أمس وقبل يوم واحد من حلول شهر رمضان الكريم، خرجت كل الصحف تتحدث عن زيادات فى أسعار الطاقة، اختلفت فى حجم الزيادة، لكنها اتفقت على اعتماد هذه الزيادات وبدء تطبيقها اعتبارًا من الثلاثاء المقبل. الحكومة اجتهدت فورًا بمجرد أن أعلن الرئيس السيسى رفضه للموازنة العامة، لخفض عجز الموازنة، وكان طبيعيا أن تمد يدها إلى ملف الطاقة، لكن بناء السياسات لا يقتصر فقط على اتخاذ قرارات الجباية السريعة، لكنه لا بد وهو يبنى القرار أن يرصد تداعياته، وينظر فى ما لديه من أدوات وإجراءات لتقليل هذه التداعيات وتخفيفها. مَن يمول خطط خفض عجز الموازنة التى طلبها الرئيس السيسى؟ تعالَ لننظر إلى قرار رفع أسعار الطاقة فى أول تطبيق عملى، بمجرد أن تحدثت وسائل الإعلام عن الزيادات وقبل تنفيذها رسميا، ارتفعت أسعار المواصلات العامة بنسب تتراوح ما بين 30 و50 فى المئة. صباح أمس، السبت، كانت المشاجرات قد بدأت بين المواطنين الذاهبين إلى مقار عملهم، وسائقى سيارات نقل الركاب بسبب رفع أسعار الأجرة، لم تنته المشاجرات إلى شىء، رضخ مَن رضخ واعترض مَن اعترض، وبحث الراضخون والمعترضون على السواء عن مظهر للدولة يحتكمون عنده فلم يجدوا أحدًا. زيادات أسعار البنزين والسولار، تعنى ببساطة ودون حاجة إلى تخصص، رفع أسعار النقل، سواء نقل الركاب، أو البضائع، مَن الذى سيدفع فاتورة هذه الزيادة؟ مواطن ارتفعت فاتورة مصروفاته فى الانتقال، وارتفعت فاتورة استهلاكه بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية التى يبرر التجار ارتفاعها بزيادة مصروفات النقل، وسترتفع فاتورة مدارسه، لأن سيارات المدارس سترتفع أسعارها بسبب ارتفاع أسعار الوقود. لكن الحكومة الملتزمة بنص الدستور بتحقيق العدالة الاجتماعية، وهى تحرك الأسعار، الأرجح أنها لا تستهدف أن يمول لها الفقراء عجز الموازنة، هى أيضا تحاول توزيع العبء على جميع المصريين، وأيضا سترفع أسعار الطاقة المقدمة إلى المصانع كثيفة الاستهلاك، لكن ماذا بعد رفع هذه الأسعار، سترتفع أسعار المنتجات جميعها، وعلى رأسها الحديد والأسمنت، وبارتفاع أسعار الحديد والأسمنت، سترتفع أسعار العقارات، وسيدفع المواطن فاتورة كل الأسعار الجديدة. ■ ■ ■ رفع أسعار الوقود ليس مجرد قرار عابر، فالتداعيات حوله كثيرة ومتنوعة، والتعامل أيضًا مع ملف دعم الطاقة ضرورى، ولأول مرة هناك تفهم شعبى كبير لكل هذه الإجراءات القاسية، والبسطاء الذين هم الجمهور الأعرض لمؤيدى الرئيس السيسى لديهم استعداد للصبر كما قال لهم، لكن الدولة وهى ترفع أسعار الوقود، لا تملك ما تقدمه للتحكم فى أسعار الخدمات المرتبطة بالوقود، فلا هى تملك أسطول نقل عام آدمى ومتوفر بكثافة لتعوض المواطن عن ارتفاع تكلفة مواصلاته، ولا تستطيع أن تفرض تسعيرة جبرية على السلع، لأن ذلك يتنافى مع اقتصاد السوق. الرئيس قال بحسم إنه لن يسمح بمطالب فئوية ولن يستجيب لها، وهذا يعنى أن الأجور ستبقى ثابتة لا تتحرك، بينما الأسعار تتحرك، بما يعنى إلقاء المزيد من المواطنين تحت خط الفقر، ويعنى أن كل مقدم خدمة لن يتضرر من زيادات أسعار الوقود، لأنه سيعوض الزيادة من جيوب المواطنين، وبالتالى فإن المواطنين هم الذين سيمولون عجز الموازنة لا غيرهم، هم مَن سيتحملون كل العبء، لا الشركات، ولا المصانع، ولا التجار، ولا أصحاب سيارات النقل، فقط كل من يعيش على أجر شهرى ثابت لا يتحرك مع تحرك الأسعار، فى ظل نظام اقتصادى يسمح ببيع المنتج بالسعر العالمى لمواطن لا يتقاضى أجرًا بأى سعر عالمى. ■ ■ ■ تجتهد الحكومة واقتصاديوها ورجال الأعمال فى إقناعك أننا نعيش مرحلة استثنائية، ولا بد أن نقبل بالإجراءات الصعبة، بينما يرفضون تحديد الربح بنسبة معقولة من مصاريف الإنتاج، أليست مرحلة استثنائية؟ أم أن الفقراء فقط هم المطلوب منهم تمويل كل استثناء؟!