كشف الاستاذ هيكل في حلقة يوم الخميس الماضي علي قناة الجزيرة الفضائية في سلسلة لقاءاته الثمينة تجربة حياة عن المخططات الامريكية الاسرائيلية، التي نشرت عام 1975 والتي تتلخص في رفع العبء كاملا عن اسرائيل ومن هم وراءها بصدد اقتلاع شعب من وطنه التاريخي وتشريده في الشتات و"توطين" هذا الشعب في مرحلة لاحقة في الدول العربية التي لجأ اليها الفلسطينيون بالملايين وتحديد سيناء المصرية لتكون الوطن البديل لبقية فلسطينيي الضفة الغربيةوغزة وكذلك فلسطينيو عام 1948 الذين تشبثوا بالبقاء في ديارهم وقبضوا عليها كما قال لي الشاعر الفلسطيني الكبير سميح القاسم بأظافرهم واسنانهم.. وكانت الحلقة المذكورة كما اوضحت الجزيرة مسجلة في يوم الثاني من ديسمبر من العام الماضي وواكبت اذاعة الحلقة التطورات التي نشهدها في قطاع غزة الذي خنقته اسرائيل بأقذر الاسلحة وبحيث لا يجد أهل القطاع سوي معبر رفح الحدودي مع مصر متنفسا لهم بعد أن احالت اسرائيل وبدعم امريكي كامل قطاع غزة الي بحيرة من مياه الصرف الصحي وقطع مياه الشرب ومنع الاغذية والكهرباء وأوضح وزير الحرب الاسرائيلي ايهود باراك ان اسرائيل قررت قطع كل علاقة لها بغزة أي بعبارة صريحة انها ستبقي علي اغلاق جميع المعابر الاخري وفي نفس الوقت تترك لواشنطن مهمتها النبيلة في الضغط علي مصر ومطالبتها بالعمل علي اغلاق المتنفس الوحيد لاهالي القطاع المنكوب.. واذا كان الاخرون وخاصة امريكا واسرائيل قد اوصلوا الدول العربية الي الوضع الذي يتعين عليها فيه ان "تمد" اياديها لاسرائيل لمساعدتها علي ابادة شعب يوصف عادة بالشقيق، لا سيما بعد ان حصلت الدولتان علي وصم المقاومة اينما كانت في فلسطين ولبنان والعراق بالارهاب، فإن الكارثة تكمن فينا نحن.. فالسيد هنية الذي ألغي علم فلسطين ورفع بدلا منه راية حركته حماس يطل علينا مطالبا العالم والعرب والمسلمين وعلي رأسهم مصر بحل الكارثة التي كان هو ومنذ تأسيس حركته التي انشقت علي الاجماع الفلسطيني في اختياره لمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، احد الاسباب الرئيسية فيما آلت اليه الاوضاع المتردية للشعب المنكوب فحركة حماس التي جاءت بمثابة هدية لاسرائيل لم تكن تحلم بها قادت انقلابها في قطاع غزة والاستيلاء علي السلطة فيه..وحتي هذه اللحظة لا افهم عن اي سلطة- يتحدث هنية وما هي الفوائد التي عادت علي الفلسطينيين من "سلطته" الميمونة.. ام ان لكلمة السلطة الخاوية من اي مضمون سحرا ادركته اسرائيل وحصلت من خلاله علي ما تريد وهو شق ما تبقي من فلسطين الي كيانين منعزلين وما صاحب ذلك من مشاهد محزنة لقتل الفلسطيني بسلاح فلسطيني - كنت أتصور أن يعلن السيد هنية ورفاقه بشجاعة ان لا سلطة هناك ولا يحزنون وان الخيار الوحيد امامهم هو المقاومة وليس دفع فلسطينييغزة- الي الهرب من جحيم عهده السعيد الي مصر لخلط الاوراق والقاء اللوم ليس علي ادارته الفاشلة والتي ضربت بخنجرها الوحدة الوطنية في مقتل بل علي الدولة التي يريد ان يضمها الي معسكر الدولة الدينية والتي أول ما نفذت من انجازاتها القتل والقمع والسجون والتشريد.. ان الكلمات المسمومة التي يتحدث بها هنية حول "مسئولية" مصر يريد بها ان يخفي مسئوليته الجسيمة بل والفادحة والتي لن يغفرها له التاريخ مهما رفع من شعارات اسلامية فنحن لسنا بصدد حرب بين الاسلام واليهودية ومن ورائها المسيحيون الصهاينة في امريكا وغيرها، بل نحن في مواجهة قضية وطنية.. قضية ارض محتلة اغتصبتها اسرائيل بالقوة وعلينا يقع واجب تحريرها بالقوة.. واذكر دائما بما فعلته اسرائيل بكنيسة المهد في بيت لحم وهي احد ارفع الرموز للمسيحية، مع ذلك قصفتها اسرائيل - برضاء المؤمن بوش - بالصواريخ بدعوي لجوء "ارهابيين" اليها ولم تصدر إدانة صادقة حتي من الفاتيكان. ان القضية ليست قضية دينية ولا اريد هنا الاشارة الي اللقاءات بل والتحالفات بين دول اسلامية وبين تل ابيب فالقضية هي فلسطينية بالدرجة الاولي وعربية بنفس الدرجة.. ان احتكار البعض للدين قد جر علينا الكوارث والويلات والمثير انهم يوقعون الشعوب في المشكلة ويرفضون أي دعوة لاعادة الوضع علي ما كان عليه وهو بالمناسبة وضع في غاية الصعوبة - بحجة انهم في السلطة بانتخابات شرعية - وينسي هنية ان الانتخابات الشرعية هي التي وضعت محمود عباس في موقع رئاسة السلطة وهو يدري بدوره انها سلطة صورية ولكن عباس يحاول الحصول علي جزء من الحق الفلسطيني بما لديه من ادوات وامكانات وهي ضئيلة تعكس ضآلة العرب في هذه المرحلة الحالكة.. ومع كل التحفظات علي جدوي جهود محمود عباس فإن ما فعله هنية يصب في مصلحة المخطط الاسرائيلي الامريكي والذي سندفع جميعا ثمنه الي ان تنجلي هذه الغمة ويدرك امراء السلطة في كل مكان انه لا سلطة ولا سيادة ولا كرامة إلا بالتحرير الفعلي وان الهجمة الشرسة التي خرجت من الوثائق التي عرضها الاستاذ هيكل لتتجسد علي الارض ما كان لها ان تخرج من بين سطور كاتبيها ومخططيها الا بمساعدة الذين شقوا الصف الوطني، ايا كانت دعاواهم ويوم ينضوي كل الفلسطينيين تحت لواء علم وطني وليس مائة علم وفصيل، سيتحرر شعب فلسطين وقد نتحرر جميعا من اسر المفاهيم التي اطلقتها امريكا واسرائيل لننتزع حقنا في الحياة مثل بقية شعوب العالم الحرة.