لست أدرى بالضبط ما مشكلة المصريين مع الفرحة!.. لو أصابت أحدهم مصيبة، ملأ الدنيا صراخا وعويلا، لكى يعلم الرائح والغادى بمصيبته، أما لو جاءته السعادة، فهو يكتمها، ويدارى عليها، خشية أن يحسده الناس، الذين وقفوا معه فى مصيبته، عليها. ولو سعد أحدهم يوما وفرح، وانطلقت من قلبه ضحكة صافية مرة، فهو يتراجع فى سرعة، ويقول: «اللهم اجعله خيرا»، وكأنه، حتى فى سعادته يتوجس خيفة، وينتظر أية مصيبة، لا بد وأن تعقب فرحته، من وجهة نظره، وكأنه يؤمن بأنه، من دون أهل الأرض جميعا، ليس من حقه أن يفرح ويسعد، وأن الحزن والأسى يختفيان له، خلف كل باب. تلك العادة تغلغلت فى النفوس، وزادت على هموم المصريين ألف همّ وهمّ، وصارت جزءا من ميراثهم الثقافى، لا ينفصل عنهم، ولا فارق فيه بين غنى أو فقير، حتى إن النظرة إلى الشخص المرح، أو دائم الابتسام، نظرة دونية، تفتقر إلى الاحترام والتوقير، على عكس النظرة إلى الإنسان الصارم المتجهّم، الذى هو، فى نظر الغالبية العظمى، مثال للرجل القوى الوقور، ذى المهابة والاحترام، وحتى فى الدين نفسه، يرى بعضهم أن الضحك ليس من سمات المؤمن الحق، على الرغم من أن الأستاذ عبد البديع قمحاوى، رحمه الله، وجزاه على ما فعله خيرا، له كتاب عظيم، يحمل عنوان (النبى تبسّم)، وفيه يروى وقائع عن الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، كان فيها باسما مرِحا، يلقى الدُّعابات ويبتسم لها، دون أن يستنكرها، أو يعترض عليها، أو يقول إن دنيا المؤمن همّ وغمّ. ذلك الموروث العجيب جعلنا، ومنذ ثورة يناير، نأبى بشدة أن نفرح، وننظر إلى المستقبل نظرة خوف سوداوية، ونبرّر هذا بعبارة واحدة، لم نمل ترديدها أبدا، وهى أن الثورة لم تكتمل، وكأن الوسيلة الوحيدة، لكى تكتمل الثورة، هى أن لا يفرح بها الشعب يوما واحدا، فلو فرح ضاعت أهداف الثورة، وعاد النظام السابق، وانقلبت الدنيا رأسا على عقب، وتفجرت البراكين، وزلزلت الأرض زلزالها، وربما قامت القيامة أيضا! كل هذه المقدّمة لأصل إلى النقطة الرئيسية، ألا وهى الاحتفال بالذكرى الأولى للثورة، يوم الخامس والعشرين من الشهر الحالى. كان المفترض، كشعب قام بأول ثورة شعبية، فى تاريخه الحديث، أن يكون الاحتفال بالذكرى الأولى لها أشبه بالمهرجان، الكل فيه يفرح ويغنى ويهلّل ويحتفل، وأن تعلق الزينات والرايات، وتذوب الخلافات والاعتراضات، وتنتشر السعادة بين شعب، يحتفل بانتصاره، وينعم بنهوضه، بعد سُبات طويل، ولكن هيهات هيهات، لا بد وأن يتحول الاحتفال إلى غضب، وتتحول الفرحة إلى تحدٍّ.. وللحديث بقية.