اكتب اليك من الإمارات بعد ثلاث سنوات من الصبر المرير ومحاولة التغلب علي أحزاني بشتي الطرق وأولها الاستعانة بالله سبحانه وتعالي بالصلاة وقراءة القرآن والدعاء والبكاء والعويل الذي يصل أحيانا إذا ما كنت بمفردي لثلاث أو أربع مرات في اليوم وأحيانا في ساعة واحدة أكمل المقرر حتي يصيبني صداع قاتل يبدأ من عيني وجبهتي وأستند علي أثاث المنزل حتي انتقل لأغسل وجهي أو لأي مكان داخل الشقة لأني أقيم بمفردي بعد نزول الأسرة للدراسة وسوف ألحق بهم نهائيا خلال أيام. وترجع آلامي وأحزاني إلي3 سنوات مضت وبالتحديد 30/7/2008 حيث فقدت نفسي وروحي وحياتي وأملي وامتدادي كأب.. فقدت ابني الأكبر في سن21 عاما والذي كان سيتخرج من كلية الهندسة في العام التالي مباشرة في حادث يعد بسيطا بسيارته وهو يزف صديقا لعروسه في موكب فرح وظل في العناية المركزة 5 أيام حتي وافته المنية, فقدت الابن الشاب الرجل الشهم المحب للغير الحنون المحترم البار المهذب المؤدب الخجول المثقف العبقري المتفوق في دراسته حتي أن اصدقاءه وزملاءه كانوا يسمونه أحمد زويل. فقدت الابن الذي كان كل من يراه ويعرفه يغبطني عليه ويمني نفسه بابن بهذه الصفات النادر ان تجتمع معا في شخص واحد.. لقد كان آباء وأمهات زملائه يسعدون بوجود أحمد مع أبنائهم سواء في المذاكرة أو الخروج لشدة استقامته وأدبه الجم, ولذلك بكاه المئات في سرادق العزاء وخارجه وجاء لي معزون من اساتذته في الجامعة في مدينتي ومن القاهرة ممن تعرفوا عليه خلال دورة تدريبية لأسابيع فما بالك بمن عايشه عمرا؟ بكاه اصدقاؤه وزملاؤه وآباؤهم وامهاتهم كأنه ابنهم واقاموا معنا طيلة خمسة أيام في المستشفي قبل وفاته.. جزاهم الله كل خير وبارك لهم في ابنائهم اخوة أحمد, ومازالوا معنا يزوروننا بصفة مستمرة. إنني أعاني معاناة لا يتخيلها بشر وأشعر بأن الأسرة كلها ماتت وليس أحمد فقط فقد كنت دوما أقود السيارة أو أركب الطائرة في سفري المتكرر وأقول لنفسي لو مت عادي جدا.. أحمد موجود وهو أحسن من ابيه بكثير, ففيه كل الصفات الانسانية الراقية وهو الابن البار جدا بوالديه وأخيه الأصغر وأخته الصغري, وأتمني لو كنت أنا من مات فلقد عشت طويلا وأترك لهم أحمد امتدادي الطبيعي.. ولا أخفي عليك وساوس الشيطان والكلام غير المتزن الذي يصدر مني في نوبات بكائي المستمرة. المشكلة انني والغالي نسخة واحدة أراه في كل تصرف أو موقف أو كلمة أو تفكير, وحتي الشكل, حيث كنت أداعب زوجتي واقول لها مش وحشتك.. فتقول لا وهي تضحك أحمد هنا ساعة ما بيدخل علينا باحس إن انت اللي دخلت البيت.. كنت أعده وأمني نفسي به عبقريا ناجحا في عمله وكنت أخطط معه لاستكمال دراسته في الخارج حتي يصبح فعلا واحدا من العلماء. إنني اقود السيارة وأسير بها في الشوارع بلا هدف.. وهذه حالة نادرة في الإمارات لحرارة الجو وفي المحال ابحث عن شبيه أحمد وحتي في مصر بدءا من الأطفال وحتي الشباب في عمره وأتذكر كل مراحل حياته وكل كلمة وكل ضحكة وكل فرحة لأنه لم يكن يجلب لنا الا كل ما يفرح, حتي ان والد احد زملائه قال لي في العزاء ابنك شرفك وهو حي وشرفك وهو ميت من كثرة المعزين من كل مكان, حتي إن من هم خارج خيمة العزاء كانوا اضعاف من بداخلها, وكل ذلك يزيد نوبات بكائي حتي انني ابكي في الشوارع والطرقات وأخشي أن يتفرج الناس علي أو ان اتسبب في حادث واحيانا أقاوم حتي أدخل الشقة وتبدأ الطقوس والتخريف والانهيار. ومما زاد الطين بلة و ضاعف من نوبات بكائي اضعافا منذ قيام الثورة ما اراه من صور الشهداء في مصر من شبابها في عمر احمد رحمهم الله جميعا أو أب مكلوم مثلي أو أم ثكلي وهذا يحدث يوميا فأربط بينهم وأنخرط في البكاء حتي أفقد القدرة علي تحريك رأسي وجسمي. إنني أسألك انت وقراءك الكرام الدعاء لابني أن يرحمه الله رحمة واسعة في ذكري رحيله الثالثة بقدر حبنا له وبره بي وبنا جميعا ولنا الصبر وقوة الإيمان. { وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون فوالله يا سيدي إن أجرك عند ربك عظيم, وأري في كلماتك المعبرة قول رسول الله صلي الله عليه وسلم من أصيب فقال: اللهم أجرني في مصيبتي هذه واخلف لي خيرا منها, إلا فعل الله به ذلك, فاصبر لحكم من لاتجد معولا إلا عليه, ولا مفزعا إلا اليه. إن الدنيا دار اختبار وبلاء, وقد خلقنا الله في كبد ومشقة, وعلينا دائما أن نمتثل لإرادته سبحانه وتعالي, وأن نكون حسني الظن به.. وأذكرك بقول الرسول الكريم عن رب العزة.. ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم أحتسبه إلا الجنة.. رواه البخاري. ودعني أردد معك قول الشاعر: إصبر ففي الصبر عقبي لو علمت بها سجدت شكرا لذي الافضال والنعم وأعلم بأنك إن لم تصبر كرما صبرت حتما علي ما خط بالقلم وإذا كان البكاء فضفضة عما تجيش به النفس فلا تدعه يسيطر عليك إلي ما لا نهاية.. ويكفيك فخرا سمعة ابنك الطيبة وميراثه الوفير من الاخلاق الكريمة والتربية الصالحة. وعلينا جميعا أن ندعو له بالرحمة ولكل شهدائنا الأبرار.