عندما يتعلَّق الأمر بتعويج التاريخ للتخديم على أفكار شخصية، فلا قدسية لأشخاص وإن كان كاتبًا كبيرًا. قال الإمام علِى، رضى الله عنه، «اعرفوا الرجال بالحق ولا تعرفوا الحق بالرجال». هذا المقال ردًّا على مقال فهمى هويدى فى جريدة «الشروق» بتاريخ 22 يوليو الماضى تحت عنوان «صارت غزة كربلاء هذا الزمان، بعدما انتصر فيها الدم على السيف». ادعى الكاتب أن قتلة الإمام الحسين وأهلهِ كانوا من الأشقاء المسلمين. أتفهم كلمة مسلمين، لأننا لا نستطيع تكفير أحد، ولكن كلمة أشقاء هنا ليس لها أى دلالة غير أن الكاتب يتكلّم عن شخصه فقط. هذا ليس من سفاسف الأمور، ولكن هكذا يتم طمس الحق بالباطل. بعد ذكر كلمة أشقاء سيزداد الأمر صعوبة فى تقييم ما فعلوه من إجرام، وسيزيد نوع من التعاطف (أشقاء يعنى غلطة وتعدّى)! ولم يكتفِ الكاتب بهذا، فقد تجرَّأ وقال «يقدّم فلسطينيوغزة نموذجًا يتقدّم على أداء الحسين وأهله». هل نستطيع التغاضى عن هذا من باب حرية الرأى والتعبير؟ إن ما حدث مع الإمام الحسين لا يقارن على الإطلاق! عن أى نموذج أداء يتكلّم؟ الإمام وأهله لم يتعدوا الاثنين والسبعين، صمدوا وحاربوا مرتزقة يزيد بن معاوية الذين يزيد تعدادهم على أربعة آلاف لمدة ثلاثة أيام، قبل استشهادهم والتمثيل بأجسامهم. الإمام كان وما زال مثالًا للتضحية من أجل الحرية والعدل والثورة فى وجه الاستبداد والظلم وتوريث الملك! هذا اعوجاج صارخ للتاريخ وليست له علاقة بحرية الرأى! الفلسطينيون ليسوا بحاجة إلى تعويج التاريخ من أجل الثناء عليهم! شتان بين محاربة مرتزقة يدّعون الفضيلة وعدو صريح يريد اغتصاب الأرض مثل الكيان الصهيونى. الموت على يد العدو الصهيونى أكثر رحمة! من المحزن أيضًا فى المقالة هو الخلط بين كلمتى حماس وفلسطين. على سبيل المثال ونقلًا عن الكاتب «اللوم والتأنيب الذى يوجه من مصر ضد الفلسطينيين» و«حماس قصفت من إسرائيل وأهينت من مصر». صحيح أن مصر توجّه اللوم والتأنيب ولكن إلى جماعة حماس لا الفلسطينيين! والأهم هنا هو أن إسرائيل تقصف فلسطين لا حماس! من المخزى أننا نساعدهم على نسيان قضيتنا الأصلية ونخلط بين حماس وفلسطين! وهذا ما يريده الإعلام الأمريكى والصهيونى من تحويل فلسطين إلى غزة والضفة الغربية لتصبح مناطق منعزلة ثم اختزالها إلى فصيل محدد وهو حماس. فهذا يساعد العقل الجمعى على نسيان أن القضية فى الأصل فلسطين وليست جماعة أو منطقة محددة. وبعد هذا نلوم كثيرًا من المصريين على عدم اهتمامهم بالقضية! هذا ما تجنونه بسبب خلطكم بين فلسطين وحماس. قولًا واحدًا ولا داعى للمزايدة «المصريون مع القضية والمقاومة الفلسطينية»، وليسوا مع جماعة حماس، بعدما عانوه من تجار الدين والقضية الفلسطينية! ولتكفوا أيديكم أنتم، فالمصريون ليسوا بحاجة إلى من يذكرهم بعروبتهم. وبعد تشويه التاريخ، تم الزج باسم مصر دون داعٍ كالعادة! فقد ذكر الكاتب ما يلى «إسرائيل استقوت بالمبادرة المصرية التى سارعت إلى الموافقة عليها»، و«أليس من المفارقات أن نسمع ذلك الكلام العاقل من إسرائيل فى حين نسمع نقيضه من مصر؟». أولًا، إسرائيل سارعت بالموافقة لأنه وكما ذكرت فى مقالك أن المقاومة الفلسطينية أعطتهم درسًا قاسيًا وكبّدتهم كثيرًا من الخسائر، خصوصًا فى الأرواح، ولا داعى لمحاولة التلميح إلى أن الموقف المصرى الرسمى خائن وعميل! ثانيًا، إذا أردت انتقاد الموقف الرسمى المصرى فلتوجّه نقدك إلى الجهة أو الأشخاص المسؤولين لا إلى مصر. دراسة التاريخ العربى والإسلامى مهمة للاعتبار، لا لإقحام وتعويج مواقف معينة لإثبات وجهة نظرك. وفى الختام، غزة ليست كربلاء زماننا، ولم ولن تتكرر كربلاء! هل يرى أحد الإمام الحسين؟!