الفتاة التى جردها السفلة من ملابسها فى ميدان التحرير أو غيره من ميادين وشوارع مصر لم تتعرَ فى هذا اليوم فقط، وإنما تعرّت منذ سنين مرَّت، تعامل المجتمع معها على أنها «حتة لحمة» متاحة ومباحة للآكلين، تعرّت يوم أن سُحلت أيام المجلس العسكرى، وخرج الحقراء معلقين على ملابسها الداخلية، ولم يتم بعدها إعدام من سحل أو علّق على هذه الحقارة، تعرّت يوم أن صارت «كارت» يُلعب به، فإن كانت معنا فهى من الحرائر، وإن كانت مع التانيين فهى عبدة ولاعقة بيادة أو حذاء مرشد، تعرّت عندما ضنّت عليها الدولة بقانون يحميها ما دامت النخوة والكرامة والحمية اندثرت فى شوارعنا، تعرّت يوم أن دلّل المجتمع المتحرش بها تحت دعوى تغليظ العقوبة فجعلها حبس ستة أشهر أو غرامة ثلاثة آلاف جنيه، ولا ينقصه سوى.. «مش عايز ديفيدى؟»، تعرّت يوم أن جعلوا الإعدام لقطع الطريق، ولم يجعلوه لمن يقتل جنسا كاملا تموت فيه كرامته وإنسانيته وآماله وحبه للحياة كل يوم، وهل شُرِّع الإعدام إلا لجريمة كهذه؟ تعرّت يوم أن صارت عاطفتها حراما وإحساسها عارا ورأيها خطيئة، ويوم أن صار عقاب من يلمسها فى الشارع «ماعلش عيِّل وغلط.. ماحصلش حاجة»، تعرّت يوم أن صار شرفها مشروطا ب«هيه لابسة إيه؟»، تعرّت يوم أن علّقت إحدى الإعلاميات على واقعة التحرش، قائلة وهى تضحك: «الشعب مبسوط بقى»، تعرّت يوم أن تخلّت الدولة عن مسؤوليتها فى حماية هذا الشعب، وصارت وقائع التحرش فى الأعياد، وغيرها تتم أمام أعين رجال الشرطة، المنشغلين بمطاردة حاملى البلالين وإشارات رابعة، تعرّت يوم أن تخلى عنها القضاء فلم يجعل لها دوائر خاصة لقضايا التحرش ليلقى الخسيس جزاءه فوريا، تعرّت يوم أن أخطأ أبواها وأنجباها فى هذا البلد!