العيد فرحة .. ولكنه بالنسبة لهم بطعم المرارة والحزن والهم، فهو بطعم الحرمان من حضن الاب والام، الحرمان من العيدية، الحرمان من جو الأسرة والألفة، الحرمان من اللعب واللهو . ذلك هو حال فئة من المحرومين من فرحة العيد، الأطفال اليتامى المودعين بمؤسسة رعاية البنين ببنها، الذين اكتفوا بالجلوس فى غرفهم او بجانب أسوار الملجىء لينعون همهم وحزنهم ويكتفون بدموعهم انيسًا لهم فى عيد بالنسبة لهم بدون أب وبدون ام او جد او جدة او عم او عمه او حتى ملابس العيد او عيدية ينفقونها ويعودون ليطلبون غيرها من اب غاب وام ماتت والحسرة تزداد لدى من يعرفون ان لهم اباء وامهات تركوهم بين جدران سجن الملجىء ..فين بابا ؟ فين ماما ؟ فين أهلى ؟ تركونى جميعا هنا أنا واخوتي الثلاثة رغم انهم أحياء".. كانت تلك هى كلمات مهند الذى لم يتجاوز عمره الخمسة أعوام، والذى يعيش داخل ملجأ أيتام ببنها رغم أن والده على قيد الحياة ليعيش مع مجموعة من الأطفال لا يعرفون من الأهل سوى بابا رمضان ويبكى مهند قائلا حرمت من حضن ابى ومن عيديته بسبب زوجته الثانية التى اجبرته على القائى انا واشقائى قصى ولؤى وشقيقتى سيران التى القيت هى الاخرى فى غيابات ملجىء ايتام البنات لنفترق بعد ان كانت تجمعنا قطع من الخبز مع والدتى التى فارقتنا ووالدنا الذى القانا بلا رحمة .. ويستكمل قصى الكلمات التى كانت أشبه بطلقات الرصاص فيقول: تركنى أبى انا واشقائى في الدار منذ سنوات أنا واخوتى لؤى وقصى وشقيقتنا سيرين التى انفصلت عنا تعيش فى مؤسسة رعاية البنات هي الأخرى ولم نراه من وقتها بعد أن ألقى بنا هنا من أجل عيون زوجته الجديدة. ويبكى لؤى وهو يتحدث قائلا صرخاتنا لم تشفع لنا عنده وتضيف سيرين قائلة في آخر لقاء بوالدى منذ سنوات عندما أجبرته مديرة الدار على الحضور قال لى (انا مش ابوكم ) وعندها رددت عليه (لما احنا مش ولادك جاى ليه.. لم يرد!) ودخلت سيران فى صمت عميق لتتساقط دموعها لتكون الدموع ابلغ من الكلام كانت كلمات هؤلاء الأطفال أشبه بطلقات تخترق القلوب وتنهار أمامها كل المعانى والمفردات التى عجزت عن التعبير عن تلك المأساة ..التى زادت حدتها فى العيد من قلب المؤسسة التقينا بطفل آخر.. أحلامه بسيطة انحسرت في أن يصبح طباخا على الرغم من تفوقه الدراسي وحصوله على مجموع 248 من 280درجة في الشهادة الابتدائية واكتفى ان يكون الشيف احمد فى قلب الملجىء ليطبخ لزملائه لحم العيد وقطع الحلوى بمشاركة طباخى المؤسسة ووسط بكاء إخوته في الدار انبرى هشام انا باطبخ لزمايلى كل الأكلات.. ويضيف أحوالى هنا جيدة فأنا وسط أشقائى الذين لايعرفون سوى الحب ولا يعرفون لغة الغدر والكراهية التي وجدناها من الأهل والكبارمعهم أتقاسم الطعام والفرحة والحزن أجد فى وجودهم معي ووقوفهم بجانبى الأنيس فى وحدتى وفرحة العيد ستكتمل بهم فسوف نحول اسوار المؤسسة الى مكان يفرحنا لاننا لم نجد سوى من يتعسنا كانت الكلمات تخرج من فمه الصغير بصعوبة.. لكنها عبرت عن مدى الحزن الكامن فى صدره. ويتحدث تامر الطالب بالصف السادس الابتدائي عن أحلامه الصغيرة فيقول انا برسم كويس ونفسى أطلع رسام وأعمل معرض لأعمالي الفنية وأصبح مشهورا يعرفني الجميع.. وتنشر الصحف صوري ولوحاتي علشان أهلي يفتكروني ويسألوا عني من تاني..من اجل ذلك اقوم برسم زملائى كبديلا عن التقاط الصور بالخارج وكل ما يطلبه تامر توفير مستلزمات الرسم له ليمارس موهبته التي يستمتع بها ويجد فيها عوضا عن الأب والأم اللذين تخليا عنه .. ويتساءل عن سبب وجوده في الدار قائلا: أنا لست يتيما فأبي وأمي أحياء لكنهما أودعاني الدار بعد أن عجزا عن الانفاق علي.. ولكن هل الفقر يمنعهما عن الحضور لرؤيتي؟! سليمان ،طالب بالصف الثالث الثانوى حصل على ميداليات تفوق رياضى عديدة وهو أيضا مذيع جيد بشهادة زملائه حتى أنهم يلقبونه بمحمود سعد الدار ورغم مواهبه المتعددة فكل أمله أن يكون ضابط مهندس لحبه الشديد للرسم الهندسي ويتحول سليمان فى العيد الى مذيع لزملائه محاولا رسم البسمة على شفاههم فى عيد غاب الاباء والامهات عنهم وبقى حزن فى عيون اطفال لم تعرف شيئا فى الدنيا سوى الحرمان . وفى مسجد المؤسسة التقينا بالطفل سيد محمد على ،ابن الخامسة عشرة استوقفنا صوته العذب وهو يؤذن للصلاة ويردد تكبيرات العيد ويردد زملائه ورائه عرفنا من زملائه أنه يوقظهم يوميا لأداء صلاة الفجروانهم يؤمهم لصلاة العيد ورغم افتقاده للإحساس بالأمان النفسي الذي حرم منه بسبب وحدته منذ الصغر نجده يقول في شجاعة : نفسي أطلع ضابط لأعيد الأمن للشارع المصرى واطبق القانون على من نزعت الرحمة من قلوبهم وتركوا ابنائهم فى الشارع وفى الملاجىء وعن هذه المواهب الجميلة التي لم تفسدها الظروف وغياب فرحة العيد يقول رمضان قطب مدير مؤسسة رعاية البنين أو بابا رمضان كما يطلق عليه الاطفال بالمؤسسة نحن هنا لنعالج ما أفسده الآباء والأمهات ولنصنع جيلا يحترم نفسه ويحترم وطنه ويحترمه المجتمع ونحاول جاهدين توفير كافة احتياجات الأطفال من مسجد ومكتبة وملعب كرة قدم إضافة لأدواتهم الشخصية، ونعتمد على التبرعات بنسبة 90% لأن الدعم الحكومى لا يتجاوز جنيهين يوميا لكل طفل لا تكفى طعامه أو شرابه أو ملبسه..! ويوجه مدير الدار صرخة لمجتمع تناسى هؤلاء الأطفال وتجاهل همومهم واحتياجاتهم النفسية والمادية بعد أن نسيهم الأهل وألقوا بهم قهرا وغصبا فى ذلك الملجىء لينضموا لصفوف الأيتام رغم أن لهم آباء أحياء يرزقون!!