يتابع أهل واشنطن الانتخابات الرئاسية المصرية وبالتأكيد تتباين مواقفهم وآراؤهم فى قراءة مستقبل مصر. فى حين تواصل الصحف الأمريكية تسليط الأضواء على شخصية السيسى، ويبدو أن لديها أسئلة أكثر من أن تكون لديها أجوبة. كما أنها فى إطار بحثها على الأجوبة «تنبش فى ماضيه» و«تلجأ إلى معارضيه» فى محاولة لقراءة الحكم القادم فى مصر. أما الإدارة الأمريكية وكما جرت العادة فى كل الانتخابات على امتداد العالم تلتزم الصمت لحين إعلان النتيجة. وفى حالة مصر تتابع وتنتظر اختيار الشعب المصرى لتهنيَه وتتمنى النجاح للرئيس المنتخب مثلما فعلت يوم أول من أمس (الأحد) مع الانتخابات الرئاسية فى أوكرانيا، وأيضا مثلما فعلت من قبل مع مرسى عام 2012. والقراءات الأمريكية الأولية أمس للانتخابات الرئاسية المصرية لا تختلف كثيرا عن متابعات واهتمامات كل من يتابع المشهد المصرى بكل تفاصيله. فهناك اهتمام بمدى إقبال الناخبين على التصويت أو مدى إحجامهم عنه استجابة لدعوات المقاطعة. وأيضا الإجراءات الأمنية المشددة والحالة الأمنية بشكل عام فى مصر.. ثم الترجيح باكتساح السيسى ووصوله للرئاسة. ولا شك أن شعبية السيسى كظاهرة مصرية كانت وستظل موضع اهتمام واستفهام من جانب الإعلام الأمريكى ودوائر أمريكية أخرى. ومن هنا يأتى السؤال إياه هل هو «الرجل القوى» أم «المستبد أو الحاكم المطلق»؟ هذا السؤال أو التخبط فى التوصيف انعكس على صحيفة «نيويورك تايمز» وهى تختار عنوانا للتقرير الذى تناول شخصية السيسى فى عددها الصادر يوم الأحد. الصحيفة الأمريكية فى طبعتها الورقية وعلى صدر صفحتها الأولى كتبت تحت «مستبد مصر الجديد.. السيسى يعرف ما هو الأفضل» فى حين فى موقعها الإلكترونى حمل التقرير ذاته عنوانا مختلفا «رجل مصر القوى الجديد.. السيسى يعرف ما هو الأفضل». كما كان لافتا للأنظار اهتمام صحيفة «واشنطن بوست» بشعبية السيسى لدى المرأة فى تقرير لها من القاهرة نُشر أمس عكس أحد عناوينه «الدهشة» أو «الاستعجاب» على أساس أن السيسى كان المدافع عن «كشوف العذرية»! وبالتأكيد سنقرأ فى الصحف الأمريكية ونشاهد فى قنوات التليفزيون الأمريكية مزيدا من المتابعة والتحليل السياسى و«التخبط» وأيضا «لىّ حقائق وتطويع مصادر وما شابه ذلك» فى تغطية المشهد المصرى. إلا أن الأمر الأهم كان ولا يزال هو كيفية التعامل معها دون تهويل أو تهوين ودون القفز إلى استنتاجات عامة (كالمعتاد) والأهم استمرار التواصل مع الإعلام الأمريكى وغيره.. مهما كانت صعوبة المهمة ومشقة تصحيح المفاهيم! وطالبت قيادية بالكونجرس بضرورة تعزيز الشراكة الاستراتيجية القائمة بين مصر وأمريكا، إذ كتبت كاى جرانجر رئيسة لجنة الاعتمادات الخارجية بمجلس النواب، فى صحيفة «رول كول» المعنية بشؤون الكونجرس: «إن الانتخابات الرئاسية فى مصر تعد لحظة تاريخية للشعب المصرى وخطوة مهمة فى الطريق الذى بدأ السير فيه منذ أكثر من ثلاث سنوات عندما توجه الملايين إلى الشوارع للمطالبة بالتغيير»، ثم أضافت: «رد الإدارة الأمريكية على الأحداث التى بدأت فى مصر فى 30 يونيو 2013 بعث بإشارات مختلطة للشعب المصرى ولحلفائنا فى المنطقة. وأملى أن انتخابات حرة ونزيهة فى مصر سوف تمنح الحكومة الأمريكية فرصة لكى تنخرط من جديد وبشكل كامل مع هذا الشريك الاستراتيجى المهم». وحرصت القيادية الجمهورية بالكونجرس على القول «لا أنظر إلى الأحداث فى مصر من خلال نظارات وردية». مضيفة: «إننى أقوم بتقييم علاقتنا مع مصر من خلال هذه الشروط الواضحة. هل هذه العلاقة تعزز من أمننا القومى؟ وهل مصر تعد شريكة حسنة النية للسلام مع إسرائيل؟ وهل هذه العلاقة سوف تسهم فى استقرار الشرق الأوسط؟ والإجابة لهذه الأسئلة الثلاثة حتى فى هذا الوقت من الانتقال الصعب هى: نعم». وذكرت النائبة أيضا «أن العلاقة الأمريكية المصرية بُنيت على أساس قوى من المصالح المشتركة. وهذا الأساس عانى من عام مضطرب. والآن هو الوقت لإعادة التركيز على مجموعة متكاملة من أهداف سياسات ممكن تحقيقها، وأن يعترف قادتنا وقادة مصر بأننا يجب أن نعمل معا، وأن المخاطر كبيرة بحيث لا يمكن أن نفعل أقل من ذلك». وكانت النائبة جرانجر من الأصوات المطالبة بشدة بضرورة إرسال طائرات هليكوبتر (آباتشى) إلى مصر فى إطار المساهمة والمشاركة فى حربها ضد الإرهاب. فى كل الأحوال لم تغير واشنطن موقفها المعلن من أنها تنتظر باهتمام اختيار الشعب المصرى لرئيسه القادم ولمساره المقبل سياسيا واقتصاديا. كما أن ما وصف مؤخرا بالتفهم الأمريكى للخيارات المصرية لهو أمر قائم ومستمر. وبالتأكيد ما شهدته مصر خلال السنوات الثلاث الماضية من تخبط سياسى وتردٍّ اقتصادى فى حاجة إلى استقرار ما مهما كان شكله. والسؤال الأهم هو: كيف؟ خصوصا أن التحديات كبيرة والإمكانيات والقدرات على مواجهتها كما يبدو ليست كافية. التساؤلات المطروحة على الساحة الأمريكية بخصوص الواقع المصرى لم تتغير على الإطلاق فى الفترة الماضية إلا أن الإجابات المصرية ما زالت غير كافية أو غير واضحة وغالبا «غير حاسمة». والتوصيف إياه ب«مرحلة انتقالية» استُخدم بكثرة كتفسير أو مبرر أحيانا لعدم حسم الأمور والاكتفاء ب«إسعافات أولية» أو «حلول ترقيعية» فى مواجهة مشكلات وأزمات يجب إيجاد حلول حازمة وحاسمة لها. وفى هذا السياق تجب الإشارة إلى أنه يذكر دائما «شعبية السيسى» وهل سيتم استخدامها فى إقرار سياسات وتمرير قوانين ضرورية لا تحظى بقبول شعبى بشكل عام مثل ملف الدعم بكل أشكاله. وكان أغلب هذه القضايا الحيوية ضحية تلكؤ حكومى مبرره أن أى قرار حاسم بشأنه إثارة القلاقل والغضب لدى فئات عديدة من الشعب. وأمام كل هذه التحديات والمشكلات والأزمات واشنطن تتابع وتراقب كيف ستقرر مصر وتختار مساراتها وسبلها فى مواجهة هذه الملفات!