلى روسيا بعد زيارة لوفد إماراتى، ويعود مجددًا إلى موسكو وهو رئيس للجمهورية بعد زيارة الرياض واللقاء الثلاثى الذى كشف تلاقى مصالح العواصم الثلاث معًا على نحو يعيد تشكيل خريطة التحالفات الإقليمية والدولية.