فى 10 يونيو عام 1953، أرسل أحد القراء إلى الكاتب الصحفى محمد التابعى رسالة على بريده، ونشرها التابعى فى مجلة «آخر ساعة»، يقول القارئ: «لقد قرأت فى الصحف والمجلات هذا الأسبوع أنهرا طويلة كلها تدور لا عن المفاوضات ولا عن وسائل النهوض بهذا الوطن العزيز، ولكن عن سامية جمال، من هى هذه السامية جمال يا سيدى حتى تمتلئ صفحات الصحف صباح مساء عن زواجها وطلاقها، وهل سيحق لها طلب الطلاق أم لا وماذا سيفعل زوجها كنج، وهل ستعود إلى عصمته أم تبقى؟ إلى آخر هذه الأحاديث الممجوجة، إننى لفى أشد العجب من أن تمتلئ الصفحات بهذا الموضوع التافه.. من هذه السامية جمال حتى يكتب عنها هذه؟ ألم تكن بطلة فضيحة حفلة السرير الأبيض، ولعلنا لم ننسَ بعد «راقصة مصر الرسمية؟»، هل تعتقد أنها رفعت اسم مصر عاليا -كما يقولون- فى أمريكا، لا تصدق يا سيدى، فقد حدثنى صديق عاد توا من هناك فقال: إنهم يقولون هناك هذا هو الكنز الذى استولى عليه كنج من مصر، إنهم يتندرون بنا وعلينا هناك.. سيدى أستحلفك بالله أن تكتب لتوقف هؤلاء الذين يشغلون البلد فى هذا الوقت العصيب بهذه الموضوعات التافهة حتى تنصرف عن قضيتها.. ولتذهب سامية جمال أو تبقى فهذا لا يهم.. إنما المهم أن لا نشغل الرأى العام بهذه الموضوعات الداعرة»، آثرت أن أنقل الرسالة كاملة ليتبين للقارئ حجم الاهتمام، الذى كانت توليه الصحافة لهذه الفنانة الأصيلة، ومن الواضح أن هذه الرسالة مضروبة وملفقة مع احترامنا الكامل لمحمد التابعى، فأين هذا القارئ الذى سيقول إنه يقرأ أنهرا؟ هذه لغة صحافة، وكذلك هو يتساءل عمن هذه السامية، ولكن يتضح من خلال الرسالة أنه يعرف عنها كل شىء، خاصا كان أو عاما، وتبعا لهذه الملاحظة، فهناك بعض الصحفيين والكتّاب، كبروا أم صغروا، وفى جميع العصور، يريدون أن يقدموا أنفسهم للحاكم بشكل لافت، فيفتشون عن فضائح أو أخطاء أو مزالق لكل من له علاقة بالعهد السابق، لتقديمها لهذا الحاكم الجديد، وإن لم توجد فضائح أو مزالق لاخترعوها وزينوها ووضعوها فى قالب قصصى جميل، وليس ضروريا أن يكون مقنعا، فالحاكم فى هذه اللحظة يريد أن يستمع لشيئين فقط، الشىء الأول يتعلق بتسويد كل صفحات العهد السابق، والشىء الثانى هو المديح المفرط فى نظامه وعدالته، وأى شىء عدا ذلك فهو تضييع للوقت، وإشغال للناس وصرفهم عما هو أجدى، كما عبر هذا القارئ المخترع فى رسالته، وكانت سامية جمال صيدا سهلا لتقدم هذه الخدمة، فكتب عنها مصطفى أمين فى كتابه «ليالى فاروق»، الذى صدر عن دار أخبار اليوم فى مجلدين عام 1954، وكان قد نشره مسلسلا فى صحيفته أخبار اليوم، وكان خيال مصطفى أمين جامحا بشكل مذهل، إنه يدخل الضمائر والأروقة السرية والأسرّة، وكان خياله مع سامية جمال يفوق الوصف، وعمل على تجريحها بدرجة كبيرة جدا، ولم يكن فى ذلك الوقت أحد يستطيع أن يتحدى هذا التلفيق، وذاك الخيال الذى يخدم السلطة كما يتخيلون، وفى الحقيقة إنه يضرّ بهذه السلطة التى تسمح لكل هذه الترهات، وربما يكون هذا النفاق قد خدم بعض الوقت، لكننا عندما نقرأ ذلك الهراء بعد ستين عاما سنكتشف هذا المدى الذى كان يحدث من الحاشيات العابثات بوجدان الشعب. وسامية جمال هى البنت زينب خليل ابراهيم محفوظ، المولودة فى 27 مايو 1924 بقرية «ونا القس» بمركز الواسطى التابع لمحافظة بنى سويف، وبعد معاناة معروفة ومحكية عشرات المرات، هربت زينب وتوجهت إلى كازينو بديعة مصابنى، واشتغلت هناك ككومبارس، ومثل كل الذين خرجوا من عند بديعة، أخذت فرصتها فى الظهور كراقصة أمام الجمهور، واشتهرت بأنها ترقص حافية، فأطلقوا عليها «الراقصة الحافية»، والتقت ذات صدفة الفنان فريد الأطرش، الذى كانت تحبه بجنون، وكانت تحب أغنيته «الحب من غير أمل»، وعندما اقتربت من فريد، تجسد أمامها حبيبها وفارسها الذى كان خيالا، واشتركا فى عدة أفلام معا، فشل بعضها، ونجح البعض الآخر، ولكن الفيلم الذى فتح لها باب الشهرة والمجد أولا، كان فيلم «تاكسى حنطور»، الذى قفزت فيه من الدور الثالث كممثلة إلى الدور الأول أمام الفنان الشعبى محمد عبد المطلب، كما يحكى الكاتب محمد السيد شوشة فى كتابه عنها، وذلك لأن أحمد بدر خان أجاد فى هذا الفيلم اكتشاف سامية جمال، وعرف كيف يعرض رقصاتها فى أجمل وأبهى صورة، وبالأخص فى الرقصة التى أطلقوا عليها رقصة الساعة، ولهذا فكان المتفق عليه أن يكون أجرها أربعين جنيها، فنجد أن محمد عبد الوهاب رفع أجرها عشر مرات أى دفع لها أربعمئة جنيه فى فيلم «الحب الأول». بعد فشل سامية جمال فى إقناع فريد الأطرش بزواجها، كانت يائسة تماما، وفى مهرجان فينسيا، الذى كان اسمه مهرجان السرير الأبيض، التقت رجلا أمريكانيا يدعى «شبرد كنج»، فهام بها هياما، وفاتحها فى الزواج، واعتقدت أنه يمزح، ولكن بعد حوار طويل معه، تزوجته فى 29 نوفمبر 1951، وأعلن إسلامه، وسمى نفسه عبد الله كنج، ولكنها لم تستمر معه أكثر من عام ونصف العام، عادت بعدها لتواصل حياتها كفنانة وراقصة، ولكن المناخ كان معاديا، ولكنها ظلت تواصل عملها، حتى عادت لجماهيريتها مرة أخرى، وتزوجت من رشدى أباظة، وكانت قد رقصت على كل مسارح العالم، إذ كانت رقصاتها حتى الآن تمثل مدرسة فريدة، ويقول عنها الطبال الخاص بها، سيد كراوية «عفريت الطبلة» المصاحب لها: «إننى عندما أمسك لها الطبلة أرى كل شىء أمامى يرقص حتى الطبلة ترقص فى يدى».